الواحة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الواحة

منتدى تونسي : مصافحة لكل العرب من المحيط إلى الخليج
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرواية الكاملة : زوربا

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:11 pm

وفي الطريق، أدركت انني أريدها.. وكنت
أعرف من اللغة الروسية ثلاث كلمات.. ولكن هذه الأمور لا تحتاج
إلى كلام كثير.. فقد
تفاهمنا بالعيون، والايدي والسيقان
.

ووصلنا إلى القرية
وتوقفنا أمام دارها، ففتحت الفتاة الباب بدفعة من
كتفها ودخلت
.

وعاونتها في نقل
الخشب إلى فناء الدار، وحملنا الخبز والسمك إلى
غرفتها
.

وكانت بالغرفة امراة
عجوز تجلس أمام الموقد الخامد وترتجف من البرد،
وكان البرد من القسوة بحيث أحسست أن
أظافري ستسقط.

ونظرت إلى العجوز وابتسمت، وقالت لها الفتاة كلاما
لم
أفهمه..

أما أنا فقد أشعلت النار، بينما كانت الفتاة تعد
المائدة
.

وأحضرت
الفتاة بعض الفودكا وشربنا، وأعدت الشاي، وجلسنا
نتناول الطعام ، وأعطينا العجوز
نصيبها منه.

وأخيرا. نهضت الفتاة إلى الفراش فأبدلت أغطيته، ثم
أشعلت مصباحا
زيتيا أمام تمثال السيدة العذراء، ورسمت علامة الصليب على صدرها ثلاث مرات،
وأومأت
إلي، فجثونا أما العجوز، التي وضعت يديها على رأسينا وغمغمت ببضع كلمات،
ولعلها
كانت تباركنا فهتفت بالروسية:

-
سباسيا .. سباسيا.

وأحطت الفتاة بساعدي،
وحملتها إلى الفراش.

وهنا صمت زوربا.. وأرسل بصره بعيدا.. إلى البحر،
وقال بعد
قليل:

-
كان اسمها صوفنكا.

ولاذ بالصمت. فسألته:

-
وماذا حدث بعد
ذلك.

-
ماذا تعني يا أستاذي؟ وهل ما حدث بعد ذلك يمكن
الخوض فيه؟


ان المرأة
ينبوع متجدد، تنحني فوقه فترى ظلك في مائه، وتشرب
حتى تبلى عظامك، ومن ثم يأتي رجل
آخر ظمآن فينحني ويرى ظله، ويشرب.. ثم يأتي ثالث...

-
هل هجرتها بعد ذلك..

-
ماذا تتوقع؟ قلت لك انها ينبوع متجدد، وما أنا الا
عابر سبيل
.

لقد مكثت معها
ثلاثة شهور.. ثم تذكرت المنجم فقلت لها ذات يوم:

-
ان لدي عملا لا بد من
انجازه.. ويجب أن أذهب.

-
اذهب اذن، وسأنتظرك شهرا، فاذا لم تعد، أصبح حرة.. وكذلك أنت.. فاذهب على بركة الله.

-
وهل عدت بعد شهر؟

-
معذرة اذا قلت لك انك
غبي، كيف كان يمكن ان أعود؟ هل تدعك النساء وشأنك؟
لم تمض عشرة أيام على رحيلي حتى
قابلت (نوسا).

-
حدثني عنها اذن.

-
سأحدثك عنها في مناسبة أخرى.. يجب ألا نخلط بينهما.. والان،
دعنا نشرب نخب صوفنكا
.

وجرع قدح النبيذ ثم استند إلى الجدار وقال:

-
حسنا ، سأحدثك عنها.

ومسح شاربه، وبدأ قصته عن نوسا، قال:

-
انني قابلتها أيضاً في احدى القرى الروسية.. كان
الوقت صيفا، والحقول
مليئة بالبطيخ.. وفي استطاعتك أن تأخذ منه ما تشاء دون أن يتعرض لك أحد.

ان كل
شيء موجود بوفرة في روسيا.. كل شيء في أكوام،
البطيخ والسمك والزبد والنساء
.. وبحسبك ان تمد يدك وتأخذ ما تريد، على خلاف الحال هنا في اليونان فانك اذا
لمست
بطيخة، اخذوك إلى الشرطة ثم الى المحكمة واذا لمست امرأة هجم عليك اخوها
وبيده
سكين.. قبح الله هذا البلد اذهب إلى روسيا يا سيدي وستجد انك تستطيع ان
تعيش هناك
كالامراء.

وقد حدث أنني مررت بمدينة (كوبان) فرأيت امرأة في
مطبخ أحد البيوت
وأعجبتني.

والمرأة السلافية، ليست كالمرأة اليونانية النحيلة
الجشعة التي تعطيك
الحب قطرة فقطرة. وتأخذ منك أكثر مما تعطيك، وتحاول جاهدة أن تخدعك
وتسرقك.. ان
المرأة السلافية توفي الكيل والميزان وتعطيك أكثر من حقك في النوم والحب
والطعام
.. انها كحيوان الحقل، وكالأرض نفسها.. تعطي عن طيب خاطر.. وتعطي بسخاء.

سألتها: ما
اسمك؟

فأجابت: نوسا.. وأنت؟

فقلت: اليكسيس..

ثم قلت لها على الفور:

-
انني معجب بك يا نوسا.

فنظرت إلي بامعان، كما ينظر الانسان إلى الحصان
قبل أن
يشتريه وقالت:

-
وأنت لا بأس بك. فأسنانك سليمة . ولك شارب كبير،
وكتفان
عريضتان، وساعدان قويان، انك تعجبني.

ولم نقل أكثر من ذلك.. فقد تفاهمنا في غمضة عين وطلبت إلي أن
أزورها في المساء
..

سألتني:

-
هل لديك معطف من الفراء؟

-
نعم.. ولكن في هذا الحر..

-
لا بأس.. يحسن بك أن ترتديه، لكي تبدو أنيقا.

وفي المساء، ارتديت أفضل ثيابي، وحملت عصاي ذات المقبض الفضي، وانطلقت في طريقي
إلى بيت
نوسا.

كان بيتا ريفيا كبيرا به حظائر للابقار وقاعات
للتقطير ورأيت في فنائه
قدرين كبيرين فوق موقدين فسألت ما هذا؟ فقالوا انه عصير البطيخ وانهم
يصنعون منه
خمرا. فقلت لنفسي أرأيت يا زوربا..


انهم يصنعون خمرا من عصير البطيخ! حقا ان هذه هي الأرض
الموعودة، فوداعا أيها الفقر، انك وقعت واقفا هذه المرة كما يقع الفأر
على قرص من الجبن.

وارتقيت سلما خشبيا كبير، وفي الطابق الأول،
التقيت بوالدي
نوسا.

كانت ثيابهما تدل على الثراء وسعة العيش
فاستقبلوني بالأحضان والقبلات،
وقالا لي كلاما كثيرا لم أفهم منه حرفا واحدا ولكن ما أهمية ذلك، طالما انه
كان
واضحا من ملامحهما انهما لا يضمران لي شرا!

ودخلت قاعة فسيحة فماذا رأيت؟ موائد تئن تحت ثقل الطعام
والشراب، موائد كانها السفن الشراعية
.

وكان الجميع وقوفا،
الاقارب والاصدقاء، نساء ورجالا، تتصدرهم (نوسا)
في ثوب سهرة يكشف عن صدر بارز كأنه
مقدم السفينة، وتضع على رأسها منديلا أحمر، وقد طرز فوق قلبها شعار المنجلة والمطرقة.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:12 pm

كانت تتألق شبابا
وجمالا. فقلت لنفسي
:

-
زوربا ، أيها الخاطئ
الكبير، هل هذا هو الجسد الذي ستضمه إلى صدرك
الليلة! عفا الله عن ابويك اللذين
جاءا بك إلى هذه الدنيا!

وانقضضنا جميعا على الطعام ، وأكلنا كالخنازير
وشربنا
كالسمك وكان والد نوسا يجلس إلى جواري ويتكلم دون أن يحول عينيه عن عيني،
وكانه
يوجه الحديث إلي، أما ماذا قال، فهذا ما يعلمه الله.. كل ما أعلمه أنني
تعبت من
الوقوف، خاصا وقد كنت ثملا، فجلست. والصقت ركبتي بركبة نوسا، وكانت تجلس
إلى
يمين.

وخيل إلي أن أباها لن يكف عن الكلام.. إلى أن تصبب
العرق على جبينه فهجم
عليه المدعوون ليسكتوه، ونجحوا أخيرا في اسكاته ، وحينئذ اومأت إلي وقالت:

-
الآن جاء دورك.. يجب أن تتكلم.

فنهضت واقفا، والقيت خطابا نصفه بالروسية، ونصفه اليونانية، ولا أدري
ماذا قلت ، ولكني اذكر فقط انني ختمت خطابي باحدى الاغنيات

اليونانية الشائعة وما ان فرغت منها حتى ألقيت
بنفسي بين ساعدي نوسا
وقبلتها.

وصمت زوربا لحظة وتنهد واستطرد:

-
وقضينا معا ستة شهور، وكل ما
أرجوه الا يمحو الله ذكرى هذه الشهور الستة من
مخيلتي
..

وأغمض عينيه، وظهر عليه
التأثر، وكانت هذه أول مرة أراه فيها وقد هزته
احدى الذكريات البعيدة
..

فسألته
بعد لحظة:

-
هل أحببتها إلى هذا الحد..

ففتح عينيه وقال:

-
انك ما زلت
شابا، ولن تفهم، وعندما يشتعل رأسك شيبا مثلي،
حينئذ نستطيع أن نتحدث في هذا
الموضوع الخالد.

-
أي موضوع خالد؟

-
موضوع النساء طبعا، كم مرة يجب أن أقول لك ان المرأة لغز خالد.

-
وماذا كان من أمر نوسا؟

فأجاب وهو يرسل بصره إلى
البحر:

-
عدت إلى البيت ذات مساء فلم أجدها، وبحثت عنها في
كل مكان دون جدوى. ثم
علمت ان جنديا وسيما قدم أخيرا إلى القرية وانها هربت معه.. وخيل إلي أن
الدنيا قد
انتهت وان قلبي قد انسحق، ولكن هذا القلب الشقي ما لبث أن التأم، ولعلك
رأيت أشرعة
السفن وما فيها من رقع حمراء وصفراء وسوداء لا تمزقها العواصف والاعاصير،
ان قلبي
كهذه الاشرعة، مليء بالثقوب والرقع.. وليس هناك ما يخشى عليه منه..

-
ألم تنقم
على نوسا يا زوربا؟

-
ولماذا؟ ان المرأة مخلوق غير مفهوم، وقد اساءت
إليها
الشرائع الدينية والدنيوية، ولو كان الأمر بيدي، لما اخضعت الرجال والنساء
لنفس
القوانين، ان الرجل يستطيع مواجهة ما يفرض عليه من قيود، أما المرأة فمخلوق
ضعيف لا
حول له ولا قوة..

دعنا نشرب نخب نوسا، ونخب المرأة.. ولنسأل الله أن
يهبنا نحن
الرجال مزيدا من العقل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:12 pm

الفصل الثامن




وأمطرت السماء مرة أخرى في اليوم التالي.

وكنت جالسا بباب الكوخ، أرى السماء تظلم، والبحر يتألق
بلون فسفوري أخضر، وكان الشاطئ مقفرا تماما، ولا أثر لشراع أو
لطيرن فنهضت واقفا،
ومددت يدي إلى المطر، كما يمد السائل يده مستجديا، وشعرت فجأة
برغبة في البكاء..

كان ينبعث من الأرض الرطبة نوع من الحزن، أشد عمقا
وغموضا من
أحزان نفسي، وأردت أن أصرخ، فقد أحسست بأن ذلك سيرفه عني، ولكني خجلت..

وكانت
السحب تتكاثف وتدنو من الأرض، فنظرت من النافذة،
وشعرت بقلبي ينبض في رفق
.

ما أمتع الحزن الذي يملأ النفس من مرأى المطر الهادئ المتصل! ان جميع الذكريات
المريرة
الراسبة في أعماق النفس تطفو حينئذ فوق السطح، ذكرى الأصدقاء الذين هبوا، والابتسامات الحلوة
التي ذبلت، والآمال العزيزة التي فقدت أجنحتها
.

وتراءت لي
وسط خيوط المطر، صورة صديقي الذي رحل إلى القوقاز،
فتناولت قلما وورقة وشرعت أتحدث
إلى صديقي لكي أفرق ستار المطر وأتمكن من التنفس:

-
صديقي العزيز..

-
انني
أكتب إليك من شاطئ مقفر في كريت، حيث اتفقت مع
القدر على قضاء بضعة شهور ألعب
خلالها دور الرأسمالي، فاذا نجحت لعبتي قلت انها لم تكن لعبة، وانما هي
قرار خطير
غير مجرى حياتي.

ولا شك انك تذكر كيف وصفتني يوم رحلت بأنني (عث
كتب)، لقد بلغ
من شيقي بهذا الوصف انني قررت تحطيم قلمي وهجر الكتابة بعض الوقت – وربما
إلى الأبد
لأمارس حياة أكثر واستخدمت بعض العمال، واعددت الفئوس والمعاول والمصابيح
والسلال
وعربات النقل، وحفرت السراديب وسرت فيها ، كل ذلك لكي أضايقك وأغيظك.

ان سعادتي
هنا لا حد لها، لأنها تنبع من العناصر الخالدة،
الهواء النقي والشمس والبحر ورغيف
الخبز، وفي المساء ، يجلس القرفصاء أمامي سندباد عجيب غريب الأطوار ويتحدث
إلي،
فأشعر كأن الدنيا تزداد اتساعا. وفي بعض الأحيان عندما لا تسعفه الألفاظ،
يثب من
مكانه ويرقص، وحين تعجز رقصاته عن التعبير، يضع السانتوري على ركبتيه
ويعزف، وكثيرا
ما يعزف مقطوعات همجية تحس حين تسمعها بانك تختنق، لأنها تشعرك بأنك تعيش
حياة لا
لون لها ولا طعم ، حياة بائسة لا تخلق بانسان.. واذا عزف مقطوعة حزينة،
أحسست بأن
حياتك تمضي وتنساب كما تنساب الرمل بين اصابعك..

ان قلبي يتحرك بين ضلوعي جيئة وذهابا كالمنسج، انه
ينسج هذه الشهور التي أقضيها في كريت، وأعتقد غفر الله لي

انني سعيد..

هل تذكر يوم عبرنا ايطاليا في طريقنا إلى اليونان
للدفاع عن اقليم
(بونتاس) الذي كان وقتئذ معرضا لخطر الغزو؟ لقد غادرنا القطار لقضاء بعض
الوقت في
المدينة حتى يحين موعد سفرنا بالقطار التالي.. وسرنا في حديقة واسعة على
مقربة من
المحطة.. وكانت أحواض الزهور حولنا من الجمال وحسن التنسيق بحيث خيل الينا
أننا في
حلم.. وما كدنا ننحرف في واحد مسالك الحديقة حتى وجدنا أنفسنا أمام فتاتين
تسيران
جنبا إلى جنب وتقرآن كتابا واحدا..

انني لا أذكر الآن مبلغ حظهما من الجمال ولكني أذكر أن احداهما
كانت شقراء والأخرى سمراء، وانهما كانتا ترتديان ثياب

الربيع.

وبمثل الجرأة التي نترف بها في الأحلام، اقتربنا
منهما، وقلت انت
تحدثهما: مهما يكن موضوع الكتاب الذي تقرآنه، فاننا على استعداد لمناقشته معكما.

وكان الكتاب من تأليف (جوركي) ولم يكن لدينا متسع
من الوقت، فدار الحديث
بيننا بسرعة عن الحياة والفقر، وثورة العقل والحب..

ولن أنسى ما احسسنا به وقتئذ
من سرور وأسى.. فقد خيل إلينا والفتاتين المجهولتين
أصدقاء قدامى، بل وعشاق
قدامى..

وأقبل القطار، فأخرجنا من حلمنا الممتع وشددنا على
ايدي الفتاتين،
فامتقع وجه احداهما، بينما راحت الاخرى تضحك وترتجف.

واذكر انني قلت لك في تلك
اللحظة، ما معنى اليونان؟.. وما معنى الوطن؟؟ وما
معنى الواجب ؟ ان الحقيقة
هنا..

فكان جوابك : ان اليونان والوطن والواجب لا تعني
شيئا
..

...
انها لا
شيء... ولكن هذا اللاشيء اذا دعانا، لبينا دعوته
بلا تردد، وبذلنا حياتنا في سبيله
عن طيب خاطر.

وعلك تسأل: لماذا اكتب اليك كل هذا؟

انني أريدك أن تعلم انني لم
أنسى لحظة واحدة من اللحظات التي عشناها معا.

وما ان فرغت من الرسالة التي تحدثت فيها إلى صديقي حتى
سرى عني وشعرت بالارتياح
..

ودعوت زوربا.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:13 pm

كان قابعا تحت احدى الصخور حتى لا
يبتل بماء المطر، وبين يديه انموذج صغير للسلك الهوائي يقوم

باختباره.

قلت له: هلم بنا نذهب إلى القرية.

-
ان المطر ينهمر.. الا تستطيع
الذهاب وحدك؟

-
لا أريد أن أشعر بالملل، هلم بنا فضحك وقال:

-
يسرني ان تكون
بحاجة إلي.

وارتدى معطفا من الصوف كنت قد أعطيته له. وخرجنا
إلى الطريق
.

وكان
الهواء ساكنا، والضباب يحجب الجبل.

وانحنى زوربا والتقط زهرة نرجس، ونظر إليها طويلا، وكأنه يرى
النرجس للمرة الأولى في حياته
.

وقال وهو يتأملها بعد أن
شمها:

-
ليتنا نعلم ماذا تقول الصخور والامطار والزهور؟!
لعلها تدعونا ونحن لا
نسمعها..

ترى متى يفتح الناس عيونهم وآذانهم ليروا ويسمعوا؟
ومتى نفتح سواعدنا
لنحتضن كل شيء: الصخور والامطار والزهور والناس؟ ما قولك في ذلك يا استاذ؟
وماذا
تقول كتبك في هذا الموضوع؟

-
لتذهب الصخور والامطار والزهور إلى الشيطان.. هذا ما تقوله الكتب..

فأمسك بساعدي وقال:

-
خطرت لي فكرة أرجو ألا تغضبك.. ضع كل كتبك في كومة واحدة
وأشعل النار فيها، فلعلنا نستطيع أن نصنع منك شيئا بعد

ذلك.

وقلت لنفسي: انه على حق، ولكني لا أستطيع أن أفعل
ذلك
..

ووصلنا إلى
القرية.

ورأينا الفتيات يعدن بالخراف من المراعي، والرجال
يطلقون الثيران من نير
المحاريث ويتركون الحقول بغير حرث.. والنساء يعدون وراء أطفالهن في الشوارع الضيقة.

كان يسود القرية منذ بدأت الامطار نوع من الذعر
المرح، فالنساء يصرخن
وعيونهن تضحك، والرجال يصطنعون الجد والرزانة، وقطرات المطر تتساقط من
لحاهم
وشواربهم، ورائحة البلل تفوح من الارض والحجارة والعشب.

ودخلنا مقهى (التواضع)
والماء يقطر من ثيابنا، وكان المقهى مزدحما
بالرجال، وبعضهم يلعبون الورق وبعضهم

يتحدثون بأعلى اصواتهم كما لو كانوا يتصايحون عبر
الجبال، بينما دار شيوخ القرية
حول مائدة في ركن قصي من أركان المقهى وراحوا يتداولون: العم اناجنوستي
بقميصه
الأبيض ذي الاكمام الفضفاضة، ومفراندوني وهو يدخن غليونه الطويل وعيناه
تنظران إلى
موقع قدميه، وناظر المدرسة وقد استند إلى عصاه وأخذ ينصت إلى شاب ضخم الجسم
عاد
لتوه من (كانديا) وراح يصف عجائب هذه المدينة الكبيرة. وصاحب المقهى وهو
يصغي من
مكانه ويضحك ويرقب اواني القهوة المرصوصة أمامه.

وما أن رآنا العم اناجنوستي حتى نهض واقفا ودعانا
للجلوس إلى مائدته وقال وهو يشير إلى الشباب
:

-
ان سكافيانو
نيكولي يحدثنا عن مشاهداته في (كانديا).. وحديثه
لا يخلو من الطرافة
.

ثم التفت
إلى صاحب المقهى وقال:

-
قدحان من العرق يا مانولاكي.

وجلسنا، وما ان وجد
الشاب نفسه في حضرة أجنبيين حتى انطوى على نفسه
ولزم الصمت. فقال له ناظر المدرسة
ليحثه على الكلام:

-
وهل ذهبت إلى المسرح كذلك يا نيكولي؟

فمد الشاب يده
الغليظة وتناول قدحه، واحتسى النبيذ وجمع أطراف
شجاعته وقال
:

-
نعم، لقد ذهبت
إلى المسرح.. كانوا يتكلمون في كل مكان عن ممثلة
معروفة.. وفي احدى الامسيات ، رسمت
علامة الصليب على صدري وقلت لنفسي، حسنا، لماذا لا أرى بنفسي تلك التي تثير
كل هذه
الضجة.

فقال العم اناجنوستي:

-
وماذا رأيت يا فتى!! حدثنا بحق السماء.

-
الحق انني لم أر شيئا يستحق الذكر، انك تسمعهم
يتحدثون عن المسرح فتظن انك ستشهد
شيا.. ثم تدرك بعد قليل انك أضعت نقودك سدى.. فالمكان عبارة عن حانة كبيرة
مستديرة
كالجرن، مليئة بالمقاعد والانوار والناس.. ولم أدر في الواقع أين انا،
وبهرتني
الأضواء فلم أتبين شيئا، وخشيت أن يسحروني فهممت بالخروج فامسكت بيدي فهتفت بها:

-
إلى أين تذهبين بي؟؟

ولكنها جذبتني خلفها، ومرت بي بين الصفوف واجلستني في أحد المقاعد..

ولم أر الا أناسا حولي وأمامي وخلفي وفي كل مكان
حتى
السقف. وشعرت بالاختناق، اذ لم يكن هناك هوا على الاطلاق.. وأخيرا التفت
إلى جاري
وسألته:

-
هل لك أن تدلني ايها الصديق من أين تخرج الممثلات؟

فأجابني:

-
انهن يخرجن من هناك.

وأشار إلى الستار.

وكان على حق، اذ لم تمض لحظة حتى دق جرس، وتحركت الستار،
وظهرت الممثلة التي عنها يتحدثون.. ظهرت أمامنا على المسرح

بدمها ولحمها.. وأخذت تروح وتغدو وتحرك ذيلها،
وتدور حول نفسها، حتى صفق الناس
فتوارت عن الأبصار..

وهنا أغرق القرويون في الضحك، فبدا الخجل على وجه
نيكولي
ونظر إلى الباب وقال ليغير مجرى الحديث:

-
لا تزال الامطار تهطل..

فاتجهت
الابصار إلى حيث كان ينظر.

وفي هذه اللحظة مرت بالمقهى امرأة تعدو.. وقد رفعت ذيل ثوبها الاسود إلى
ما فوق ركبتها.. وانسدل شعرها على كتفيها
.

كانت رشيقة
القوام، وقد التصق ثوبها بجسدها.. فأبرز مفاتنه
وأهلني جمال تكوينها.. وقلت لنفسي
: يا لها من وحش مفترس!! وخيل إلي أنها امرأة خطرة.. من الطراز الذي يلتهم الرجال.

وحولت المرأة رأسها بفترة يسيرة.. وألقت على داخل
المقهى نظرة ساحرة
خاطفة..

وهتف شاب كان يجلس بجوار النافذة قائلا:

يا اله السموات.

وصاح
مانولاكاس ، شرطي القرية:

-
قبحها الله من فاجرة تشعل النار في قلوب الرجال وتدعهم يحترقون.

وراح الشاب الجالس بجوار النافذة يترنم باحدى
الاغنيات في تردد
وبصوت خافت اولا، ثم أخذ صوته في الارتفاع:

"
وسادة الأرملة لها رائحة
السفرجل..

"
أنا أيضا عرفت هذه الرائحة

"
ومن وقتها لم يغمض لي جفن".

فصاح
مافراندوني:

-
صه.

فصمت الشاب على الفور.

وهمس أحد الشيوخ في أذن
مانولاكاس قائلا:

-
ان عمك حانق على الأرملة، واذا وقعت المسكينة بين
يديه فسوف
يمزقها اربا.

فقال مانولاكاس:

-
وأنت أيها العجوز اندروليو، اعتقد أنك أيضا مفتون بها.. ألا تخجل
من نفسك؟


-
اصغ إلي.. لا تشك أنك لم تدقق النظر في أطفال القرية الذين ولدوا
أخيرا، بارك الله في الأرملة.. في استطاعتك أن تقول انها عشيقة
رجال القرية جميعا..

وبعد لحظة صمت، غمغم اندروليو العجوز قائلا:

-
ما أسعد
الرجل الذي يحتويها بين ساعديه!!! وليتني كنت في
العشرين من عمري، مثل بافيل، ابن
مافراندوني!!

فقال أحد الحاضرين ضاحكا:

-
ستراها الان حين تعود إلى
بيتها.

فتعلقت عيون الجميع بالباب. وكان المطر قد كف،
وبدأ وميض البرق يشق صفحة
السماء بين الفينة والفينة.. وتقطعت أنفاس زوربا وفقد سيطرته على نفسه منذ
أبصر
بالارملة. قال يحدثني:

-
لقد كف المطر فهلم بنا.

وظهر بالباب صبي عاري
القدمين اشعث الشعر زائغ البصر فصاح به البعض
ضاحكين
:



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:14 pm

اهذا أنت يا ميميكو؟

ان لكل قرية انسانها الابله، فاذا لم يوجد الابله
خلقوه خلقا ليسخروا
منه، وقد كان ميميكو ابله تلك القرية.

وقال ميميكو بصوت رقيق كأصوات النساء:

-
أيها الاصدقاء، لقد فقدت الارملة سورمالينا
نعجتها، وستعطي جالونا من
النبيذ جائزة لمن يجدها.

فصاح مافراندوني في غضب:

-
اخرج من هنا..
اخرج.

فذعر ميميكو وانكمش بجانب الباب. فقال له العم
اناجنوستي مشفقا
:

-
اجلس
يا ميميكو وتناول قدحا من العرق حتى لا تصاب
بالبرد.. ماذا تصبح قرييتنا اذا لم يبق

فيها مغفل؟

وأقبل على المقهى شاب لاهث الانفاس، تتساقط قطرات
المطر من شعر رأسه
فصاح به مانولاكاس:

-
تعال يا بافلي واجلس معنا.

فنظر مافراندوني إلى ولده
وقطب حاجبيه وتمتم قائلا:

اهذا ولدي! من أين هذه الخنوثة، بودي أن أمسك
بخناقه
واصفع به الأرض!

وكان زوربا يجلس متململا، فقد الهبت الارملة
حواسه، وشق عليه
البقاء بين الجدران الاربعة..

كان يهمس في أذني كل دقيقة:

-
هلم بنا .. انني
أختنق هنا.

ثم تحول إلى صاحب المقهى، وساله، متظاهرا بقلة
الاكتراث
:

-
من تكون هذه الأرملة؟

فقال المدعو كوندومانوليو:

-
انها فرس ولود.

ووضع اصبعه
على شفتيه، ونظر إلى مافراندوني من ركن عينيه نظرة
ذات معنى، واستطرد قائلا
:

-
نعم.. انها فرس ولود.. ولكن دعنا لا نتحدث عنها
حتى لا تحل علينا اللعنة
.

ونهض
مافراندوني واقفا وقال:

-
ومعذرة.. انني سأعود إلى بيتي.. اتبعني يا بافلي
وخرج
وتبعه ابنه، وما لبثا ان غابا عن الأبصار.

وانتقل اندومانوليو إلى مقعد
مافراندوني وقال بصوت خافت لا يكاد يسمع:

-
مسكين مافراندوني .. انه سيموت كمدا.. لقد نزلت
باسرته كارثة كبرى، وأمس فقط، سمعت بافلي يقول لأبيه
:


سأقتل
نفسي اذا لم تقبلني زوجا لها..

بينما الفاجرة تسخر منه، ولا تريد ان تكون لها أية صلة.

وهمس زوربا وقد اثارته كل كلمة قيلت عن الارملة:

-
دعنا نذهب.


فقلت وأنا أنهض واقفا:

-
هلم بنا اذن.

وخرج ميميكو من الركن الذي توارى فيه، وسار في أعقابنا.

وبعد لحظة أحسست به يلمس كتفي وسمعته يقول:

-
أعطني
سيجارة أيها السيد.

فأعطيته سيجارة فاشعلها وراح يدخنها بلذة فسألته:

-
إلى أين أنت ذاهب؟

-
إلى حديقة الارملة.. لقد وعدتني بطعام اذا أنا
أذعت الخبر عن
نعجتها.

وأسرعنا الخطى، وبدت القرية نظيفة باسمة بعد أن
غسلها المطر وتنهد زوربا
وسأل الصبي:

-
هل تحب الارملة؟

-
ولماذا لا أحبها أيها الصديق؟ ألم أخرج من المجاري ككل انسان آخر..

فذهلت ، وسألته:

-
من المجاري؟ ماذا تعني يا
ميميكو؟

-
ألم أخرج من احشاء أمي؟

ودهشت وفكرت.

ان شكسبير هو وحده الذي
يستطيع في أفضل لحظاته الخلاقة أن يصف سر الولادة
بمثل هذا التعبير
الواقعي.

سألته:

كيف تقضي أيامك يا ميميكو؟

-
كأي أمير من الأمراء، استيقظ
صباحا وأكل كسرة من الخبز، وأؤدي جميع الأعمال
التي يطلبها الناس مني، واجمع
القمامة والروث، ثم اصطاد السمك.. انني أعيش مع عمتي، ندابة القرية.. وسوف
تعرفها
يوما ما.. الجميع يعرفونها.. وفي المساء أعود إلى البيت وأتناول بعض
الحساء، وقطرة
من النبيذ ان وجد، فاذا لم أجد شربت ماء حتى تمتلئ أمعائي..

-
ألا تنوي الزواج
يا ميميكو؟

-
أنا؟ انني لست مجنونا لكي أبحث عن المتاعب..
المرأة تحتاج إلى
أحذية.. فأين أجدها؟ انني أسير عاري القدمين كما ترى.

-
أليس لديك حذاء؟

-
من تظنني؟ عندي حذاء طبعا، فقد مات رجل في العام الماضي فنزعت عمتي حذاءه من
قدميه
.. ولكني لا أنتعلهما الا في عيد الفصح، او عندما أذهب إلى الكنيسة، ومتى
غادرت
الكنيسة خلعتهما، ووضعتهما على كتفي، وعدت بهما إلى البيت.

-
وأي شيء تحبه أكثر
من سواه يا ميميكو؟

-
الخبز أولاً، وخاصة اذا كان ساخنا ومن القمح..

ثم النبيذ ثم النوم.

-
والمساء؟

-
لا يهمني غير الطعام والشراب والنوم.. أما ما عدا ذلك فمتاعب.

-
والأرملة؟

-
اذا أردت السلامة فابتعد عنها، وتنكب طريقها.

-
قال ذلك ورسم علامة الصليب على صدره.

-
هل تعرف القراءة؟

-
انني
لست غبيا إلى هذا الحد، عندما كنت صغيرا حملوني
إلى المدرسة، ولكني كنت حسن الحظ،
فأحسست بالتيفوس، وأصبحت أبلها.. وهكذا نجوت من المدرسة.

وضاق زوربا بأسئلتي..
لم يكن يفكر في شيء آخر غير الارملة، فأمسك
بساعدي، وتحول إلى ميميكو وامره ان
يسبقنا ، ثم التفت إلي وقال:

-
أريد أن أحدثك في امر هام.. انني أعتمد عليك فلا تخذلني، ولا تخذل عنصر
الرجال جميعا لقد بعث اليك الله بهذه القطعة المختارة من

اللحم. وما دامت لك اسنان فانهش قطعة اللحم
باسنانك. امدد يدك وخذها.. لماذا اعطانا

الخالق هذه الأيدي؟ انه أعطانا اياها لكي نأخذ بها
ما نريد.. فخذ هذه المرأة.. لقد
رأيت في حياتي نساء كثيرات ولكني لم أرد أشد فتة من هذه الأرملة.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:14 pm

فأجبته في غضب:

-
انني
لا أريد المتاعب
.

وشعرت
بالضيق، اذ كنت في قرارة نفسي قد اشتهيت
ذلك الجسد القوي الذي مر بي كما تمر
انثى الحيوان البري حين تبحث عن أليف
..

وصاح زوربا في ذهول:

-
لا
تريد المتاعب؟ ماذا تريد اذن؟


فلم
أجبه
.

قال:

-
ان الحياة هي المتاعب، ولا متاعب
في الموت.. هل تعرف ما معنى ان يعيش الانسان؟ معناه
ان يشمر عن ساعديه ويبحث عن المتاعب.

فلزمت
الصمت
.

كنت
أعلم ان زوربا على حق،
ولكني لم أجرؤ على مصارحته بذلك.

لقد
سارت حياتي في اتجاه خاطئ، وكانت صلتي
بالناس اشبه بحديث من جانب واحد..
وبلغ بي الأمر انني لو خيرت بين الوقوع في حب
امرأة، وقراءة كتاب عن الحب، لاخترت
الكتاب
.

واستطرد
زوربا قائلا
:

-
لا
تحسب
حساب شيء يا سيدي، دع الارقام وحطم الموازين، فهذا هو الوقت الذي
ستنقذ فيه نفسك او
تدمرها..

اصغ
الي، خذ منديلا واطوه على جنيهين او ثلاثة، ولتكن جنيهات ذهبية،
لأن أوراق النقد لا تبهر
الابصار، وارسل ميميكو بالمنديل إلى الأرملة، وعلمه ان
يقول لها: ان صاحب المنجم ويبعث اليك
بتحيته، ويرجوك قبول هذا المنديل ولكن حبه
أكبر من هديته، وانها اذا كانت قد
فقدت نعجتها، فانه موجود وسيعوضك عنها.. لقد رآك
عندما مررت بالمقهى فطار لبه، ولن
يبرئه سواك
.

وعليك
ان تضرب الحديد قبل ان
يبرد، فتذهب إليها في المساء، وتدق بابها، وتقول لها انك
ضللت الطريق في الظلام،
وتسألها أن تعيرك مصباحا.. او تقول انك احسست بدورا فجائين
وتطلب منها قدح ماء
.. وأفضل من هذا وذاك، ان تبتاع نعجة
تذهب بها اليها وتقول لها: ها هي نعجتك التي
فقدتها يا سيدي.. لقد وجدتها لك".

فتدعوك
الارملة للدخول، لتعطيك الجائزة التي
وعدت بها من بجد النعجة.

فتدخل
.. يا الهي!! انك ستدخل الجنة راكبا فرسا! اذا
كنت تبحث عن الجنة فهذه هي.. لا تصدق
ما يقوله رجال الكنيسة، فليست هناك جنة
اخرى:

ولا بد
اننا اقتربنا من تلك اللحظة من حديقة الارملة، فقد تنهد ميميكو
وراح يعبر عن شجونه بالاغنية
الصبيانية التالية
:

النبيذ
للكستناء، والعسل
للجوز

والفتاة
للفتى ، والفتى للفتاة


وتوقف
زوربا عن السير فجأة، وتنهد،
وسألني وهو ينظر في عيني:

-
ما
قولك؟


وانتظر
بفروغ صبر فأجبته في خشونة
:

-
كفى.

وأسرعت
الخطى، فهز زوربا رأسه، وقال شيا لم أسمعه
.

وعندما
بلغنا الكوخ
جلس القرفصاء ووضع السانتوري على ركبتيه واحنى رأسه فوق
دره، واستغرق في التفكير
والتأمل.

بدا
عليه كأنه ينصت إلى أغنيات عديدة ليختار أجملها، وأخيرا حزم أمره،
وبدأ يعزف أغنية رقيقة مؤثرة،
وكان ينظر الى من ركن عينه بين وقت وآخر حتى شعرت انه
يحاول ان يقول بالسانتوري ما لا يجرؤ
على التعبير عنه بالكلام، وهو انني أبدد حياتي
وأضيعها هباء. واني والارملة حشرتان
تعيشان بضع ثواني تحت الشمس ثم تموتان ويتقلص
ظلهما الى الابد.

واخيرا،
نهض زوربا واقفا ولعله أدرك فجأة انه يتعب نفسه بلا
فائدة.. فاستند إلى الجدار وأشعل
لفافة تبغ وقال
:

-
سأذكر
لك الان شيا قاله لي
رجل من أهل سالونيك.. سأقوله حتى ولو لم يسفر عن نتيجة.

كنت في
وقت ما بائعا
جائعا في مقدونيا، وكنت أزور القرى لأبيع الابر والخيط
والتوابل.. وكان لي صوت عذب
كصوت البلبل، ولعلك تعلم ان بعض النساء يفتنهن الصوت
الجميل.. وأي شيء لا يفتن
أولئك الفاجرات.. الله وحده يعلم ما في صدورهن.. انك قد
تكون دميما كالاثم، وقد
تكون اعرجا او احدبا.. فاذا كان صوتك جميلا رغم ذلك، وكان
في استطاعتك ان تغني
.. فان النساء يتهالكن عليك. حتى لتحار
ايهن تختار
.

وكنت
أنادي على بضاعتي في
سالونيك! وأطوف بها في الحي التركي. ويبدو ان ابنه أحد
الباشوات فتنها صوتي، فهجر
النوم جفونها، ولما لم تطق صبرا، ارسلت خادمها العجوز في
طلبي
.

ولحق
بي الشيخ
وقال لي: تعال معي ايها الرومي.

فسألته:

-
إلى
أين تريد أن تأخذني
.

-
ان فتاة كالنبع العذب هي ابنة
أحد الباشوات تنتظرك في غرفتها فتعال معي ايها الرومي
الشاب.

ولكني
كنت اعلم انهم يذبحون المسيحيين ليلا في الحي التركي فقلت
له:

-
كلا..
لن أذهب معك
.

-
ألا
تخاف الله؟


-
لماذا؟

-
لأن من
يستطيع
النوم مع امرأة ولا يفعل، يرتكب اثما عظيما يعاقبه الله عليه يوم
القيامة وتكون
جهنم مصيرة.

وتنهد
زوربا واردف قائلا
:

-
اذا
كانت هناك جهنم فسأذهب إليها
لهذا السبب.. ليس لأنني سرقت وقتلت وارتكبت المنكر، وانما
لأنني ذات ليلة في
سالونيك رفضت الذهاب إلى امرأة تنتظرني في فراشها.

وأشعل
زوربا الموقد، وبدأ
يطهو الطعام وهو ينظر إلي من ركن عينه ويبتسم في سخرية:

وأخيرا
هز كتفيه وتمتم
قائلا:

-
انني
كمن يدق باب رجل أصم
.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:15 pm

الفصل التاسع




بدأ النهار يزداد قصراً، والضوء يزداد خفوتاً،
والقلوب تضطرب قلقاً كلما أقبل
المساء، وبدأ يخامرنا ذلك الهلع الفطري الذي كان يستولي على أسلافنا في
شهور الشتاء
كلما رأوا الشمس تعجل بالغروب يوما بعد يوم، ولعلهم كانوا يقولون لأنفسهم
في يأس،
(غدا ستذهب الشمس إلى الأبد) ثم يقضون الليل فوق الجبال وهو يرتجفون خوفا وجزعا.

وكان شعور زوربا بالقلق أعمق وأكثر بدائية من
شعوري ولكي يهرب من هذا
الشعور، كان يقضي في سراديب المنجم أطول وقت ممكن فلا يغادرها الا اذا
تألقت النجوم
في السماء.

وكان قد وقع في أحد السراديب على نوع جيد من الفحم
. نوع قليل من
الرماد غني بالطاقة الحرارية، وسره ذلك وأثلج صدره.. فقد كان عقله يطور
أرباحنا
تطويراً عجيباً ويحولها إلى رحلات ونساء ومغامرات جديدة..

كان ينتظر بفروغ صبر
ذلك اليوم الذي تجتمع لنا فيه ثروة ضخمة، وتصبح
أجنحته – هكذا كان يسمي النقود
كبيرة.. لكي يطير ويحلق في الفضاء.. ولهذا كان يقضي الليالي بطولها في
اختبار
أنموذجه المصغر للسلك الهوائي، للبحث عن الانحدار المناسب لتحرك جذوع
الاشجار ببطء
من قمة الجبل إلى الشاطئ.

وفي أحد الأيام، تناول ورقة كبيرة وبعض الأقلام الملونة.. ورسم الجبل
والغابة، وجذوع الاشجار المعلقة بالسلك الهوائي وهي تنحدر،

وجعل لكل جذع جناحين، ثم رسم في الخليج الصغير
زوارق سوداء وبحارة يرتدون ثياباً
خضراء كالببغاوات، ووضع في الزوارق كتلا صفراء من جذوع الشجر، ورسم راهبا
في كل من
اركان الورقة الأربعة وكتب أمام فم كل راهب بحروف سوداء كبيرة: تبارك
الخالق وما
خلق.

ولاحظت خلال الأيام الأخيرة أن زوربا يشعل الموقد
على عجل، ويعد الطعام
ويتناول عشاءه بسرعةن ثم ينطلق إلى القرية، ويعود بعد فترة زائغ البصر مقطب
الجبين،
فاذا سألته: أين كنت يا زوربا؟ أجاب:

-
دعنا من ذلك.

ويغير مجرى
الحديث.

وفي احدى الامسيات، كان المطر يهطل مدارا، ونحن
أمام الموقد نتدفأ ونشوي
بعض الكستناء، حين تحول زوربا إلي، وراح يجحدني بنظرة فاحصة طويلة، كما لو
كان
يحاول اماطة اللثام عن لغز عويص. ويبدو أن المحاولة أرهقته، لأنه ما لبث أن قال:

-
ليتني أعرف ماذا يحببني إليك.. لماذا لا تمسك
بأذني وتلقي بي إلى الخارج؟
انني سأفسد أعمالك وأجلب عليك الدمار، فالق بي إلى الخارج وانفض يدك مني.

فأجبته:

-
أنا أحبك، وهذا يكفي.

-
ولكن ألا ترى أن عقلي ليس له الوزن المناسب؟ ربما كان
أثقل أو أخف وزناً مما ينبغي، ولكن ليس له الوزن المناسب، سأقول
لك الان شيئا أرجو أن
تفهمه، انني لم أعرف للراحة طعماً طيلة الأيام الأخيرة بسبب

الأرملة.. وأرجوك ألا تسيء فهمي، فأنا لا أريدها
لنفسي ولن أمسها لأنني لست من
طرازها.. ولكني لا أريد أن يخسرها الجميع ولا أريد أن تنام وحدها. فذلك ليس
من
الصواب.

انني أطوف بحديقتها كل ليلة وهذا سر رحلتي إلى
القرية كل مساء فهل تعرف
لماذا؟

-
كي أرى ما اذا كان هناك من ينام معها، ليرتاح بالي
وتطمئن
نفسي.

فضحكت.

قال:

-
لا تضحك. اذا نامت امرأة وحدها فالذنب ذنبنا نحن الرجال وسوف نحاسب
عليه في يوم الدينونة
.

وصمت لحظة ثم سأل فجأة:

هل يمكن أن
يعود الانسان إلى الدنيا بعد أن يموت؟

-
لا أظن ذلك يا زوربا.

-
وذلك هو
رأيي، ولكن اذا قدر للانسان أن يعود، فأكبر الظن
أن أولئك الذين تخلفوا عن وظائفهم
كرجال ونساء سوف يعودون إلى الدنيا على شكل بغال.. ومن يدري، فلعل جميع
البغال التي
نراها في هذه الدنيا هي الرجال والنساء الذين تخلوا عن واجباتهم، ولهذا
نراهم دائما
يرفسون.. فما رأيك في ذلك؟

فأجبت ضاحكا:

-
رأيي أن عقلك أقل وزنا مما يجب.. هلم إلى السانتوري يا زوربا.

-
معذرة يا سيدي.. أنني لن أعزف الليلة.. واذا كنت قد أسرفت في أحاديثي
السخيفة فهل تعلم لماذا؟ لأنني أحمل هموم الدنيا بسبب السرداب
الجديد.. وهأنتذا
تتحدث عن السانتوري
.

وأخرج الكستناء من الموقد، وملأ القدحين بالعرق.

قلت:

-
أسأل الله أن يرجح كفة الميزان اليمنى على كتفه اليسرى.

فقال زوربا:

-
بل لترجح الكفة اليسرى.. ان رجحان اليمنى لم يفدنا شيئاً حتى الآن.

وافرغ الشراب في جوفه وقال
.

-
سأحتاج غدا إلى كل ذرة من
قواي لأناضل آلاف الشياطين.. طاب مساؤك.

وخرج زوربا إلى المنجم في اليوم التالي مع أول خيوط الفجر.

وكان العمال قد شقوا السرداب الجديد فتسرب الماء
من جدرانه
وسقفه ووجد الرجال أنفسهم يخوضون في أوحال سوداء، فأحضر زوربا بعض جوع
الأشجار لدعم
جدران السرداب وسقفه.

ولكنه كان قلقا، فقد أحس بغريزته التي جعلته يشعر
بكل ما
يصيب السرداب كما لو كان السرداب جزءا من جسده، بأن جذوع الأشجار وشرائح
الخشب ليست
من القوة كما ينبغي أن تكون، وسمع قرقعة خفيفة لم تسمعها اذن أخى، توحي بأن
سقف
السرداب يئن من ثقل ما يحمل.

وثمة شيء آخر أشاع القلق في نفس زوربا في ذلك اليوم. فإنه ما كاد
يهم بدخول السرداب حتى مر به قس القرية، الأب ستيفانوس، ممتطيا
بغلته، وهو في طريقه
إلى راهبة تحتضر، ومن حسن الحظ أن زوربا وجد متسعا من الوقت

لكي يبصق على الأرض ثلاث مرات قبل أن يتحدث إليه
القس
.

قال رداً على تحية
القس:

-
طاب يومك أيها الأب.

ثم أردف بصوت خافت:

-
ولتهبط لعنتك
على.

وظن أنه بذلك قد وقى السرداب الجديد من شر القس
وحسده
.

وكان جو السرداب
مثقلاً برائحة الفحم والاسيتيلين، وكان العمال قد
بدوا فعلا في دعم السقف وتقويته
بالاعمدة التي تحمله، فألقى عليهم زوربا تحية الصباح ثم شمر عن ساعديه،
وبدأ
العمل.

وأخذ بعض العمال في تحطيم كتل الفحم، بينما شرع
البعض الآخر في وضعه
بالعربات تمهيدا لنقله إلى الخارج.

وفجأة ، وقف زوربا عن العمل، وأمر العمال أن يحذوا حذوه وأرهف
أذنيه
.

وكما يفني الفارس في جواده، والربان في سفينته،
كذلك
أصبح زوربا قطعة من المنجم، يشعر بكل تشعب فيه كما يشعر بنبض كل شريان في
جسده
.

فبعد أن أرهف أذنيه الكبيرتين، أرسل بصره إلى جوف
السرداب
.

وفي هذه اللحظة
وصلت إلى المنجم.. فقد استيقظت فجأة وأنا متوجس،
وكأن يدا خفية تدفعني، فارتديت
ثيابي على عجل، وأسرعت بالخروج دون أن أعلم لماذا أسرع. أو إلى أين أذهب،
ولكن
قدماي حملتاني دون تردد في الطريق إلى المنجم ووصلت إليه في اللحظة التي
كان فيها
زوربا يصيخ السمع وينظر حوله في قلق.

قال بعد لحظة:

-
لا شيء.. ظننت ان..
ولكن لا بأس.. إلى العمل يا رجال.

ودار على عقبيه ورآني وقلب شفته..

-
ماذا
تفعل هنا في هذا الوقت المبكر؟

واقترب مني واستطرد قائلا في همس:

-
لماذا لا
تذهب لتستنشق بعض الهواء النقي؟ يمكنك أن تأتي في
يوم آخر
.

-
ماذا حدث يا
زوربا؟

-
لا شيء، لقد تخيلت أشياء.. ولعل السبب أن أول
انسان وقع عليه بصري
اليوم كان قسا.. اذهب.

-
اذا كان هناك خطر .. أفلا يكون من العار أن أذهب؟

-
نعم.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:15 pm

أترحل أنت؟

-
كلا.

-
اذن؟

-
ان ما يجب أن يفعله زوربا شيء.. وما ينبغي أن يفعله
الآخرون شي آخر.. ولكن اذا كان من العار أن ترحل، فابق.. فهذه
جنازتك.

وتناول معولا، ونهض على أصابع قدميه ليدق مسمارا
في السقف، بينما حملت
مصباحا وخضت في الوحل لألقي نظرة على كتل الفحم اللامعة.

كانت هناك غابات شاسعة
ابتلعتها الأرض منذ ملايين السنين وأحالت أخشابها
فحما.. ثم جاء زوربا و
..

وأعدت المصباح إلى مكانه بالجدار ووقفت أرقب زوربا
وهو يعمل
.

كان منصرفا
إلى عمله.. مستغرقا فيه بكل حواسه.. فهو لا يفكر
في أي شيء آخر.. وهو والأرض
والمعول والفحم شي واحد، وقد اتحد مع المطرقة والمسامير في نضال ضد شرائح
الخشب
ليقوم السقف المنبعج.. وهو يعالج جدار الجبل ليخرج الفحم بالقوة تارة
وبالحيلة تارة
أخرى، ويضرب بمعوله في المواضع الضعيفة التي يمكن التغلب عليها.. ويصدر في
كل ذلك
عن احساس غريزي لا يخطئ أبدا.

رأيته وقد اكتسى بالوحل والتراب الأسود، فلم يبق ظاهرا منه إلا بياض
عينيه، وخيل إلي أنه قد لجأ إلى التمويه وتنكر في صورة كتلة من
الفحم حتى يستطيع
مهاجمة غريمه على غرة منه، والانقضاض عليه في عقر داره
.

ولم أستطع كتمان اعجابي فهتفت:

-
أحسنت صنعا يا زوربا..

ولكنه لم يحاول أن ينظر
إلي أو يحدثني، وكيف كان يمكنه في تلك اللحظة ان
يتحدث إلي عن كثب، أيؤثر القلم
والورق على المعول والفأس؟

ونظرت إلى ساعتي.

كانت الساعة قد بلغت العاشرة
فقلت:

-
لقد حان وقت الراحة أيها الأصدقاء.

وعلى الفور، ألقى العمال بأدواتهم إلى أحد الأركان.
وجففوا العرق المتصبب على جباههم، وتأهبوا لمغادرة

السرداب.

وكان زوربا لا يزال مستغرقا في العمل فلم يسمعني..
ولو سمعني لما تحرك
قيد أنملة.

وفجأة، أرهف زوربا أذنيه مرة أخرى، وظهرت على وجهه
دلائل
القلق.

فقلت أحدث العمال: صبرا لحظة.. ريثما أقدم لكم بعض
السجائر
.

فدار
العمال بي، بينما أخذت أبحث في جيوبي عن علبة
السجائر
.

وفي هذه اللحظة، كف زوربا
عن عمله وألصق أذنه بجدار السرداب، ورأيته على ضوء
المصباح يفغر فاه دهشة.. فصحت
به:

-
ماذا هنالك يا زوربا.

وقبل أن يجيب، حدثت فرقعة فوق رؤوسنا فصاح زوربا بصوت أجش:

-
اخرجوا جميعا.. اخرجوا.

فانطلقنا نعدو نحو فوهة السرداب، وما كدنا نتجاوز السقالة
الاولى حتى دوت فرقعة أخرى فوق رؤوسنا
.

وكان زوربا قد حمل
جذع شجرة ضخم، وراح يحاول أن يسند به السقف
المتداعي، ولو نجح لاتاح لنا بضع ثوان

قد نتمكن فيها من الفرار.

وصاح زوربا مرة اخرى:

-
اخرجوا.

ولكن صوته في
هذه المرة كان خافتا مختنقا كأنه صادر من بطن
الارض
.

وبالجبن الذي يصيب الناس
عادة في لحظات الخطر. اندفعنا جميعا نحو فوهة
السرداب، وقد نسينا زوربا
تماما.

ولكني توقفت بعد بضع ثوان، وعدت ادراجي إلى
السرداب وأخذت اصيح
:

-
زوربا.. زوربا.

توهمت أنني أصيح، ثم أدركت أن الخوف قد خنقني، وأن
صوتي لم يغادر
حنجرتي وأحسست بالخجل، فوثبت نحو زوربا ومددت له يدي.

وكان قد فرغ لتوه من دعم
السقف وبدأ يعدو في الظلام طلبا للنجاة فاصطدم بي،
وأحاط كل منا صاحبه بساعديه
. وصاح زوربا:

-
يجب أن نخرج.. اخرج..

وانطلقنا نعدو بأقصى سرعة حتى وصلنا إلى الفوهة. وكان العمال
قد اجتمعوا عندها والرعب يملأ نفوسهم
.

وما أن رأينا ضوء
النهار، حتى سمعنا فرقعة ثالثة، أشبه بصوت شجرة
تنكسر في العاصفة. اعقبها دوي كقصف
الرعد هز المنطقة كلها.. وانهار السرداب.

وهتف بعض الرجال وهم يرسمون علامة الصليب على صدورهم:

-
يا الهي.

بينما صاح زوربا في غضب:

-
أرى أنكم تركتم
معاولكم هناك.

فصمت الرجال، وصاح زوربا ثانية:

-
لماذا لم تأخذوا الأدوات
معكم؟

فقلت له:

-
ليس هذا وقت البكاء على الأدوات يا زوربا، دعنا
نحمد الله
على أن الرجال نجوا بأنفسهم.. شكرا لك يا زوربا اننا جميعا ندين بحياتنا لك.

فقال زوربا:

-
ان ما حدث جعلني أشعر بالجوع.


وتناول حقيبة، وكان قد
تركها فوق صخرة بالقرب من المنجم ففتحها، وأخرج
منها خبزا وزيتونا وبصلا، وقليلا من
النبيذ.

وقال وفمه مملوء بالطعام:

-
هلموا يا رجال.. دعونا نأكل.

وراح
يأكل بنهم، دون أن ينطق بكلمة، ثم رفع اناء النبيذ
إلى فمه، وشرب كل ما
به.

وأفرغ روع العمال، واستردوا شجاعتهم ورباطة جأشهم،
فحملوا طعامهم وجلسوا على
الأرض حول زوربان وراحوا يأكلون دون أن يحولوا ابصارهم عنه.

كان بودهم أن يلقوا
بأنفسهم على قدميه.. وان يقبلوا يديه.. ولكنه عرف
بينهم بالشدة وغرابة الأطوار فلم
يجرؤ أحدهم على الدنو منه.

وأخيرا جميع ميشيل – أكبر العمال سنا – أطراف
شجاعته
وقال محدثا زوربا:

-
لولاك لأصبح أولادنا الآن أيتاماً أيها السيد اليكسيس.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:16 pm

الفصل العاشر




من اذن خلق هذه المتاهة، هذا الصرح الذي يمثل
الغطرسة والقحة، هذا الحقل الذي ينبت

آلاف الخدع، هذا الباب الذي يؤدي إلى الجحيم، هذه
السلة الملية بالدهاء، هذا السم
الذي له مذاق العسل، هذه الأصفاد التي تغل البشر بالأرض المرأة.

وفي بطء وصمت،
أخذت أسجل هذه الأغنية البوذية وأنا جالس على
الأرض أمام الموقد
.

كانت هذه
الأغنية وأمثالها هي بعض التعاويذ التي حاولت بها
أن أطرد من ذهني صورة مغرية
لامرأة مثيرة، قد بلل ماء المطر ثوبها فألصقه بجسدها وأبرز مفاتنها...
امرأة ظلت
تلح على خيالي وتتهادي أمام عيني جيئة وذهابا ليلة بعد ليلة، طيلة الشتاء.

والواقع، انني منذ حادث انهيار السرداب الذي كاد يودي
بحياتي، كنت أشعر
بالارملة في دمي، وكانت تدعوني كما تفعل اناث الحيوان وتقول لي في الحاح وعتاب:

-
تعال.. تعال.. ان الحياة تمر كومضة البرق. فتعال
قبل فوات
الاوان..

كانت تملأ الجو حولي في وحدتي، وتمر أمامي بلا
انقطاع ، لتغريني بمفاتن
جسدها، وكنت أقاوم الاغراء في النهار بقوة ارادتي ويقظة عقلي، ولكن ما أن
يقبل
الليل حتى تنهار ارادتي، ويلقي عقلي سلاحه، وتفتح الابواب.. وتدخل الارملة.

وهكذا كنت أستيقظ كل صباح خائر القوى مغلوبا على
أمري، لكي أبدأ النضال
من جديد.. وكنت أقول لنفسي: انني لست وحدي، فهناك قوة أخرى تخوض المعركة
معي.. هي
ضوء النهار.. هذا الضوء ينتصر تارة ويهزمه ظلام الليل تارة أخرى.. ولكنه لا
ييأس
.. وأنا أناضل وآمل مع ضوء النهار.

ولا بد أن يكون زوربا قد لاحظ بذكائه الفطري أي شيطان كنت أناضل، فقد
قال لي في ليلة عيد الميلاد
:

-
فيم تفكر؟ انك على غير ما
عهدتك.

فتظاهرت بأنني لم أسمعه ولكنه لم يكن الرجل الذي
يتراجع
بسهولة.

قال:

-
انك لا تزال في مقتبل العمر..

ثم أردف في غضب ومرارة:

-
انك شاب قوي البأس تأكل جيدا وتشرب جيدان وتستنشق
هواء نقيا، وتختزن قوة هائلة
فماذا تصنع بها؟ انك تنام وحدك كل ليلة، وهذا ضار بمن كان مثلك.. فاذهب
إليها
الليلة ولا تضيع الوقت، كل شيء في هذه الدنيا بسيط، فلا تعقد الأمور..

فأخذت
اصغي إليه، وأقلب صفحات كتابي عن بوذا وأصفر بفمي
لاخفي مشاعري
.

ولاحظ زوربا أني
لا أريد الاجابة فصاح:

-
الليلة يا صديقي هي ليلة عيد الميلاد، فأسرع إليها
قبل
أن تغادر بيتها إلى الكنيسة.

فقلت له في ضجر:

-
كفى يا زوربا.. ان لكل انسان
ميوله الخاصة.. والانسان كالشجرة. فهل تشاجرت مع
شجرة يوما ما لانها لا تثمر؟
بحسبنا هذا الآن.. لقد كاد الليل ان ينتصف فهلم بنا إلى الكنيسة.

فقال زوربا في
يأس وهو يضع قبعته على رأسه:

-
حسنا اذن، هلم بنا إلى الكنيسة..

كانت السماء
صافية تماما والنجوم تبدو كبيرة متدلية من السماء
ككرات من نار بينما بدا الليل
كوحش أسود كبير يجثم على طول الشاطئ.

وازدحمت الكنيسة الدافئة بالقرويين ، فوقف الرجال في المقدمة
أمام النساء، وعقد الجميع أيديهم فوق صدورهم.. بينما أخذ الأب
ستيفانوس بقامته
الطويلة، وثوبه الموشى بالذهب، ووجهه الشاحب بعد صيام أربعين يوما
. يروح ويغدو بخطى
واسعة، ويترنم بأعلى صوته، وبسرعة ، لكي يعود على عجل إلى بيته،
حيث تنتظره مائدة
مثقلة بالحساء والشواء وسائر الاطعمة الشهية
..

ولو لم تقل
الكتب المقدسة ان النور ولد في مثل هذه الليلة لما
نشأت الاسطورة وملأت الدنيا
.. ولمر الحادث كأية ظاهرة طبيعية عادية، دون أن يلهب الاخيلة.. ولكن النور
الذي ولد
في صميم الشتاء أصبح طفلا، والطفل أصبح الها دانت له النفوس والارواح عشرين قرنا.

وغادرنا الكنيسة إلى فندق مدام هورتنس، حيث كانت
في انتظارنا مائدة حافلة
بالطعام والشراب.

وكانت الغانية العجوز ترتدي غلالة طويلة ذات لون
باهت وقد عقدت
شعرها خلف رأسها، وأحاطت عنقها المجعد بشريط من الحرير الأصفر، وضمخت جسدها
في سخاء
بعطر زهور البرتقال.

وأجال زوربا البصر حوله ثم همس في اذني قائلا:

-
لكن الظن أن العجوز لن تطلق سراحي الليلة..

وكان الوقت فجرا عندما غادرتهما في المخدع الصغير الدافئ،
وسرت في طريقي إلى الكوخ
.

كنت سعيدا ، وقلت لنفسي هذه هي السعادة الحقيقة ان
يعيش الانسان بلا مطامع ويعمل ويكد كأن له ألف مطمع وان يحب

الناس ويعمل لخيرهم دون أن يكون في حاجة اليهم وان
يأكل ويشرب ويشترك في أعياد
الميلاد دون أن يتورط في المتاعب او يقع في الفخاخ.. وان يسير على الشاطئ
والنجوم
فوقه، والبحر إلى يمينه والأرض إلى يساره وأن يشعر بأن الحياة قد انجزت
معجزتها
الكبرى فصارت قصة من وحي الخيال.

ومرت الأيام، وحاولت أن اصطنع المرح، رغم الحزن الذي كنت أشعر به في
قرارة نفسي.. فقد أزال أسبوع الاعياد الغابر عني كثير من

الذكريات. ذكريات عن موسيقى بعيدة، وأناس
أحببتهم.. وراعني صدق العبارة القديمة

التي تقول : ان قلب الانسان حفرة مليئة بالدم،
واولئك الاحباب الذين ماتوا يلقون
بأنفسهم على حافة الحفرة وينهلون من الدم، وهكذا يعودون إلى الحياة وكلما
كان حبكم
لهم عظيما زادت الكمية التي ينتهلونها من دمك.

وفي صباح اول يوم من العام
الجديد. فتحت عيني على زوربا وهو يدق رمانة بباب
الكوخ
..

وانشقت الرمانة وتناثرت
بذورها كحبات الياقوت الصافي الاديم، وسقط بعضها
على الفراش.. فتناولت بضع حبات
وأكلتها وشعرت بانتعاش.

قال زوربا:



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:17 pm

عام سعيد يا صديقي..
ارجو أن يزخر بالمال
والنساء ثم اغتسل وارتدى ثيابه ومعطفه الروسي وفتل شاربيه.

-
سأذهب الان إلى
الكنيسة بصفتي ممثلا للشركة التي تستغل المنجم ،
فليس من مصلحة العمل ان يظن
القرويون اننا من المفكرين الاحرار.. ان ذلك لن يكلفني شيئا، فضلا عن انه
وسيلة
لقضاء الوقت.

ثم انحنى فوقي وقال وهو يغمز بعينه:

-
ومن يدري.. فربما اجد
الارملة هناك.

وسمعت وقع خطاه وهو يبتعد، وعاودني الاحساس
بالوحدة، فنهضت
وارتديت ثيابي، وخرجت الى الشاطئ.

وكان الجو صافيا، والهوا باردا فسرت في الطريق إلى الشاطئ وأنا أسائل
نفسي: ترى من سيكون اول انسان التقي به في هذا اليوم الاول

من العام الجديد؟ آمل أن يكون طفلا يحمل بين يديه
كومة من الهدايا، أو شيخا أشيب
الشعر، يرتدي قميصه الابيض المزركش، ويمشي في كبر وخيلاء لأنه أدى واجبه في
الحياة
بشجاعة.

وفجأة أحسست بيداي ترتجفان.. فقد رايت الارملة
بخصرها النحيل وجسمها
المثير، ومرتدية ثوبا أحمر، وعلى رأسها منديل أسودن وهي تسير بخطى نشيطة في
الطريق
إلى القرية.

كانت تنساب ف رشاقة الفهد الاسود.

ووددت لو أستطيع
الفرار..

أحسست بأن هذا الوحش لن يعرف الرحمة اذا غضب ، وأن
أفضل وسيلة لاتقاء
خطره.. هي الفرار.. ولكن كيف؟

كانت الارملة تقترب بسرعة، والحصى يصطك تحت قدميها كما لو كان جيشا برمته
يسير فوقه
.

وأبصرت بي وهزت رأسها – فانزلق المنديل وظهر شعرها اسود لامعا
كخافية الغراب
.

وألقت إلي نظرة مغرية وابتسمت.. وكانت في عينيها عذوبة غير
مألوفة
.

وبسرعة اعادت وضع منديلها على رأسها وكأنما اخجلها
ان
أرى سرا من أخص أسرار المرأة، وهو شعرها..

وأردت ان اتحدث اليها، واتمنى لها عاما سعيدا، ولكن
الكلمات احتبست في حلقي كما احتبست يوم انهار السرداب وكانت حياتي
في خطر.

وعبث النسيم باعواد النبات التي تحيط بحديقتها،
وسقطت أشعة الشمس على
ثمار الليمون والبرتقال. وازدهرت الحديقة أمام عيني حتى بدت كقطعة من الجنة.

وتوقفت الارملة عن السير ومدت يدها، وفتحت باب
الحديقة ومررت بها في هذه
اللحظة فانثنت ونظرت إلي.

وتركت الباب مفتوحا، وسارت بين أشجار البرتقال،
وهي
تهز ردفيها.

أي رجل في مثل هذا الموقف، كانت يجب ان يغلق
الباب، ويلحق
بها.

أو أن هذا ما كان يفعله جدي.. وما أرجوه أن يفعله
حفيدي. أما أنا فقد جمدت
في مكاني لازن الامور وافكر.

ثم ابتسمت بمرارة وتمتمت قائلا:

-
قد اتصرف خيرا
من ذلك اذا قدر لي ان أعيش في عالم آخر.

وأحسست بالبرد، ومرت بجسدي رعدة. وعبثا حاولت أن أطرد الارملة
من مخيلتي، وأن أنسى حركة ردفيها، وابتسامتها وعينيها

وصدرها.

كلها ظلت ماثلة أمامي حتى شعرت بأنني اختنق.

ولم تكن الاشجار قد
اورقت بعد، ولكن أغصانها كانت تنبض بماء الحياة،
حتى لتحس بأن وراء كل نتوء
ورقة.

كانت معجزة الربيع الكبرى تتحفز سرا في صمت، ليلا
ونهار، وفي وسط الربيع
.. لكي تفجر الزهور والثمار من الخشب الجاف.

وتركت الطريق وجلست تحت احدى الاشجار. ولم أفكر في شيء
وأحسست بالسعادة كما لو كنت أجلس تحت شجرة في الجنة.. إلى أن سمعت
صوتا يقول فجأة:

-
ماذا تفعل هنا يا سيدي. انني بحثت عنك في كل مكان
وقد انتصف
النهار او كاد.. ألم تشعر بالجوع؟ أم لعلك نسيت الخروف الصغير الذي ينتظر
في
الفرن؟؟ ان رائحة الشواء تثير لعابي! فهلم بنا.

كانت حاجات الرجل الاساسية،
الطعام والشراب والنساء والرقص، لا تبارح ذهنه
ابدا
.

وكان يلوح في يده بحزمة
ملفوفة بالورق الأحمر ومحزومة بخيط ذهبي فسألته
وأنا أبتسم
:

-
أهذه هدية السنة
الجديدة؟

فضحك ليخفي تأثره، وأجاب:

-
أنا اردت ألا أدع للمرأة المسكينة سبيلا للشكوى.. وحتى تذكر
عصرها الذهبي الذي مضى. أليست امرأة، أليس من شيم المرأة البكاء
على مصيرها..

-
هلم بنا..

وعندما دنونا من القرية، اقترب زوربا مني وقال
بصوت
خافت:

-
لقد رأيتها في الكنيسة يا سيدي. كنت واقفا في الصف
الأول عندما اضاءت
الايقونات فجأة، وتألق النور في كل مكان فقلت لنفسي، ماذا حدث؟ هل دخلت
الشمس
الكنيسة؟

ونظرت حولي، واذا بي أرى الارملة.

فقلت وأنا أوسع الخطى.

-
بحسبك
هذا يا زوربا.. وكفى.

ولكنه أسرع ورائي ومضى يقول:

-
لقد رأيتها عن كثب..
ورأيت الخال على خدها ، فطار لبي.

وهذا الخال يا سيدي !! انه كذلك لغز من الالغاز العويصة.

تكون البشرة لينة وناعمة، ثم فجأة تظهر بها نقطة
سوداء، تصبح
خالا يذهب بصوابك.. ماذا تقول الكتب في ذلك يا سيدي؟

-
لتذهب الكتب إلى
الشيطان.

فضحك زوربا وصاح:

-
هذا كلام جميل.. الآن بدأت تفهم.

وكانت مدام
هوريتش قد فرغت من طهو الحمل ووقفت بالباب تنتظرنا.

كانت كالعهد بها، تحيط عنقها
بذلك الشريط الاصفر المقيت، وتضع ، على وجهها
وشفتيها اكداسا من المساحيق والدهون،

وتحرص بذلك على ان تجعل من نفسها شيئا يثير
الاشمئزاز
..

وأبصرت المرأة بنا فبدا
السرور على جسمها كله ورقصت عيناها في محجريهما
واستقرتا على شارب زوربا
.

وأغلق
زوربا الباب، واحتوى الغانية العجوز بين ساعديه
وهو يصيح
:

-
عام سعيد يا
بوبولينا.. انظري ماذا أحضرت لك!!

وما ان أطلقها زوربا حتى اختطفت الحزمة وفضتها وافلتت من فمها صيحة
فرح
.

فانحنيت الى الامام لارى الهدية.

كانت عبارة عن
قطعة سميكة من الورق الكرتون.. رسم عليها زوربا
بالالوان اربع بوارج ضخمة ترفرف
عليها الاعلام.

وفوق الامواج، بين البوارج الاربع، صورة امرأة
يتطاير شعرها في
الهواء.. والمرأة تشبه مدام هورتنس بكل قسمات وجهها وجسمها، وبالشريط
الاصفر الذي
يحيط عنقها، وقد امسكت بزمام اربعة خيوط ثبتت اطرافها باربع بوارج ترفرف
عليها
الاعلام الانجليزية والروسية والفرنسية والايطالية،
بينما برزت في أربعة اركان
اللوحة اربع لحى، سوداء وشقراء وحمراء وشهباء.

وفهمت الغانية معنى الصورة على الفور وصاحت وهي تشير
باصبعها إلى المرأة في اللوحة
:

-
هأنذا.

وتنهدت، وقالت
في شيء من الخيلاء:

-
لقد كنت في وقت ما قوة عظمى.

ورفعت مرآة صغيرة كانت
مثبتة بالجدار على مقربة من قفص الببغاء، ووضعت
اللوحة مكانها
.

وكان زوربا قد
تسلل إلى المطبخ. فجاء بالحمل المشوي وزجاجة نبيذ،
وملأ الأقداح ثم صفق بيديه
وصاح:

-
إلى الطعام.

ثم التفت إلى الغانية واستطرد:

-
المعدة أولا، وبعد
ذلك نهتم بما عداها. ولكن الغانية العجوز عكرت
الجو بتنهداتها
.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:18 pm

كانت بداية كل عام جديد بمثابة يوم الدينونة
بالنسبة اليها.. وكلما انصرم عام، نظرت وراءها،
واستعرضت ماضيها، وبعثت من قيود
ذاكرتها.. ذكريات مدن كبرى، وملابس حريرية، وزجاجات
شمبانيا.. وذكريات مدن كبرى، وملابس
حريرية، وزجاجات شمبانيا، ولحى معطرة
.

غمغمت قائلة:

-
لا
رغبة لي في الطعام
.

ونهضت
الى الموقد فركعت امامه. وراحت تحرك
النار بينما جلس زوربا مترددا بين المضي في تناول الطعام
الشهي دون ان يعبأ بها، أو
مواساتها بكلمة طيبة ترد عليها بهجتها وقابليتها للطعام.
واتخذ قراره آخر الأمر
فحثا بجانبها وقال يلاطفها :

-
اذا لم
تأكلي يا ساحرتي الصغيرة انتهى كل شيء
.. فرحمة بالحمل الوديع، والتهمي هذه
القطعة منه
.

ودس في
فمها قطعة من اللحم، ثم
أحاطها بساعديه وانهضها وأجلسها بيننا.

ومسحت
المرأة عينيها الحمراوين بظاهر
يدها وأقبلت على الطعام.

وقال
زوربا وهو يرفع قدحه
:

-
نخب
صحتك يا بوبولينا
.. اسأل الله أن يهبك في هذه السنة بعض
الأسنان الجديدة.. وأن يملأ حاجبيك بالشعر
الكثيف، وان يهديك إلى التخلص من هذا
الشريط المزعج الذي تحيطين به عنقك، وأن تقوم
في كريت ثورة جديدة حتى تعود اليك
بوارجك الاربع، ومع كل بارجة اميرال بلحية معطرة،
وان تسبحي فوق قمم الامواج مرة أخرى
ويرتفع صوتك العذب.. وان تتحطم البوارج على
هاتين الصخرتين البارزتين.

قال
ذلك ومد يده الضخمة إلى صدرها المترهل، فتنهدت
المرأة وقالت:

-
هل يمكن
ان يحدث ذلك يا زوربا، ان الشباب اذا ذهب لا
يعود..

-
اصغ
إلي يا صغيرتي، لأحدثك عن الهدية التي سأقدمها اليك.. لقد ظهر طبيب
جديد يقوم ببعض المعجزات..
انه يعطيك جرعة من دواء فتعودين إلى سن العشرين، او
الخامسة والعشرين على أسوأ تقدير..
لا تبك ايتها العزيزة، فقد ارسلت إلى أوروبا في
طلب هذا الدواء.

فبهتت
الغانية، وأحاطت عنق زوربا بساعدها، وقالت وهي تحتك به
كما تفعل الهرة.

-
شكرا
لك ألف شكر.. اذا كان الدواء سائلا فاطلب ملء زجاجة
كبيرة، واذا كان مسحوقا..

-
واذا
كان مسحوقا فسأطلب ملء زكيبة
.

وجلست
الغانية
على ركبتي زوربا والقت برأسها على كتفه وتنهدت.

كانت
قد أسرفت في الشراب
وثملت.

وسألها
زوربا
:

-
فيم
تفكرين يا بوبولينتي المحبوبة؟


-
في الاسكندرية وبيروت
والقسطنطينية.. في الاتراك والشوارب الطويلة والطرابيش
الحمراء.

وتنهدت
مرة أخرى، وازالت الغبار عن ذكرياتها.. قالت
:

-
عندما
كان
علي بك يقضي سهرة عندي، كان الموسيقيون يعزفون في فناء البيت وكان
علي بك يلقي
اليهم حفنات من النقود ليعزفوا حتى الفجر.. وكان جيراني
يسمعون الموسيقى ويتميزون
غيظا ويقولون في حسد: أن علي بك عندها.

وفي
القسطنطينية، لم يكن سليمان باشا
يسمح لي بمغادرة بيته في أيام الجمعة، خوفا من ان يراني
السلطان وهو في طريقه الى
في أيام الجمعة، خوفا من ان يراني السلطان وهو في طريقه الى
المسجد فيبهره جمالي
ويختطفني.. وكان كلما خرج إلى عمله في الصباح، أمر ثلاثة من
الاغواث بملازمة بابي،
ليمنعوا أي رجل من دخول غرفتي.. آه .. تلك الأيام .. ما كان
أجملها
!!

وتضايق زوربا وتخلص من المرأة بأن
أجلسها على مقعد بجواره، وكانت هناك قطتان تموءان
وتتشاجران في الخارج فتناول زوربا
عصاه وانطلق إلى الخارج، فصحت به ضاحكا
:

-
من ستضرب بعصاك يا زوربا: سليمان
باشا؟


-
بل
سأضرب القطتين اللعينتين اللتين لا
تتركانا في سلام.

وعندما
جاء زوربا كانت مدام هورتنس تغط في نومها وتحلم بالشرق
والشوارب والبوارج فنظر اليها زوربا
باحتقار وقال
:

-
لقد
نامت الفاجرة
.

-
اظن ذلك يا زوربا باشا.. ولعلها
تحلم الآن بانها قد تناولت العقار الجديد.. وعادت إلى
سن العشرين.

قبحها
الله من بقرة قذرة!! انظر إليها كيف تبتسم في نومها!! هلم
بنا.

وخرجنا
إلى الهواء البارد وإلى القمر المضيء.. وساد الصمت بيننا بضع لحظات
إلى أن قال زوربا:

-
رحم
الله جدي.. قال لي، احذر المرأة فانها شيطان، واذا
لمستها فقد لمست الشيطان.. لقد سرقت
تفاحتين من جنات عدن وأخفتهما في صدرها، وهي
الان تختال بهما، ومن أكل منهما فقد
هلك
.

ومررنا
بحديقة الارملة، فتوقف زوربا عن
السير.. وكانت الخمر والطعام الجيد ونور القمر كلها قد لعبت
برأسه، فاشرأب بعنقه
نحو الحديقة وقال بصوت أجش:

-
وهنا
شيطان آخر
.

وكان
الفجر قد بزغ عندما وصلنا
إلى الكوخ، فاستلقيت على فراشي وانا متعب منهوك القوى، اما
زوربا فقد اغتسل واشعل
الموقد وصنع بعض القهوة ثم جلس على الأرض بجوار الباب وراح
يدخن في هدوء. وينظر إلى
البحر دون أن يأتي بحركة.

وتاملته
وهو جالس في ضوء القمر كأنه صنم، واعجبت
بالمرونة والبساطة اللتين يتأقلم
بهما، وبالطريقة التي يتواءم بها جسده وروحه مع كل
شيء آخر من نساء وخبز وماء ولحم،
ليتكون من الجميع شيء اسمه زوربا
.

والواقع
،
انني لم ار قط مثل هذا التحالف الودي بين انسان والعالم الذي يحيط
به
.

ومال
قرص
القمر وشحب لونه، وهدأ البحر وسكنت امواجه ، والقى زوربا لفافة
التبغ، وتناول قفصا
واخرج منه حبلا وقطعا صغيرة من الخشب، ثم أشعل المصباح
الزيتي وراح يقوم بتجاربه
على انموذج مصغر للسلك الهوائي.

ومن
الواضح انه كان يقوم بعمليات حسابية معقدة
لأنه كان يحك رأسه حينا ويسب ويشتم
حينا آخر
.

وفجأة
ضاق ذرعا بالعملية كلها،
فركل الانموذج وارسل اجزاءه تتطاير في الهواء.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:18 pm

الفصل الحادي عشر




وغلبني النعاس فنمت، وعندما استيقظت في الصباح كان
زوربا قد انصرف وكان البرد
شديدا، ولم تكن بي رغبة إلى مغادرة الفراش فقررت أن أقضي وقتي مع الكتب.

ولم يعد
زوربا إلا في المساء، وكان مشرق الوجه، وخيل إلي
أنه وجد حلا لاحدى المشكلات
.. فانتظرت لاعرف ما عنده..

وكنت قد بدأت أضيق به، ومنذ بضعة أيام دعوته إلي
وقلت
له في غضب:

-
لقد فرغت نقودنا يا زوربا أو كادت، فإذا كان هناك
ما يمكن عمله،
فعجل به. انشئ ذلك السلك الهوائي، فاذا فشلنا في المنجم، أمكننا أن نفيد من
الخشب
. إنما يجب أن تعجل والا أفلسنا.

فحك رأسه وقال:

-
تقول ان نقودنا فرغت؟ هذا لن
يؤسف له.

-
نعم يا زوربا لقد ابتلع المنجم بعضها، وأكلنا
البعض الآخر، فافعل
شياً، كيف انتهت تجاربك؟ ألم توفق بعد؟.

فأطرق برأسه ولم يجب، وبدا علي الخجل، وما لبث أن صاح في غضب:

-
ذلك المنحدر اللعين!! سوف أظفر به مهما كلفني الأمر.

وها هو قد أقبل الآن بوجه مشرق، وعلى شفتيه
ابتسامة عريضة.. صاح
:

-
لقد نجحت ونجحت في معرفة الزاوية الصحيحة التي
حيرتني كل هذا الوقت
.

-
اذن فعجل
بالعمل يا زوربا لماذا تنتظر؟

-
يجب أن أذهب إلى المدينة غدا صباحا لشراء أسلاك الصلب والطنابير
والمسامير والادوات الضرورية وسأعود على وجه السرعة
.

وأشعل
الموقد بعد ذلك وأعد طعاما وأكلنا بشهية جيدة.

وفي صباح اليوم التالي، رافقت زوربا إلى القرية ودار
بيننا في الطريق حديث جرى عن العمل في المنجم
.

وفيما كنا
نهبط منحدرا، ضرب زوربا بقدمه حجرا، فتدحرج الحجر
في المنحدر، ووقف زوربا مبهوتا،
وكأنه يرى هذا المنظر لأول مرة في حياته والتفت إلي وقال:

-
هل رأيت؟ ان الحياة
تعود إلى الحجارة في المنحدرات..

فلم أجبه، ولكني شعرت بسرور وبهجة، وقلت لنفسي:

-
هكذا ينظر كبار الشعراء والمفكرين إلى الأشياء
كأنهم يرونها لأول مرة
.. والواقع أنهم لا يرونه وإنما يخلقونه.

وقد كانت الدنيا في نظر زوربا كما كانت في نظر الانسان الأول،
مجرد مشهد كبير رائع، فالنجوم تتألق فوق رأسه، وأمواج البحر

تنكسر تحت قدميه، وهو يعيش مع الأرض والماء
والحيوان والله.. دون أن يفسد عليه
التفكير العقيم متعة الحياة.

وعلمت مدام هورتنس بامر سفر زوربا، ووجدناها في انتظارنا بباب بيتها،
وكذلك كان البغل الذي سيمتطيه زوربا في رحلته
.

ووثب زوربا
إلى ظهر البغل وأمسك بقيادة، واقتربت الغانية
العجوز في حياء ووضعت يدها على صدر
البغل، وكأنها تريد أن تمنع صاحبها من الرحيل.

ووقفت المرأة على أصابع قدميها وهمست:

-
زوربا.. زوربا.

ولكن زوربا أشاح عنها بوجهه. كان يكره سماع سخف العشاق على قارعة
الطريق
.

ورأت المرأة النظرة الرهيبة التي ارتسمت في عينيه، فذعرت.. ولكنها ظلت
ممسكة بصدر البغل، وعيناها تتطلعان إلى زوربا في ضراعة
.

وصاح
زوربا في غضب:

-
ماذا تريدين؟

فقالت متوسلة:

-
زوربا.. لا تنسني يا زوربا.
وكن كريما.

فهز عنان البغل ولم يجب.. وانطلق به البغل فصحت:

-
أرجو لك
التوفيق يا زوربا. عد بعد ثلاثة أيام لا أكثر.. هل
سمعتني؟


فتحول إلى الوراء
ولوح لنا بيده، فبكت المرأة، ورسمت الدموع خطوطا
وسط المساحيق والأصباغ التي تغطي
وجهها.

وبعد لحظات، توارى زوربا بين أشجار الزيتون، فنظرت
مدام هورتنس حولها كمن
ينظر إلى فراغ.

لقد اقفرت دنياها بعد رحيل زوربا.

ولم أعد إلى الشاطئ فقد كنت
أشعر بحزن ووحشة وانما سرت في الطريق إلى الجبل.

وقبل أن أخطو بضع خطوات، سمعت دقات الطبلة التي يعلن
بها موزع البريد وصوله إلى القرية.. ورأيت الرجل يلوح لي

بيده، فقابلته في منتصف الطريق، وأعطاني حزمة من
الصحف والمجلات ورسالتين، وعلى
الفور أودعت احدى الرسالتين جيبي لأقرأها في هدأة الليل، فقد كنت أعرف
كاتبها،
وأردت أن يطول شوقي إلى مضمونها قبل أن أفضها.

وكذلك عرفت صاحب الرسالة الثانية من خطه على غلافها،
ومن طابع البريد العجيب الذي تحمله
.

كان من زملائي القدامى
في المدرسة، ويدعى كرايانيس وكان يقيم في ذلك
الوقت في بلد جبلي بالقرب من
(طنجانيقا).

وقد عرفته شابا أسود البشرة عصبي المزاج، يصيح
أكثر مما يتكلم ،
ويتشاجر أكثر مما يناقش.

كان أستاذاً في علم اللاهوت وراهبا، وقد فوجئ ذات
يوم
وهو يقبل احدى تلميذاته في أحد الحقول، فخلع مسوح الرهبنة ورحل في اليوم
التالي إلى
افريقيا حيث أنشأ مصنعا للحبال، وجمع ثروة طائلة.

وكان يكتب إلي بين وقت وآخر،
ليدعوني إلى قضاء بضعة شهور معه في افريقيا.

جلست فوق حجر على جانب الطريق، وفضضت الرسالة، وقرأت
فيها ما يلي
:

"
متى ستحزم أمرك وتأتي لزيارتك أيها الرجل الذي استعبدته جبال
اليونان وشواطئها؟ أكبر الظن أنك أصبحت من عشاق الحانات

والمقاهي كسائر المواطنين اليونانيين!!

"
هذا يوم الأحد ، ولا عمل عندي، وأنا أكتب إليك من ضيعتي
والشمس كالاتون، والامطار لم تهطل منذ بضعة شهور، ولكنها عندما
تهطل في ابريل ومايو
ويونية، تصبح كالطوفان
.

يوجد هنا كثير من اليونانيين، انهم في كل مكان كالحشرات،
ولكني لا أختلط بهم فهم يثيرون اشمئزازي وقد جلبوا معهم

الجذام والقمار والجهل وسائر الخطايا.

انني أكره الاوروبيين، ولذلك لجأت إلى هذه الجبال، ولكني أكره
اليونانيين أكثر من أي شعب آخر، ولن أعود إلى اليونان ما حييت
وقد شيدت قبري هنا
أمام بيتي ونقشت عليه هذه الكلمات بحروف كبيرة (هنا يرقد يوناني
يكره اليونانيين).

أنا لا أعرف ملهاة غير العمل فأنا أكد وأكدح
وأناضل الأرض
والريح والمطر والعمال وانفق أموالي كما أريد، لأنني أستعبد المال والمال
لا
يستعبدني، ولكني عبد للعمل وأفخر بذلك، انني أشتغل بتجارة الأخشاب، وقد أنشأت
مصنعا
للحبال وسأشرع في زراعة القطن.

متى ستأتين ، لنتسلق معا هذه الجبال النقية العذراء؟

لقد رزقت بابنة من امرأة سوداء ولكن الأم أهدرت
شرفي في وضح النهار
وتحت كل شجرة في المنطقة فطردتها.

والطفلة الآن في الثانية من عمرها وقد علمتها من اللغة اليونانية القدر
الذي يساعدها على سب اليونان وأهلها
.

وهي تشبهني ولكن
أنفها مفرطح كأنف أمها، وأنا أحبها كما تحب كلبا
أو قطا
.

تعال وتزوج من امرأة
زنجية لترزق منها ولدا نزوجه من ابنتي.. لمجرد
اللهو
..

وتملكتني رغبة في الرحيل
إلى افريقيا لا لأنني أفتقد السعادة والجدية في كريت،
وانما لأنني كنت أصبو دائما
إلى زيارة أكبر عدد من بلاد العالم قبل أن أموت.

وعدلت عن تسلق الجبل، وسرت في طريقي إلى الكوخ لكي
أنعم بقراءة الرسالة الثانية
.

وهناك أشعلت نارا وأعددت قدحا من الشاي وتناولت بعض
الخبز والعسل ثم خلعت ثيابي وتمددت على فراشي وفضضت الرسالة

وقرأت فيها ما يلي:



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:19 pm

استاذي وصديقي...

انني
أضطلع هنا بمهمة على جانب عظيم من
الصعوبة والخطورة ، هي محاولة انقاذ نصف مليون يوناني في
جنوب روسيا والقوقاز
! وأكثرهم يتحدثون بالتركية أو الروسية، ولكن قلوبهم جميعا
تتحدث باليونانية
.

انهم جزء من شعبنا، وبحسبك ان ترى
عيونهم اللامعة وبسماتهم الماكرة، ورؤوسهم المرفوعة في
كبرياء وصلف وان تعرف كيف كافحوا
وناضلوا حتى سادوا المنطقة وصار لهم عيد وخدم، لكي
تدرك انهم حقا أحفاد بطلنا العظيم
(اوديسيوس) وان من واجبنا أن نحبهم ونقاتل من
اجلهم ولا ندعم يهلكون..

لقد
فقدوا كل ما يملكون، وهم اليوم جياع عراة، يطاردهم
الروس من ناحية، والاكراد من ناحية
أخرى، وآلاف اللاجئين يفدون من شتى المناطق
للاقامة في بعض مدن جورجيا وارمينيا.
وليس ثمة طعام او دواء أو غطاء.. وآلاف آخرون
يقفون بالموانئ وينظرون إلى الأفق في
قلق، لعلهم يرون سفينة يونانية تعود بهم إلى
أرض الوطن.

إن هذا
الجزء العزيز من شعبنا يعيش في ذعر وهلع، واذا تركناه لمصيره
فسوف يهلك، ولكنا بحاجة إلى كثير من
الحب والفهم والحماسة والبذل والتفكير السليم
لكي ننقذه ونعيده سالما إلى بلدنا
الحر الذي هو بحاجة إلى كل ابن من
أبنائه.

انني أذهب
إلى القرى والمدن لأجمع اليونانيين معاً، كما أكتب التقريرات
وأرسل البرقيات إلى المسؤولين في
أثينا لكي يبعثوا إلينا بالسفن والطعام والثياب
والأدوية، واذا كان النضال في حماسة
واصرار يجلب لصاحبه السعادة، فأنا اذن جد
سعيد.

انت
الآن قابع على شاطئ (كريت) تنصت إلى أمواج البحر وتصغي إلى نغمات
(السانتوري) لأن لديك متسعا من
الوقت، أما أنا فانني في دوامة من العمل والنشاط
وأنا سعيد بذلك.

ان
العمل، والعمل المتواصل، يا أستاذي الخامل، هو صخرة النجاة
لمن كان مثلنا.

انا
الآن بمدينة (كارس) ، وقد جئت إليها أجمع اليونانيين من
القرى المجاورة وحدث في يوم وصولي أن
أختطف الاكراد معلما وقسا من اليونانيين ودقوا
حدوة حصان في قدم كل منهما، وكانت
النتيجة ان دب الذعر في قلوب رؤساء الجالية
اليونانية فلجئوا إلى البيت الذي
أقيم فيه
..

ان دوي
مدافع الاكراد يزداد اقترابا
كل ساعة وعيون اليونانيين جميعاً تتعلق بي، كما لو كنت
الانسان الوحيد الذي يستطيع
انقاذهم.

لقد
كان في نيتي الرحيل إلى (تفليس) غدا، ولكني وجدت ان من العار ان
أرجل بينما الخطر يدنو من
مواطني
.

ولا
أقول لك انني لست خائفا، الواقع اني خائف
ولكني أشعر بالخجل.

ترى
ماذا يفعل محارب (رمبران) لو أنه وجد نفسه في مثل
مركزي؟

أعتقد
أنه يبقى ، ولذلك سأبقى واذا دخل الاكراد المدينة فمن المحقق انني
سأكون أول انسان يدق حدوة
حصان في قدمه.. فهل خطر ببالك يوما يا أستاذي ان هذا
سيكون مصير تلميذك؟

لقد
قررنا.. بعد مناقشة حادة من تلك المناقشات اليونانية
التي لا تنتهي ، ان يجتمع اليونانيون
الليلة، وأن يجمعوا نساءهم وأطفالهم وبغالهم
وجيادهم استعدادا للرحيل عند الفجر..

وسوف
أكون انا الكبش الذي يتقدم القطيع عبر
سلسلة من الجبال والوديان.

ستكون
هجرة جماعية أشبه بهجرة بني اسرائيل وسأكون أنا
(موسى) هؤلاء المهاجرين ودليلهم إلى
الأرض الموعودة
.

أرجو
أيها الصديق والأستاذ
أن تصلك هذه الرسالة، لانها قد تكون الأخيرة.

انني
لا أؤمن بالقوى الخفية التي
تحرس الناس، وانما أؤمن بالقوى الغاشمة التي تضرب يمينا
ويسارا بلا حقد وبغير قصد،
لتقتل من يوقعه سوء حظه في طريقها.

على
انني اذا وجدت نفسي في خطر الموت، فسوف
أتصل بك أينما كنت، لكي انذرك كما
اتفقنا
.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:19 pm

الفصل الثاني عشر







مرت ثلاثة أيام وأربعة وخمسة ولما يعد زوربا، وفي
اليوم السادس تلقيت رسالة من
مدينة (كانديا) تتألف من بضع صفحات من ورق عادي معطر وفي ركن كل ورقة صورة
قلب
يخترقه سهم.

ويبدو أن زوربا تعود أن يمسك بالقلم كما يمسك
بالفأس، فقد كانت
الصفحات مليئة بالثقوب وبقع الحبر.

وفيما يلي مضمون الرسالة بعد تصحيح أخطائها الهجائية واللغوية:

"
عزيزي الرأسمالي،

يسرني أن أتناول القلم لأكتب إليك مستفسراً عن صحتك، أما
أنا ففي خير حال والحمد لله
.

لقد أدركت من بعض الوقت
أنني لم أجيء إلى هذه الدنيا لأكون حصانا أو ثورا،
فالحيوانات وحدها هي التي تأكل
لتعيش، ولكي تنسحب على هذه الصفة، فإنني أخلق لنفسي عملاً ليلا نهارا،
وكثيرا ما
أضحي بمصدر رزقي من أجل فكرة، لأني أعمل بالمثل القائل "عصفور نحيل
على الجسر، أفضل
من ببغاء سمينة في القفص".

ان كثيرا من الناس يفخرون بوطنيتهم دون أن تكلفهم الوطنية شياً، أما أنا
فلست وطنيا، ولن أكون، مهما كانت تكاليف الوطنية
.

وكثير
من الناس يفكرون طويلاً، ويعصرون أذهانهم أما أنا
فلا حاجة بي إلى التفكير ، فالخبر
الطيب لا يسرني، والخبر السيء لا يحزنني، وسيان عندي ان يستولي اليونانيون
على
القسطنطينية، أو يستولي الاتراك على أثينا.

الشيء الوحيد الذي يهمني، هو هل أنا حي أو ميت؟

وعلى ذكر الحياة والموت،
أود أن أحدثك عن أمر يزعجني ويقض مضجعي، وأعني به الشيخوخة.

ان الموت لا يهمني، فالحياة شمعة تطفئها لفحة
هواء.. أما
الشيخوخة فانها عار وفضيحة ولهذا أبذل قصارى جهدي لأمنع الناس من الاعتقاد
بأنني
كبرت.

انني أرقص ، فيؤلمني ظهري، ولكني أواصل الرقص
وأشرب، فتدور الدنيا بي ولكي
أستمر في تناول الشراب كما يفعل الآخرون.. وأنا ألقي بنفسي في ماء البحر وأصاب بالبرد، ولكني أغالب
السعال، حتى لا أتهم بالضعف والشيخوخة.. هل تذكر انك سمعتني

مرة أسعل؟.. أبدا..

وأنا لا أخجل من الضعف والشيخوخة أمام الناس فحسب،
وإنما
أخجل منهما أمام نفسي كذلك.. أخجل منهما أمام زوربا ، فما قولك في ذلك يا أستاذي؟

ان في أعماقي شيطانا اسميه زوربا ، وزوربا الداخلي
لا يحب الشيخوخة، ولم
تتقدم به السن، ولن تتقدم.. أما زوربا الخارجي فقد ضمر جسده وشاب شعر رأسه
وسقطت
أسنانه وأحدثت الأيام شقوقا عميقة في وجهه.

ولكن إلى متى سيستمر الصراع بين هذين الزربيين؟ وأيهما
سيظفر بصاحبه؟ اذا مت عاجلا كان ذلك الخير كله، أما اذا امتد بي
الأجل طويلا فسيأتي
يوم أخسر فيه الحرية والكرامة
..

ستطلب إلى ابنتي وابني أن
أحمل ذراريهما ، أولئك الشياطين الصغار، وأن أسهر
على سلامتهم.. وأنظف
قذارتهم..

ومن المحقق انك ستمر كذلك بمثل هذا العار يوما ما
ولذلك أرجو أن تصغي
إلي.. وأن تعمل بنصيحتي.. دعنا نذهب إلى الجبال لنخرج من مناجمها الفحم
والحديد
والنحاس فاذا نجحنا وأبحنا من ذوي الثراء احترمنا الاقارب ولعق الاصدقاء
أحذيتنا
ورفع الجميع قبعاتهم لنا.. أما اذا لم ننجح، فهناك ذئاب ووحوش يمكنها أن
تتكفل بنا،
فما خلق الله الوحوش الا لتأكل أمثالنا، وتجنبهم مذلة الفقر وضياع الكرامة.

وهنا
رسم زوربا صورة لرجل طويل نحيل يلوذ باحدى
الاشجار، بينما سبعة ذئاب تطارده وتجد في

اثره وكتب تحت الصورة بحروف كبيرة: (زوربا
والخطايا السبع
).

ثم مضى في رسالته
يقول:

سأقص عليم الآن ما حدث لي في (كانديا) لأنني بحاجة
إلى نصائحك انك أصغر
مني سنا بطبيعة الحال، ولكنك قرأت كتب الحكمة القديمة، وأصبحت إلى حد ما –
ومعذرة
من هذا التعبير – من الطراز القديم..

"
أنا أعتقد أن لكل انسان رائحة خاصة.. واننا لا نلاحظ ذلك لأن روائحنا جميعا يمتزج بعضها ببعض، فيتعذر علينا
تمييزها ورد
كل رائحة إلى صاحبها..

كل ما نعلمه هو ان هذه الروائح في مجموعها تؤلف
رائحة
واحدة خبيثة هي التي نسميها (البشرية) وبعض الناس يحبون هذه الرائحة
ويشمونها كما
لو كانت عطرا، أما انا فانها تثير اشمئزازي.

بيد ان للنساء انوفا كأنوف الكلاب، يميزون بها رائحة
الرجل الذي يرغب فيهن.. ولعل ذلك هو السبب في انني ما أكاد أضع
قدمي في مدينة، وعلى
الرغم من شيخوختي ودمامتي، ورثاثة ثيابي، حتى أجد امرأة أو

امرأتين تطاردانني وتقطعان علي السبيل.

صفوة القول: انني عندما وصلت إلى (كانديا) في الغسق،
كانت الحوانيت كلها مغلقة، فقصدت إلى إحدى الحانات، حيث تناولت
بعض الطعام وعلفت
البغل، ثم خطر لي أن أتجول قليلا في شوارع المدينة، لم أكن أعرف
أحدا فيها، ولا أحد
فيها يعرفني ، كنت حرا أصفر في الطريق واضحك وأتحدث إلى نفسي
..
وكانت مصابيح الشوارع قد اضيئت.. والطرق حافلة
بالنساء.. ورائحة العطور والمساحيق
تختلط في الجو برائحة الشواء، فقلت لنفسي: كم بقي لك من العمر يا زوربا..
لماذا لا
تستمتع بأيامك القليلة الباقية؟

وكنت في هذه اللحظة أجتاز الميدان الكبير، ولا شك أنك تعرفه فسمعت
صيحات ونغمات موسيقى راقصة، فأرهفت اذني جيدا لأتبين مصدرها

فاذا المصدر أحد الكباريهات الغربية.. وهذا ما كنت
أنشده، فدخلت الكباريه وجلست
أمام احدى الموائد.. ورأيت امرأة بدينه ترقص على المسرح، وترفع ذيلها،
ولكني لم ألق
لها بالا وطلبت قدحا من الجعة، وما هي الا لحظة حتى أقبلت مخلوقة سمراء
صغيرة خفيفة
الظل فجلست بجانبي وقالت وهي تضحك:

-
أتسمح لي بالجلوس يا جدي؟

فصعد الدم إلى
رأسي، ووددت لو ادق عنقها، ولكني تمالكت نفسي
ودعوت الخادم وطلبت إليه أن يحضر
زجاجتين من الشمبانيا.

ومعذرة يا سيدي اذا كنت قد انفقت بعض مالك، ولكن
الاهانة
كانت شديدة، وكان لا بد لي أن أنقذ شرفنا، شرفك وشرفي، وان أرغم هذه
الصغيرة
المستهترة على الركوع تحت أقدامنا، وأنا واثق أنك ما كنت لتتخلى عني في مثل
هذا
الموقف الدقيق.

وأحضر الخادم الشمبانيا، ومزيدا من الشمبانيا، ثم
مر رجل يبيع
الياسمين، فاشتريت السلة كلها، وافرغتها في حجر التافهة العابثة التي تجرأت
على
اهانتنا..

وشربنا، وأسرفنا في الشراب، وأقسم لك انني لم
أحاول مغازلتها.. عندما
كنت شابا، كانت المغازلة هي الخطوة الأولى ، أما الآن بعد أن كبرت ، فان
أول شي
أفعله هو أن أنفق، وأنفق ببذخ وسخاء.. والنساء يعجبهن ذلك، قد تكون مقوس
الظهر
وقذرا، وحطاما، ولكنهن يتناسين كل هذا.. ولا يرين الا اليد التي تخرج
النقود
وتبعثرها بغير حساب.

وهكذا انفقت في تلك الجلسة ثروة – بارك الله فيك
ورد عليك
اموالك اضعافا مضاعفة – وكانت النتيجة، ان ازدادت الفتاة قربا مني، وألصقت
ركبتها
بعظامي النخرة، ولكني تظاهرت بالبرود وقلة الاكتراث، رغم انني كنت في الواقع أتلظى..

وهذه هي الطريقة للعب بعقول النساء، ان تتظاهر
بالاعراض عنهن، بينما انت
تتحرق شوقا اليهن.. من الخير لك ان تعرف ذلك فقد تفيدك المعرفة اذا وجدت في
مثل هذا
الموقف.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:20 pm

وانتصف
الليل، وشرع الخدم في اطفاء الانوار وغلق الابواب، فاخرجت من
جيبي حزمة من اوراق النقد ذات الالف
دراخمة ودفعت الحساب وأعطيت الخدم منحة سخية،
وحينذ تعلقت الفتاة بساعدي وسألتني
وهي ترمقني بنظرة اغراء
:

-
ما
اسمك؟


-
الجد.

فقرصتني
الفاجرة قرصة آلمتني وهمست قائلة
:

-
تعال
معي
.

فضغطت
يدها
الصغيرة بين يدي وقلت لها:

-
أهذا
ما تريدينه؟ هلمي اذن
.

وعندما
استيقظت في
اليوم التالي كان الوقت ظهرا.

وأجلت
البصر حولي، فاذا بي في غرفة صغيرة أنيقة،
بها مقاعد وثيرة، وزجاجات عطر متعددة
الالوان، ومرايا من جميع الاحجام، وملابس
أنيقة معلقة بالجدران، وحشد من الصور
لبحارة وضباط، ونساء عاريات
.

ووجدت
إلى
جانبي في الفراش الوثير، صاحبتنا السمراء اللعوب، فأغمضت عيني وقلت
لنفسي
:

-
لقد دخلت الجنة وأنت على قيد
الحياة يا زوربا.. هذا مكان جميل ويجب ألا تبرحه
.

وأحسب انني قلت لك ذات مرة يا
استاذي ان لكل انسان جنته المفضلة، فالجنة بالنسبة اليك
خزانة زاخرة بالكتب وعدد لا يحصى من
زجاجات الحبر، وبالنسبة إلى البعض براميل من
نبيذ وعرق وروم، وبالنسبة للآخرين
صناديق مليئة بالنقود.. اما بالنسبة الي فهذه
جنتي: غرفة صغيرة معطرة، وملابس ذات
الوان مرحة معلقة بالجدران، وفراش كبير وثير
.. وامرأة إلى جانبي.

ان
الاعتراف بالخطيئة هو نصف التوبة، واعترف لك بأنني لم أبرح
الفراش في ذلك اليوم.. إلى أين أذهب؟
لقد كنت مرتاحا حيث أنا
.

وأرسلت
إلى أحد
المطاعم الكبرى في طلب طعام من الكافيار والسمك وعصير الليمون
والقطائف
.

وفي المساء ، ارتديت ثيابي، وخرجت
متأبطا ذراع صاحبتي في الطريق إلى الكباريه
.

ولا أطيل عليك الحديث.. انني
مازلت اتبع هذا البرنامج، ولكن لا تنزعج.. فانني لم أنس
المهمة التي اوفدتني فيها، ولسوف
أشتري الاسلاك والادوات الاخرى.. ان تأخير يوم أو
أسبوع أو شهر لن يؤثر كثيرا، ومن
مصلحتك ان أنتظر حتى يصفو ذهني فلا أخدع في
البضائع أو الأسعار.. فصبرا وثق بي
ولا ينبغي أن تقلق على صحتي.. فالمغامرات
تفيدني، وقد ردتني الأيام الأخيرة
إلى شبابي، حتى لاتوقع أن تنبت لي أسنان جديدة
وفي كل مرة انظر إلى المرآة وأعجب
كيف لم يسترد شعر رأسي لونه الطبيعي، ويصبح أسود
كطلاء الأحذية.

ولعلك
تسأل لماذا أكتب اليك كل هذا؟ والواقع.. انك لي بمثابة
القس الذي يتلقى الاعتراف.. وأنا لا
أستحي من الاعتراف لك بذنوبي وآثامي.. هل تعرف
لماذا؟ لأني عهدتك حتى الآن لا تحفل
بما أفعل ، سواء أكان خطأ أم صوابا.. وهذا ما
يحفزني لأن أقول لك كل شيء.. فاصغ
الي
.

كان
أمس عيد أحد القديسين في قرية قريبة
من (كانديا) فقالت لي لولا، وهذا اسم صديقتي الصغيرة
السمراء
:

-
هلم
بنا يا
جدي.. دعنا نشهد حفلات العيد.

فأجبتها:

-
اذهبي
أنت أيتها الجدة
الصغيرة.

-
ولكني
أريد الذهاب معك
.

-
وأنا
لا أريد الذهاب، لأني لا أحب
القديسين.. اذهبي وحدك.

-
حسنا..
لن أذهب اذن
.

فنظرت
إليها مبهوتا
.

-
ولماذا
لا تذهبين؟


-
اذا
جئت معي ذهبت والا فلا
..

-
ولكن
لماذا.. أليست لك كل
الحرية؟

-
كلا.

-
ألا
تريدين أن تكوني حرة؟


-
كلا..
لا أريد
..

وخيل
إلي
أنني لم أسمع جيدا وصحت بها:

-
ألا
تريدين أن تكوني حرة؟


-
كلا..
لا أريد أن
أكون حرة.

سيدي،
انني أكتب إليك هذا من غرفة (لولا) على ورق (لولا) .. وأنا
أعتقد أن الادميين وحدهم هم الذين
يريدون الحرية.. ولكن النساء لا يرونها.. فترى هل
هن ادميات؟

أرجو
أن تكتب إلي على وجه السرعة
.



(اليكسيس زوربا)




ما أن
فرغت من تلاوة رسالة زوربا حتى
تجاذبتني ثلاثة عوامل، فلم أدر هل أغضب ، أم أضحك ، أم أعجب
بهذا الرجل البدائي
الذي حطم غلاف الحياة بعناصره الثلاثة، المنطق والأخلاق
والأمانة، ووصل مباشرة إلى
اللباب.

كان
يفتقر إلى جميع الفضائل الصغيرة التي لا غناء عنها، ولم تكن له الا
فضيلة واحدة قلقة خطرة تلح
عليه باستمرار وتدفعه ، دائما إلى آخر الحدود وإلى
الهوة.

غمغمت
أقول
:

-
بارك
الله في زوربا لقد كان يجسد جميع الآراء والخواطر
المجردة التي تعتمل في داخلي..
فيمنحها هيكلا حيا دافئا.. وعندما لا يكون هنا،
تضطرب آرائي وخواطري من جديد..

وتناولت
ورقة وقلما، وكتبت هذه البرقية التي بعثت
بها إليه:

- "
عد
فورا
".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:21 pm




الفصل الثالث عشر




بعد ظهر يوم السبت، وهو اليوم الأول من شهر مارس،
كنت جالسا على صخرة في مواجهة
البحر وبيدي كتاب اقرأه عندما سمعت فجأة وقع أقدام على الحصى. فرفعت عيني،
ورأيت
الغانية العجوز مقبلة تتدحرج على الشاطئ.

كانت لاهثة الانفاس بادية القلق، وسألتني على الفور:

-
ألم تصلك رسالة؟

فنهضت لاستقبالها، وأجبيها ضاحكا:

-
نعم، وهو يبعث اليك بتحيته، ويقول انه يفكر فيك
ليل نهار، ولا يطيب له طعام أو
شراب، وان الفراق يشق عليه.

فصاحت المرأة التعسة وهي تلتقط أنفاسها:

-
أهذا
كل ما يقوله؟

وشعرت بالاسف لها، وأخرجت الرسالة من جيبي،
وتظاهرت بانني أقرأها،
وكلما تعثرت بالكلام، تظاهرت بأن الخط مضطرب ومن الصعب قراءته:

وتلوت
عليها:

"
ذهبت أمس إلى أحد المطاعم الرخيصة لأتناول غذائي
وكنت جائعا، ولكني ما
كدت أدخل المطعم حتى وقع بصري على فتاة فاتنة كأنها ملكة جمال. ومن عجب
انها تشبه
بوبولينا تماما، وعلى الفور بدأت الدموع تنهمر من عيني، ولم أقو على ابتلاع
الطعام
فتركته دون أن أتناول منه شيئاً. وبلغ من تأثري أنني قصدت فورا إلى كنيسة
القديس
ميناس، وهناك أشعلت شمعة، وجثوت على ركبتي وابتهلت إلى الله قائلاً اللهم
ابعث إلي
بنبأ عن الملاك الذي أحبه، واعمل على أن تتلاقى أجنحتنا في أقرب وقت.

وهنا أشرق
وجه الغانية وانفجرت ضاحكة، فتوقفت عن الكلام وسألتها لكي
اكتسب فسحة من الوقت
اخترع فيها مزيدا من الأكاذيب:

-
ما الذي يضحك يا سيدتي؟ كنت أظنك ستبكين تأثرا.

-
آه.. لو علمت.

-
ماذا؟

-
الاجنحة!! لقد اعتاد الوغد في خلوتنا أن يسمي أقدامنا أجنحة..
وها هو يقول: اللهم اعمل على أن تتلاقى أجنحتنا في أقرب وقت
..
ها .. ها .. ها
..

-
استمعي إلى مايلي وسوف تدهشين.

وعدت إلى القراءة: مررت
اليوم بحانوت حلاق، كانت تنبعث منه رائحة عطرة..
فتذكرت بوبولينا على الفور وبكيت
.. أواه يا سيدي.. انني اكاد أجن.. لم أستطع فراقها أكثر من ذلك.

فابتسمت المرأة
وظهرت على وجهها دلائل السعادة وقالت:

-
ألم يقل شيئاً آخر؟

-
وماذا تريدين
أكثر من ذلك يا مدام هورتنس.. ان الرسالة كلها
هناك.. انظري.. اربع صفحات في ركن كل

صفحة منها صورة قلب.

-
أهذا كل شيء!

ورأيت في عينيها تلك النظرة التي نراها في عيني حيوان في مأزق
فأخذتني الشفقة وقلت
:

-
انه يقول شيئا آخر على جانب عظيم من الاهمية ولذلك
احتفظت به للنهاية
.

-
ما هو؟

-
يقول انه عندما يعود، سيجثو
على ركبتيه أمامك ويتوسل إليك والدموع في عينيه ان
تقبليه زوجا.. انه يريد أن يجعل
منك زوجته الصغيرة، مدام هورتنس زوربا. حتى لا تفترقا بعد ذلك ابدا.

وهنا امتلأت
عيناها حقا بالدموع.. دموع الفرح لتحقيق الامنية
التي راودتها طول حياتها.. وهي
الاستقرار والنوم في فراش شرعي.. ولا شيء أكثر من ذلك.

قالت بلهجة سيدة عظيمة
تتنازل بالقبول:

-
حسنا، قبلت، انما أرجوك ان تكتب إليه بأنه لا يوجد
بالقرية
زهور برتقال لثوب الزفاف، ويجسن به ان يشتريها من (كانديا).. قل له كذلك ان
يشتري
شمعتين كبيرتين، وشريطا أحمر، ولا بأس ببعض الحلوى.. وعليه كذلك ان يشتري
ثوب
الزفاف وجواري حريرية.. وحذاء من الساتان الابيض.. قل له ان لدينا اغطية
للفراش
وانه لا ضرورة لراء اغطية جديدة.

وهكذا بدأت باصدار الاوامر، واعداد قائمة المطلوبات، زجعلت من
زوجها صبيا تأمره بأن يشتري هذا وذاك فيطيع
.

واعتدلت في
رقفتها، وبدت عليها هيبة المرأة المتزوجة الكريمة.

قالت:

-
أريد أن أسألك
شيئا هاما..

-
تكلمي يا مدام هورتنس.. انني في خدمتك.

-
أنا وزوربا نحبك
ونحترمك، فانك رجل كريم ولن تكون معرة لنا، فهل
توافق على ان تكون شاهد
الزواج؟

-
يشرفني ان اكون شاهد الزواج يا مدام هورتنس.

-
حسنا، طاب مساؤك،
ارجو ان يعجل بالعودة الينا.

ورأيتها تبتعد، وتختال في مشيتها وتتمايل كفتاة في العشرين من عمرها..

كانت تمشي بمزيد من الثقة، وحذاؤها يترك في الرمال
أثرا
عميقا..

وما كادت تتوارى عن عيني حتى سمعت جلبة شديدة
وصراخا يشق عنان السماء،
كما لو كانت هناك جنازة، فتسلقت احدى الاشجار، ونظرت في اتجاه مصدر الصراخ،
ورأيت
بعض رجال القرية ونسائها يعدون في الطريق إلى الشاطئ والكلاب تعوي وراءهم،
كذلك
رأيت ثلاثة رجال يمتطون الجياد ويسبقون أهل القرية وفي اثرهم سحب كثيفة من الغبار.

قلت لنفسي:

-
لا بد ان حادثا وقع.

وانطلقت اعدو نحو
الخليج.

وفجأة رأيت مدام هورتنس مقبلة نحوي وهي تلهث،
وتبكي وتصيح
:

وتعثرت
وكادت ان تسقط ، فأمسكت بها، وسألتها:

-
ماذا حدث.. ولماذا تبكين؟

-
انني
خائفة.

-
مم؟

-
من الموت.

ولا بد انها شمت رائحة الموت في الهواء وأردت أن أساعدها على السير معي
إلى الخليج ولكنها امتنعت وقامت وصاحت
:

-
كلا .. كلا.. لا
أريد.

وجرت نفسها إلى احدى اشجار الزيتون، وجلست تحتها
وهي ترتجف
..

قلت:

-
اذهب انت، وسأنتظرك هنا..

فأسرعت إلى الخليج، وكان الصراخ والنحيب وولولة النادبات يزداد وضوحا
كلما قدمت، ورأيت ميميكو يمضي مسرعا بالقرب مني فسألته
:

-
ماذا حدث يا ميميكو؟

فصاح دون ان يتوقف:

-
لقد اغرق نفسه.

-
من؟

-
بافيل، ابن مافراندوني.

-
لماذا؟

-
الارملة..

ولم يزد.. ولكن الكلمة دوت
في الفضاء واومأت ضمنا إلى جسد الارملة وخطورة
فتنته
.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:21 pm

ووصلت الى الخليج، ووجدت هناك جميع أهل القرية. الرجال
حاسروا الرؤوس صامتون، والنساء يمزقن شعورهن ويولولن،
بينما وقف مافراندوني الشيخ بلا حراك
امام جثة منتفخة مسجاة فوق رمال
الشاطئ.

كان
الشيخ يستند على عصاه باحدى يديه، ويمسك بيده الاخرى لحيته
البيضاء.

وصاح
فجأة صوت ثاقب
:

-
لعنة
الله عليك ايتها الأرملة.. وسوف تدفعين
ثمن هذا.

ووثبت
امرأة وقفت بين الرجال وصاحت
:

-
أليس
في القرية رجل يلقيها
ارضا ويذبحها ذبح الشاة؟ تبا لكم من جبناء!!

وبصقت
على الرجال، الذين راحوا
ينظرون اليها ولا ينطقون.

وأخيرا
اجابها كوندومانوليو صاحب المقهى بقوله
:

-
لا
تحقرينا يا كاترينا.. لا تحقرينا ايتها المعتوهة فلا يزال في القرية رجال وسوف
ترين.

ولما
أتمالك نفسي فصحت قائلا
:

-
عار
عليكم جميعا.. ماذا فعلت تلك
المرأة لتسأل عما حدث؟ وما حدث كان مقدرا.. أفلا تخشون
الله؟


ولكن
احدا لم
يجب.

وانحنى
مانولاكاس، ابن عم الغريق، وحمل الجثة بين ساعديه، وسار في الطريق
إلى القرية، وتبعته النساء وهن
يصرخن ويخدشن وجوههن ويمزقن شعرهن، بينما تقدم
مافراندوني الموكب في صمت.

واخيرا
اختفى الموكب في الغسقن وساد الصمت والسكون
.. فنظرت حولي ووجدتني وحيدا..

وفكرت
ولم أتمالك من الاعجاب باولئك الذين جرفتهم
دوامة الالام البشرية من أهل
القرية.. هورتنس وزوربا والارملة وبافلي الذي ألقى
بنفسه في البحر بشجاعة ليغرق احزانه،
وكاترينا التي حضت رجال القرية على ذبح
الارملة كما يذبح الشاة، ومافر
اندوني الذي رفض باباء ان يبكي، او حتى ان يتحدث
امام الآخرين.

انا
الوحيد الذي لم أغضب ولم يغل الدم في عروقي.. بل ولم أحب قط
بقوة ولم أكره بقوة.. انا الوحيد
الذي اردت تصفية الأمر بسلام وبطريقة تنطوي على
الجبن، فالقيت التبعة كلها على القدر.

وحانت
مني التفاتة، فرأيت اناجنوستي لا
يزال هناك جالسا على صخرة بجوار الشاطئ، ولم أكن قد فطنت
اليه بعد رحيل
الموكب.

كان
يسند ذقنه على عصاه، وينظر إلى البحر، فناديته ولم يسمعني فذهبت
إليه، ورآني، وهز رأيه وغمغم
قائلا
:

-
وا
أسفاه على الحياة الفتية التي اهدرت
.. مسكين ذلك الشاب، لم يحتمل احزانه
فألقى بنفسه في البحر وغرق.. وهكذا نجا
.

-
نجا؟
ماذا تعني؟


-
نعم يا
بني.. انه نجا.. ماذا كان بوسعه ان يفعل بحياته لو انه
تزوج الارملة، لحدثت خلافات ومعارك،
وربما حدث عدوان على العرض، وتلويث للشرف، ان
الارملة امرأة مثيرة وفاجرة لا تكاد
ترى رجلا حتى تشتهيه
.

واذا
لم يتزوجها قضى
حياته حزينا معذبا.. فموقفه كما ترى كان كموقف رجل يقف بين
هوتين احداهما امامه،
والثانية وراءه.

-
لا
تتكلم هكذا ايها العم اناجنوستي، انك توقع اليأس في قلب من
يسمعك.

-
لا
تجزع يا ولدي، فليس هناك من يسمعني سواك، وحتى لو سمعوني، هل تظنهم
يصدقونني؟.. اصغ الي.. هل في
هذه القرية من هو أسعد مني؟ انني أملك حقلا كبيرا
وعددا ضخما من اشجار الزيتون والعنب،
واملك بيتا ذا طابقين ولي زوجة كريمة وديعة لم
ترفع عينيها في وجهي قط، وقد رزقت
منها بابناء عديدين، اصبحوا بدورهم آباء كراما
.. وليس هناك ما أشكو منه، فماذا أريد
أكثر من ذلك! ومع هذا فانني لو بدات حياتي من
جديد فلن اتردد في وضع حجر حول عنقي
والقاء نفسي في البحر كما فعل بافلي.. ان
الحياة شاقة يا ولدي.. لعنة الله
عليها
.

-
ولكن
ماذا ينقصك ايها العم اناجنوستي؟
ومم تشكو؟

-
لا
ينقصني شيء.. ولكن اذهب، وسل قلوب الرجال وصمت لحظة، ونظر الى
البحر المظلم وصاح:

-
انك
أحسنت صنعا يا بافلي.. دع النساء يصرخن ويولولن... فهن
نساء بلا عقل.. لقد نجوت الان يا
بافلي وابوك يعلم ذلك. ولهذا لم ينطق
بكلمة.

ونظر
إلى السماء، ثم إلى الجبل الذي لفه الظلام وقال
:

-
لقد
هبط الليل
ويحسن بي ان اعود.

وصمت
فجأة، وبدا عليه كانه ندم على ما قال وانه قد افشى سرا
عظيما ويريد الآن ان يتراجع.. فالقى
بيده على كتفي وقال
:

-
انك لا
تزال شابا فلا
تقم وزنا لما يقوله العجوز، ولو عمل الناس بكلام العجائز
لخربت الدنيا
.

اذا قابلتك ارملة في الطريق فلا
تتركها.. تزوج، وانجب اطفالا. ولا تتردد.. انما خلقت
المتاعب للشباب.

ووصلت
الى الكوخ واوقدت نارا واعددت قدحا من الشاي. كنت متعبا
وجائعا، فأكلت بنهم، وارضيت غرائزي
الحيوانية
.

وفجاة
، رأيت ميميكو يطل برأسه من
النافذة ويبتسم لي في مكر.

سألته:

-
ماذا
جاء بك يا ميمكو؟


-
لقد
أحضرت لك
شيئا من الارملة.. سلة مليئة بالبرتقال، قالت انها اخر ما تبقى من
الثمار في
حديقتها.

فهتفت
وانا مبهوت
:

-
تقول
من الارملة؟ ولماذا بعثت بها الي؟


-
من اجل الكلمة الطيبة التي
ذكرتها عنها للقرويين مساء اليوم.. هكذا قالت
.

-
أيه كلمة طيبة؟

-
وكيف
أعلم؟ انني انقل اليك عباراتها.. ولا شيء غير ذلك
.

وافرغ السلة في الفراش وامتلأت
الغرفة برائحة البرتقال
.

-
قل لها
انني اشكرها من اجل
هذه الهدية، وانني انصح لها بان تكون على حذر، وألا تذهب
الى القرية مهما كانت
الظروف.. هل سمعت؟ يجب عليها ان تلزم بيتها بعض الوقت ريثما
تهدأ النفوس وينسى
الناس هذا الحادث المؤلم.. هل فهمتني يا ميميكو؟

-
هل هذا
كل ما تريد؟


-
نعم..
وفي استطاعتك ان تذهب الان
.

فغمز
ميميكو بعينه وسأل مرة أخرى
:

-
هل هذا كل ما تريد؟

-
اذهب
عني
.

فانصرف
وتناولت برتقالة وأزلت قرتها.. كانت حلوة
كالعسل.

وتمددت
في فراشي واستغرقت في النوم، ورأيت فيما يرى النائم انني اتجول
في حديقة برتقال، وانني فلاح
في العشرين من عمري.. وانني امشي بين أشجار البرتقال
واصفر بفمي وانتظر.. فمن كنت انتظر؟
لا أعلم
.

ولكن
قلبي كان يفيض
بالفرح..

ففتلت
شاربي،
وقضيت الليل كله انصت إلى البحر وهو يتنهد كما تتنهد امرأة وراء حديقة البرتقال.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:22 pm

الفصل الرابع عشر




عدت في مساء أحد الأيام من جولة في الجبل وما كدت
أدنو من الكوخ حتى رأيت النور
ينبعث من نافذته ، فأدركت على الفور، والسعادة تملأ جوانحي.. ان زوربا قد
عاد
أخيرا.

وهممت بأن أعدو إلى الكوخ ولكني أمسكت وقلت لنفسي:
يجب أن أخفي سروري،
وأتظاهر بالضيق، وأتحدث إليه في شده وقسوة، فقد أرسلته في مهمة عاجلة فبدد
نقودي،
وعاش مع احدى الساقطات، وها هو يعود بعد اثني عشر يوما.. يجب أن أتظاهر
بالغضب
.. يجب.

وحاولت جاهدا أن أغضب ، وقطبت حاجبي... وأطبقت
يدي، وحاولت أن افعل كل ما
يفعله الرجل الغاضب، ولكني لم أوفق.. وكلما دنوت من الكوخ، تضاعف شعوري بالسعادة.

وتسللت بالقرب من النافذة، وأطللت منها فرأيت
زوربا جاثيا على ركبتيه
أمام الموقد، وهو يعد القهوة:

وذاب قلبي بين ضلوعي وصحت:

-
زوربا.

وبأسرع
من لمح البصر، كان زوربا واقفا حافي القدمين أمام
الكوخ وعيناه تفتشان في الظلام،
وما ان تبين وجهي حتى بسط ساعديه ليعانقني، ولكنه عاد فارخاهما وقال في
تردد
:

-
يسرني أن أراك.

فحاولت أن أرفع صوتي في غضب وقلت له ساخرا:

-
يسرني أن أرى
أنك تفضلت بالعودة.. لا تدن مني ان رائحة الصابون
المعطر تفوح منك
.

-
آه، ليتك
تعلم كيف حككت جسدي بالرمل، لكي أتخلص من هذه
الرائحة اللعينة.. ولكنها ستزول مع
الوقت عاجلا او آجلا.. وهذه ليست أولى تجاربي مع الصابون المعطر.

فقلت له وأنا
أقهقه ضاحكا:

-
هلم بنا ندخل.

ودخلنا الكوخ. وكانت تنبعث منه روائح العطر والمساحيق والنساء،
فهتفت وأنا أشير إلى صندوق مليء بحقائب السيدات والجوارب وقطع
الصابون وزجاجات العطر:

-
ما كل هذا بحق السماء!!

-
هدايا..

-
هدايا؟

-
نعم، هدايا لبوبولينا، فأرجو ألا تغضب.. ان عيد
الفصح يقترب .. وبوبولينا امرأة كما
تعلم..

فقلت محاولا كتمان الضحك:

-
ولكنك لم تحضر لها أهم شيء..

-
ماذا؟

-
ماذا.. ماذا تعني؟ أنا لا أفهمك..

وهنا قصصت عليه كيف خدعت الغانية المدلهة، فحك زوربا
رأسه بشدة وقال
:

-
ما كان يجب أن تفعل ذلك يا سيدي.. انت تعلم ان هذا النوع من
الدعابة.. ان النساء ضعيفات ورقيقات كما قلت لك مرارا.. انهن

أشبه بأواني الخزف.. ويجب أن يعاملن بعناية ورفق..

فشعرت بالخجل.. وكنت قد أسفت
على ما فعلت ولكن بعد فوات الاوان.

قلت لاغير مجرى الحديث:

-
والسلك الهوائي؟
والادوات؟

-
لقد أحضرت كل شيء فلا تنزعج.

قال ذلك وملأ قدحي بالقهوة وقدم لي بعض قطع الحلوى مما
أحضره معه
.:

وقال:

-
لا تظن أنني نسيتك، فقد جئتك بصندوق كبير مليء بالحلوى..
انني لم أنس أحدا، حتى الببغاء احضرت لها حقيبة مليئة بالفول

السوداني.

وكان يحتسي القهوة ويدخن ويرقبني بعينين كعيني الثعبان.

سألته:

-
هل حللت المشكلة التي حيرتك ايها الوغد العجوز.

-
أية مشكلة يا سيدي؟

-
مشكلة ما اذا كانت المرأة مخلوقا آدميا أم لا.

فأجاب وهو
يلوح بيده:

-
آه .. طبعا.. ان المرأة مخلوق آدمي مثلنا.. ما في
ذلك شك.. كل ما
هنالك انها أسوأ منا.. انها ترى نقودك فتفقد صوابها.. وتنزل لم عن حريتها
ولكن ما
ان تفرغ نقودك .. ان الباقي معروف ولا ضرورة للتكرار.

ثم نهض واقفا والقى
بسيجارة من نافذة الكوخ وقال:

-
دعنا نتحدث حديثا جادا.. لقد أحضرنا السلك والادوات.. وآن لنا أن
نتعاقد مع الدير بشأن الغابة.. انما يجب أن يتم التعاقد قبل

اقامة السلك الهوائي حتى لا يغالوا في مطالبهم..
هل فهمتني؟ يجب أن نبدأ العمل،
فالوقت يمر بسرعة، وبحسبنا ما أضعنا من مال في رحلة (كانديا) ان الشيطان.

وصمت،
وشعرت بالاسف له..

كان أشبه بطفل ارتكب حماقة ولم يعرف كيف يعالج
الموقف فراح
يرتجف.

وقلت لنفسي: عار عليك ان تدع رجلا كهذا يرتجف
خوفا.. انك لن تجد ما حييت
زوربا آخر.

صحت به:

-
دعنا من الشيطان يا زوربا فلا شأن لنا به.. ان ما
كان
قد كان، فانس ما حدث.. وتناول السانتوري.

فوثب نحو الجدار ليتناول الالة الموسيقية، ولكنه ما
كاد يضع يده عليها ، حتى سمعت وقع خطى ثقيلة في الخارج، فجمد

زوربا في مكانه، ورفع حاجبيه متسائلا ثم قال بصوت
خافت
:

-
يا للشيطان.. لقد
اشتمت الكلبة العجوز رائحة زوربا في الهواء فجاءت
تطلبه
.

فقلت وأنا أنهض
واقفا:

-
لا أريد ان يكون لي شأن بهذا الموضوع.. سأقضي بعض
الوقت على الشاطئ حتى
تحسم الامر معها، ولا تنس انك وعدتها بالزواج، حذار ان تكذبني يا زوربا.

فتنهد
وقال:

-
ألا تكفي الزيجات السابقة حتى اتزوج مرة أخرى؟

واقتربت رائحة الصابون
المعطر فقلت:

-
تشجع يا زوربا.

وتسللت إلى
الخارج.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:23 pm

الفصل الخامس عشر











كان أول انسان
رأيناه عند عودتنا من الدير هو بوبولينا.

وكان زوربا قد استيقظ مبكرا في الصباح فأصدر تعليماته إلى
عمال المنجم، ثم احضر بغلين امتطيناهما، وصعدنا إلى الجبل حيث
اجتمعنا برهبان التل،
ونجح زوربا في اقناعهم بمنحنا حق استغلال الغابة باجر أقل

كثيرا مما سبق الاتفاق عليه.

قال لي زوربا ونحن في طريق العودة:

-
اظن انني
قد عوضتك بهذا الاتفاق عما بذوت من اموالك في
(كانديا
).

فاجبته:

-
ألم نتفق
على نسيان هذا الموضوع.

قال:

-
لقد اتاحت لي هذه الرحلة إلى قمة الجبل تقدير الانحدار الصحيح للخط الهوائي
وسوف ندعو الرهبان لاقامة ديني عظيم لمناسبة اقامة

اول عمود للسقالات التي تتحرك عليها كل الخشب من
القمة إلى شاطئ الخليج
.

فعندما
عدنا من رحلتنا الموفقة، رأينا مدام هورتنس جالسة
فوق صخرة أمام الكوخ ولكني ما كدت
أضيء المصباح الزيتي وانظر إليها حتى هالني امتقاع وجهها فلم اتمالك من ان
اهتف
:

-
ماذا بك يا مدام هورتنس؟ هل أنت مريضة؟

ويبدو ان فكرة الزواج قد غيرت مجرى حياتها، فقررت أن تنسى
الماضي، وان تقلع عن زينتها الصارخة التي الفتها منذ عهد

الباكوات والباشوات، وهكذا ظهرت على حقيقتها،
مخلوقة مسكينة لا أمنية لها الا
الزاوج والاستقرار.

ولم ينطق زوربا بكلمة، وراح يتشاغل باشعال النار
واعداد
القهوة فصاحت المرأة فجأة بصوت أجش:

-
أنت رجل قاسي القلب يا زوربا.

فرفع
زوربا رأسه ونظر إليها ، وأخذته الشفقة بها.

كانت دمعة واحدة من عين امرأة كافية لن تغرقه.

قالت المرأة:

-
لماذا كل هذا التسويف والمماطلة؟ لماذا لا تقطع برأي في أمر الزواج..
انني لم أعد أجسر على الظهور في القرية.. هذه فضيحة لي وسأقتل
نفسي.

وكنت أشهد المأساة المضحكة ولا أجد ما أقوله.

واستطردت المرأة
قائلة:

-
لماذا لم تحضر زهور البرتقال؟

وأحس زوربا بيدها ترتجف فوق ركبته، ولكنه لزم الصمت، وراح
يحرك السكر في اناء القهوة
.

وقالت المرأة مرة أخرى بصوت
يتهدج:

-
لماذا لم تحضر زهور البرتقال؟

فأجاب باقتضاب:

-
لأنني لم أجد
منها شيئا مناسبا في كانديا.

ثم استطرد بعد قليل:

-
لقد طلبتها من أثينا،
وكذلك طلبت الشموع والحلوى.

ثم لمعت عيناه وحلق في سماء الخيال.. قال:

-
ان زواجنا سوق يثير ضجة، صبراً حتى ترى ثوب الزفاف الذي أمرت باعداده لك، طالت
اقامتي
في كانديا لهذا السبب أيتها الحبيبة، ذلك لأنني استدعيت اثنين من كبار
مصممي
الأزياء في أثينا وقلت لهما: ان المرأة التي سأتزوجها لا مثيل لها في الشرق
أو
الغرب، لقد كانت الملكة غي رالمتوجة في أربع دول كبرى، وقد ماتت هذه الدول
وهي الان
ارملة، وستصبح زوجة لي، وأنا أريد أن يعد لها ثوب زفاف لا مثيل له.. ثوب
موشى
بالذهب واللالئ..

فقالا: ولكن مثل هذا الثوب سوف يبهر ابصار
المدعوين فلا يرون
جمال العروس.

فقلت لهما: وما أهمية ذلك طالما العروس راضية؟

فارتسمت على شفتي
المرأة ابتسامة عريضة وقالت له:

-
أريد أن أهمس في اذنك بكلمة..

فغمزني زوربا
باحدى عينيه، وأحنى رأسه نحوها فهمست في أذنه
قائلة
:

-
لقد أحضرت لك
شيئاً.

وأخرجت من صدرها منديلا قد عقد أحد أطرافه وقدمته
له
.

وتناول زوربا
المنديل، ووضعه على ركبته ثم أشاح بوجهه وأرسل
بصره إلى البحر
.

قالت
المرأة:

-
ألا تحل العقدة يا زوربا؟

-
دعيني أحتس قهوتي وأدخن سيجارتي أولاً.. ولا ضرورة لأن
أحل العقدة الآن، فأنا أعرف ما فيها
.

-
أرجوك أن
تحلها.

-
يجب أن أدخن سيجارتي أولاً كما قلت لك.

فنظر إلي عاتباً كمن يريد أن
يقول: انظر ماذا صنعت بي!!

وراح يدخن في هدوء ويخرج الدخان من أنفه.. وينظر
إلى
البحر.

قال بعد لحظة:

-
سنشهد عاصفة غداً، لقد تغير الجو، سوف تتفتح أكمام الزهر وتنمو صدور
الفتيات.. ذلك هو الربيع
.

فقالت له المرأة متوسلة:

-
زوربا.. زوربا.

فقذف بسيجارته في غيظ، وحل عقدة المنديل ونظر إلى
ما كان فيها ثم
سأل في اشمئزاز :

-
ما هذا يا مدام بوبولينا؟

فقالت المرأة وهي ترتجف:

-
خاتمان أيها الحبيب.. وها هو الشاهد، بارك الله
فيه، والجو رائع، والله يرقبنا
.. فدعنا نعقد خطوبتنا.

فراح زوربا ينقل البصر بينها وبيني، وبين
الخاتمين. وخيل
إلي أن الشياطين تعترك في أعماقه.

ترى أي قرار سيتخذ؟

ونظرت إليه المرأة في
ذعر.. ولكنه هز رأسه فجأة ونهض واقفاً وهو يقول:

-
هلمي بنا إلى الخارج.. لتشهد
النجوم خطوبتنا.

وفي الطريق إلى الخارج، اقترب مني وهمس في أذني
قائلاً
:

-
بحق السماء.. لا تتركنا وحدنا.







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:24 pm




الفصل السادس عشر







ارتدى زوربا ثيابه
وخرج إلى الشاطئ ليرقب مقدم مدام هورتنس.

كنا قد أعددنا لها – على سبيل الجد والفكاهة- مأدبة عشاء
في الهواء الطلق لمناسبة عيد الفصح، وأقمنا من غصون الاشجار

قوس نصر لتمر تحته، وزينا القوس بأعلام الدول
الاربع الكبرى، انجلترا وفرنسا
وايطاليا وروسيا.

ولما لم يكن لدينا مدافع كمدافع البوارج، فقد
استعرنا بندقتين
من بعض القرويين، واتفقنا على أن نستقبلها، عند قدومها – بوابل من الطلقات
وكان
الهدف من هذا كله – أن نجعلها تعيش على هذا الشاطئ الموحش المهجور لمحة من
مجدها
القديم.

أما الطعام ، فكان يتألف من حلم مشوي، وعدد لا
يحصى من البيض
الملون.

قال زوربا متبرماً:

-
لماذا تأخرت هذه البقرة
العجوز.

فأجبته:

-
انها ستأتي حتما.. دعنا ندخن لفافة تبغ ريثما تحضر.

فقال وهو يلقي على الطريق إلى القرية نظرة أخيرة:

-
أرى صبياً قادما
نحونا.

قال ذلك وخف لمقابلة الصبي في منتصف الطريق، ونهض
الصبي على أصابع قدميه
وهمس في أذنه كلاماً فصاح زوربا في غضب:

-
مريضة!! تقول أنها مريضة؟ اذن فاغرب عن وجهي قبل أن أضربك.

والتفت إلي وقال:

-
سأذهب إلى القرية لأرى ماذا أصاب البقرة العجوز. لن
أغيب أكثر من بضع دقائق.. أعطني بيضتين لأقدمهما إليها
.

ووضع
البيضتين في جيبه.. وانطلق في الطريق إلى القرية.

وكان النسيم عليلاً، والبحر
مضطربا.. فاستلقيت على الرمال انتظاراً لعودة
زوربا
..

وبعد ساعة، رأيته مقبلاً
وهو يفتل شاربيه، وعلى وجهه دلائل الرضى.

قال:

-
لقد أصيبت المسكينة ببرد قد
يلزمها الفراش بضعة أيام، قالت انها كانت تتردد
على الكنيسة طيلة الاسبوع الأخير
لتصلي من أجلي، ويبدو انها أصيبت بالبرد خلال ذلك، بيد أنني دلكت جسدها
جيدا
بالكيروسين وجرعتها كأساً من الروم.

وجلسنا لتناول الطعام، ورفع زوربا قدحه قائلاً:

لنشرب نخب صحتها.. ولنسأل الشيطان الا يقبض روحها
قبل فترة طويلة
أخرى.

وأكلنا وشربنا في صمت، وحمل إلينا النسيم صوت قرع
الطبول فصاح زوربا
:

-
انهم يرقصون في القرية فهلم بنا نرقص معهم..

-
ليست لي رغبة في الرقص.. اذهب انت وارقص نيابة عني.

-
ليت لي شبابك يا صديقي.. اذن لالقيت بنفسي رأسا
على عقب في
كل شيء.. في الخمر والعمل والحب.

وتناول عصاه وقبعته ونظر إلي مشفقاً وتحركت شفتاه كما لو كان يريد
أن يضيف شيئا إلى ما قاله، ولكنه لم يتكلم، وسار مرفوع الرأس

في الطريق إلى القرية.

وشيعته ببصري حتى توارى، وما كدت أجد نفسي وحيداً
حتى
نهضت واقفاً.

لماذا؟

ولكي أذهب إلى أين؟

لا أعلم..


ان عقلي لم يتخذ
قراراً ، وقد تحرك جسدي تلقائيا، دون أن يستطلع
رأيي
.

وسرت في الطريق إلى القرية
بخطى سريعة حازمة.. وتوقفت مرة أو مرتين لاملأ
رئتي من نسيم الربيع. ومررت بموجة من

عبير زهور الليمون والبرتقال ثم وجدتني اتوقف
فجأة.. كما لو كنت قد بلغت المكان
الذي أقصده.

ونظرت حولي، فاذا أنا واقف أمام حديقة الارملة.

وخيل إلي أنني
أسمع صوتاً نسائيا خافتاً يترنم، فنظرت من فوق سور
الحديقة، ورأيت تحت احدى أشجار
البرتقال امرأة ذات صدر كبير بارز تقطع الاغصان وتغني بصوت خافت.

واستطعت أن أرى
في الغسق استدارة نهديها العاريين المطلين من
ثوبها الاسود
.

قلت لنفسي،


-
انها حيوان مفترس، وهي تعلم ذلك جيدا.. ولا ترى في
الرجال الا مخلوقات تافهة مغرورة
لا حول لها ولا قوة.

ترى هل أحست الارملة بنظراتي؟

ذلك انها كفت فجأة عن
الغناء وأجالت البصر حولها.

والتقت عيوننا، وشعرت بانهيار، كما لو كنت قد رأيت نمرة مفترسة بين
الاشجار
.

وأرخت المرأة منديلها على صدرها، وأكفهر وجهها
وصاحب
بصوت مختنق:

-
من هنا؟

وكدت ألوذ بالفرار.. ولكني تذكرت كل ما قاله لي
زوربا
وكل ما عيرني به وأجبت:

-
أنا دعيني أدخل.

وما كدت أنطق بهذه الكلمات حتى تملكني الذهر وهممت
مرة أخرى بالفرار.. ولكني تماسكت رغم شعوري بالحرج والخجل
.

-
من تكون؟

وخطت خطوة إلى الامام في حذر، وحملقت في الظلام،
ثم خطت خطوة
ثانية.

وفجأة أشرق وجهها، وبللت شفتيها بلسانها وقالت
بصوت رقيق
:

-
صاحب
المنجم!

وتقدمت في حذر تقدم المتحفز للوثوب وسألت مرة أخرى:

-
انت صاحب
المنجم؟

-
نعم.

-
تعال.

كان الوقت فجراً، وقد جلس زوربا على الشاطئ أمام الكوخ وراح يدخن وينظر
إلى البحر
.

كان ينتظرني، وما أن رآني حتى صعدني بعينيه وأخذ نفساً طويلا من
أنفه وانبسطت أسارير وجهه
.

لقد شم رائحة الارملة.

ونهض
واقفا ببطء، وبسط ساعديه ومني إلى صدره وهو يقول:

-
دعني أباركك.

وأويت إلى
فراشي وأمضت عيني، وسمعت حركة الامواج المنتظمة في
الخارج.. وخيل لي أنني أعلو
وأهبط معها.. إلى أن غلبني النعاس فنمت نوماً عميقاً هادئاً.

واستيقظت حول الظهر
وأنا أشعر بالراحة والرضى، كالحيوان حين يتمدد في
الشمس بعد أن يكون قد طارد فريسته
والتهمها.

وأخذت أستعرض أحداث الليلة الماضية، وأحاول أن
اعيشها في الخيال مرة
ثانية، حين أحسست بجسم يحجب الشمس عني، ففتحت عيني، ورأيت زوربا واقفا بالباب
ينظر
إلي ويبتسم.

قال في رفق، وبحنان الام على ولدها:

-
لا تنهض.. فاليوم يوم عطلة
وفي استطاعتك أن تنام كما تشتهي.

فاعتدلت جالساً في الفراش وأجبت:

-
لقد نمت
بما فيه الكفاية.

-
حسناً، سأعد لك لبضة ترد عليك بعض القوة.

فلم أجب وأسرعت
إلى البحر، والقيت بنفسي بين أمواجه، ثم جلست على
الشاطئ لأجف تحت الشمس
.

كان عطر زهر البرتقال الذي تضمخ به نساء كريت شعرهن لا يزال عالقاً بأناملي.

وكانت
الارملة قد جمعت كمية من هذا الزهر لتحمله إلى
الكنيسة في مساء اليوم عندما يكون
القرويون في شغل بالرقص في الميدان..

ولحق بي زوربا على الشاطئ وحمل إلي البيضة وبعض الخبز والبرتقال.

كان يشعر بالسعادة وهو يرعاني بحدب الأم على
وحيدها
العائد من الحرب.

قال وهو ينظر إلي بحنان.

-
سأذهب الآن لاقامة بعض أبراج
السلك الهوائي.

فتناولت طعامي تحت الشمس وشعرت بسعادة لا عهد لي
بمثلها، ثم عدت
إلى الكوخ، حيث حزمت كتابي عن (بوذا)، وكنت قد فرغت من كتابته.

وفجأة، دخلت
الكوخ فتاة صغيرة عارية القدمين ترتدي ثوبا أصفر
وتحمل في يدها بيضة حمراء. ونظرت
إلي الفتاة في هلع، ولكني ابتسمت لها مشجعا وسألتها:

-
هل تريدين
شيئاً؟

فأجابت وهي تلهث:

-
لقد أرسلتني السيدة لأطلب اليك أن تذهب إليها هل أنت الشخص الذي يسمونه
زوربا؟


-
حسنا، سأذهب إليها.

ووضعت في يدها بيضة
أخرى.. فأخذتها وانطلقت تعدو. وخرجت على الأثر،
وقصدت إلى القرية.. وكانت الضوضاء
والصخب يزدادان وضوحاً كلما اقتربت، فاختلطت نغمات القيثارة بقرع الطبول
ودوي
الرصاص وصيحات المرح، ولما وصلت إلى الميدان رأيت فتيان القرية وفتياتها قد
اجتمعوا
تحت اشجار الحور وأخذوا يرقصون الرقصات الشعبية، بينما جلس الشيوخ على
المقاعد
الخشبية المحيطة بالاشجار، واسندوا ذقونهم إلى مقابض عصيهم. ووقفت عجائز
النساء
ورائهم وراح الجميع يرقبون الراقصين والراقصات.

ووقف فانوريو، عازف القيثارة
البارع، وسط حلقة الرقص، وخلف أذنه وردة حمراء،
وراح يحرك المرقص ويشجي الراقصين
بما يرسل من نغمات قيثارته.

وعندما مررت بحلقة الرقص، تحول إلي بعض الشباب وهتفوا:

-
ألا تشترك معنا في الرقص.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:24 pm

ولكني ابتسمت لهم، ومضيت في طريقي
إلى
بيت مدام هورتنس، ووجدت المرأة ممدة في فراشها الكبير، وهو آخر
قطعة من الاثاث
الثمين استطاعت الاحتفاظ بها على مر السنين.. وكانت تسعل
بشدة ، وقد احمرت وجنتاها
من تأثير الحمى.

وما أن
وقع بصرها علي، حتى جعلت تئن وتتوجع
.

وقالت:

-
زوربا!
أين زوربا
:

انه أصيب
بوعكة منذ رآك طريحة الفراش.. ان صورتك أمام عينيه
دائما.. وهو ينظر إليها ولا يكف عن
التأوه
.

فأغمضت
الغانية المسكينة عينيها في
سعادة وغمغمت قائلة.

-
زدني
حديثا عنه
.

-
لقد
أرسلني إليك لأسألك عما اذا كنت
بحاجة إلى شيء..

ولكي
أقول لك أنه سيأتي لزيارتك هذا المساء رغم توعكه.. ويبدو
أنه لم يعد يطيق فراقك.

-
تكلم..
تكلم.. أرجوك
.

-
وقد
تسلم برقية من أثينا
تقول أن ثوب الزفاف قد تم اعداده، وكثير من زهور البرتقال.
وقد أرسلت جميعا بطريق
البحر، وستصل قريبا.. ومعها الشموع البيضاء الكبيرة
والشرائط الحريرية
الحمراء..

-
تكلم..
امض في حديثك
..

وقهرتها
الحمى، فاضطربت أنفاسها، وراحت
تهذي..

وكانت
رائحة النشادر والعرق وماء الكولونيا تنبعث من الغرفة مختلطة
برائحة مخلفات الدجاج والارانب في
فناء الفندق، فنهضت وتسللت الى الخارج.. والتقيت
عند خروجي بميميكو، وكان يرتدي قميصا
جديدا وحذاء ويضع خلف أذنه فقلت له
:

-
ميميكو
.. أسرع إلى قرية كالو واستدع طبيباً
.

وقبل
أن أكمل عبارتي، كان الفتى قد
خلع حذاءه ووضعه تحت ابطه حتى لا يتلف في الطريق.

قلت له:

-
ابحث
عن الطبيب
وأبلغه تحيتي وقل له ان يمتطي فرسه ويحضر فورا.. قل له ان السيدة
مريضة بالحمى وان
حياتها في خطر لا تنس أن تقول له ذلك والآن، اذهب..

-
فورا..

وبصق
في كفيه،،
وصفق بهما، ولكنه لم يتحرك من مكانه فصحت به

-
اذهب..

ولكنه
لزم مكانه، وغمز
بعينه وقال وعلى شفتيه ابتسامة ماكرة:

-
سيدي
.. لقد أهداك بعضهم زجاجة من عطر
البرتقال فحملتها إلى كوخك.

فتريث
لحظة منتظراً أن أسأله عمن أرسل الهدية ولكني
لم أفعل، فقال:

-
ألا
تريد أن تعرف من أرسلها؟ قالت السيدة انها أرسلتها اليك
لتجعل رائحة شعرك طيبة.

-
اذهب..
واسرع.. واقفل فمك
.

فضحك
وبصق في يده مرة
أخرى، وأطلق ساقيه للريح.









الفصل السابع عشر





عندما رحلت إلى ميدان القرية، كانت رقصة عيد الفصح
التقليدية تحت أشجار البلوط في عنفوانها، ويتزعمها شاب وسيم

طويل القامة أسمر البشرة لم تصل الموسى قط إلى
الشعر الذي نبت في وجهه
..

لم يكن
يرق وانما كان يطير في الهواء ويرنو بنظراته من
حالق إلى بعض الفتيات وتتألق عيناه
السوداوان في وجه لوحته الشمس.

وكنت قد كلفت احدى نساء القرية برعاية مدام هورتنس والعناية بها،
وجئت خصيصا لشهود رقصات كريت التقليدية
..

فجلست على المقعد
الخشبي بجوار العم أناجنوستي وسألته:

-
من هذا الشاب الذي يتزعم الرقص؟

فقال
الرجل باعجاب:

-
انه كالملاك.. اسمه سيفاكاس وهو راعي غنم يقضي
العام كله في
الجبل ولا ياتي إلا في عيد الفصح ليرى الناس ويرقص.

وتنهد واستطرد قائلا:

-
لو كان لي شبابه لفتحت القسطنيطينية بحد السيف.

وصاح الشاب وهو يدور حول نفسه كالدوامة ويحلق في
الهواء كالطير
:

-
اعزف يا فانوريو.. اعزف حتى يموت ملاك الموت نفسه..

منذ آلاف السنين، والفتيان والفتيات يرقصون في
الربيع تحت اشجار الحور
والبلوط والسنديان.. وسوف يرقصون عدة آلاف أخرى من السنين، بوجوه تعبر عن
الرغبة
المكبوتة..

وتتغير الوجوه، وتنهار، وتعود إلى الأرض، ولكن
وجوهاً أخرى تظهر وتحل
محلها..

راقص واحد فقط لا يترك الحلبة.

ان له ألف وجه.. وألف قناع.. وهو دائماً في العشرين من
عمره.. خالد لا يموت أبداً
.

ورفع الشاب الاسمر يده إلى
وجهه ليفتل شاربه.. ولكن لم يجد له شارب.

صاح مرة أخرى:

-
اعزف يا فانوريو
..
اعزف..

ولعبت أصابع فانوريو على الاوتار واستجابت
القيثارة للمساته، ووثب الشاب
وثبة قوية، وصفق بقدميه ثلاث مرات في الهواء.. فصاح الفتيان:

-
برافو
سيفاكاس.

وأسلبت الفتيات أهدابهن في حياء ولكن الشاب لم
ينظر إلى واحدة منهن
.. كان يرقص وعيناه تنظران إلى الأرض..

وتوقف الرقص فجأة، عندما اندفع اندروليو إلى الميدان وهو يصيح:

-
الارملة .. الارملة
..

وكان مانولاكاس، شرطي القرية، وابن عم الشاب الذي
انتحر، أول من خرج من الحلبة ليسرع إلى اندروليو
.

وامسك
الراقصون عن الرقص، وصعد الدم إلى الروس، وترك
الشيوخ مقاعدهم ، ووضع فانوريو
قيثارته في حجرة.. وصاحت أصوات يتميز أصحابها غيظاً وغضباً:

-
أين هي يا
اندروليو.. أين هي؟

-
في الكنيسة.. لقد دخلت إليها في التو واللحظة.
وكانت تحمل
حزمة من زهر الليمون والبرتقال.

فصاح مانولاكاس:

-
هلموا بنا..

وتقدم
الصفوف، واندفع الجميع نحو الكنيسة كالسيل الجارف.

وفي هذه اللحظة. ظهرت الارملة على عتبة الكنيسة وعلى
رأسها منديل أسود، ورسمت علامة الصليب على صدرها
..

وعلى
الأثر؛ ارتفعت أصوات تصيح:

-
التعسة الفاجرة.. القاتلة. كيف وجدت الجرأة على الحضور.. عليكم بها..
لقد جلبت العار على القرية
.

وتبع بعضهم مانولاكاس.. الذي
كان يتقدم الجميع نحو الكنيسة، بينما قذفها آخرون
بالحجارة من النوافذ
والاسطح..

وأصاب حجر كتفها فصرخت ، وغطت وجهها بيديها،
مانولاكاس قد استل
سكينه.

وتراجعت الارملة إلى الوراء وهي تصرخ في هلع –
وانحنت إلى الأمام لتحمي
وجهها، ثم دارت على عقبيها وأسرعت إلى الكنيسة لتحتمي بها ولكن مافراندوني
الشيخ
كان واقفاً كالطود على عتبة الكنيسة وقد بسط يديه يميناً ويساراً ليسد
الباب في
وجهها.

ووثبت الارملة إلى اليسار، وتعلقت بشجرة السرو
الضخمة، القائمة أمام
الكنيسة..

ومرق حجر في الهواء وأصاب رأسها ومزق منديلها..
فانسدل شعرها على
كتفيها.

وصرخت الارملة وهي تتعلق بالشجرة:

-
أناشدكم باسم المسيح .. باسم
المسيح..

وكانت بنات القرية قد اصطففن في الميدان ورحن
ينشبن أسنانهن في أطراف
مناديلهن البيضاء، بينما صاحت العجائز من فوق جدران البيوت:

-
اقتلوها
..
اقتلوها
..

وتقدم شابان، عليها، فتمزق ثوبها وبرز صدرها أبيض
كالرخام
..

وبدأ
الدم ينزف من رأسها ويسيل على وجهها وعنقها صاحت
وهي تلهث
:

-
بحق المسيح.. بحق
المسيح..

وأثار منظر الدماء والصدر الابيض الفاتن شباب
القرية، فاستل بعضهم
سكاكينهم من أحزمتهم، وكلن مافراندوني صاح بهم:

-
قفوا .. انها لي..

وكان لا
يزال واقفاً بباب الكنيسة، وقد رفع يده فوق رأسه،
فتوقف الشبان على
الفور.

واستطرد مافراندوني قائلاً بصوت عميق:

-
مانولاكاس.. ان دم ابن عمك
يناديك.. فدعه ينام في سلام.

وكنت قد تسلقت أحد الجدران لاشهد ما يحدث ، فوثبت من مكاني، واسرعت إلى
الكنيسة وارتطمت قدماي بحجر فسقطت على الأرض
.

واتفق في هذه
اللحظة: أن كان سيفاكاس يمر بالقرب مني، فأمسك
بياقتي كما يمسك الطفل القطة من
عنقها وانهضني وقال:

-
هذا المكان ليس لأمثالك .. فابتعد..

-
الا تأخذك شفقة
يا سيفاكاس: رحمة بها..

فضحك الراعي في وجهي وصاح:

-
هل أنا امرأة لتطالبني
أن أكون شفوقاً؟ أنا رجل.

وفي لحظة.. كان في وسط المعمعة.

وتبعته عن كثب،
ولكن أنفاسي تقطعت، ولم أستطيع اللحاق به..

وكان الجميع قد داروا بالارملة وحاصروها من كل جانب،
وساد صمت رهيب. لم يكن يسمع فيه سوى تردد انفاس

الضحية.

ورسم مانولاكس علامة الصليب على صدره، وتقدم إلى
الامام ورفع السكين في
يده، فارتفعت صيحات الفرح من أفواه النساء فوق الجدران ورفعت الفتيات
مناديلهن
وحجبن بها وجوههن.

ورفعت الارملة عينيها، ورأت السكين فوق رأسها
فصرخت في هلع
وتهالكت تحت جذع الشجرة وغاص رأسها بين كتفيها، وانسدل شعرها على الأرض.

ورسم
مافراندوني علامة الصليب على صدره بدوره وصاح:

-
انني أطالب بعدالة
السماء..

ولكننا سمعنا من ورائنا في هذه اللحظة صوتاً
عالياً يصيح
:

-
اغمدوا
أسلحتكم أيها القتلة.

فنظر الجميع حولهم في ذهول، ورفع مانولاكاس رأسه،
ورأى
زوربا واقفاً أمامه يلوح بيديه.. ويصيح:

-
ألا تخجلون من أنفسكم؟ أي الرجال أنتم؟ قرية برمتها
لتقتل امرأة وحيدة؟ انكم لتجلبون العار على كريت كلها
!!

فصاح
مافراندوني:

-
لا شأن لك بهذا يا زوربا. هذا شأننا فلا تتدخل ثم
نظر إلى ابن
أخيه وقال:

-
مانولاكاس.. اضرب باسم المسيح والسيدة العذراء.

فأمسك مانولاكاس
بالارملة وطرحها ارضاً وركع على بطنها، ورفع
السكين
.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:25 pm

ولكن زوربا انقض عليه. وأمسك بذراعه.. وحاول
بيده التي لفها بمنديل أن ينتزع السكين من قبضة

مانولاكاس.

وانتهزت الارملة هذه الفرصة فنهضت على ركبتها
ونظرت حولها باحثة عن
ثغرة تفر منها.. ولكن القرويين ضموا صفوفهم حولها في حلقة محكمة. حتى أولئك
الذين
كانوا يقفون فوق المقاعد ما ان رأوها تبحث عن منفذ حتى وثبوا إلى الأرض
وسدوا
الثغرات.

وفي هذه الاثناء، كان زوربا يناضل بخفة وعزم
وصلابة.. فأخذت أرقبه في
قلقٍ من مكاني بالقرب من باب الكنيسة..

واحتقن وجه مانولاكاس غضباً، وتقدم سيفاكاس، ومعه عملاق
آخر لمساعدته. ولكن مانولاكاس أوقفهما بنظرة صارمة وصاح
:

-
ابتعدا لا يجب أن يتقدم أحد.

وهاجم زوربا بوحشية، ونطحه برأسه كالثور، وعض
زوربا
شفته، ولم ينطق بكلمة..

كان ممسكا بساعد غريمه بأصابع كالكلابة. بينما راح
يتحرك
يميناً ويساراً ليتجنب رأس مانولاكاس.

وجن جنون هذا الاخير ، وألقى بنفسه على زوربا وتناول أذنه
بأسنانه، وعضها بكل قوته حتى مزقها، وانفجر الدم

منها..

فصرخت:

-
زوربا..

وتقدمت لانقذه، ولكنه صاح:

-
ابتعد يا أستاذ..
ابتعد..

وجمع قبضة يده، وسدد ضربة هائلة إلى الجزء الاسفل
من بظن غريمه، فافلت
مانولاكاس الاذن من بين أسنانه على الفور، واحتقن وجهه احتقاناً شديداً.

ودفعه
زوربا بيده فألقاه أرضاً وانتزع السكين من يده..
وقذف بها بعيداً فوق سور
الكنيسة.

ثم تناول منديله، وأوقف به سيل الدم المتدفق من
أذنه.. ومسح العرق
المتصبب على وجهه. وأجال البصر حوله.

كانت عيناه حمراوين منتفختين..

صاح بالارملة قائلاً:

-
انهضي .. وتعالي معي..

فنهضت الارملة، واستجمعت ما بقي لها من قوة لتنجو
بحياتها.. ولكنها لم تجد الفرصة لذلك، فقد انقض عليها مافراندوني
الشيخ كالصقر، ولطمها
فألقاها أرضاً، ولف شعرها الاسود الطويل حول ساعده، وبضربة

واحدة من سكينه فصل راسها عن جسدها.

وصاح وهو يلقي برأس ضحيته على عتبة الكنيسة..

-
انني اتحمل مسئولية هذا الاثم..

ورسم علامة الصليب على
صدره..

ونظر زوربا خلفه ورأى المنظر الريب فأمسك بشاربه
وراح ينتف شعراته بقوة
وعنف..

ولحقت به وتأبطت ساعده .. فنظر إلي، ورأيت دمعتين
كبيرتين تتعلقان
بأهدابه.

قال بصوت مختنق.

هلم بنا..

ولم يتناول زوربا طعاما او شرابا في تلك الليلة قال:

-
ان في حلقي غصة ولا أستطيع أن أبتلع شيئا.

وغسل أذنه
بالماء البارد، وعصبها بقطعة قماش بللها بالعرق.

أما أنا فقد تمددت على أرض
الكوخ، وجعلت وجهي إلى الجدار وأطلقت العنان
لدموعي
..

لم أكن أفكر في شيء. انما
بكيت كما يبكي طفل غلبه الحزن والاسى..

وفجأة بدأ زوربا يفكر بصوت مسموع .. صاح،

-
ان كل ما يحدث في هذه الدنيا خطأ وظلم.. لماذا
يموت الشباب ويبقى العجائز
المحطمون على قيد الحياة! لماذا يموت الأطفال؟ كان لي مرة ابن اسمه
ديمتري.. وقد
فقدته وهو في الثالثة من عمره وذلك، ما لن أغفره للسماء.

وضرب الارض بقبضة يده..
فانتكأ جرح أذنه، وسال منه الدم قلت له:

-
صبراً يا زوربا. سأغسل لك الجرح وأضمده..

وغسلت الجرح بالعرق. وبللت قطعة من القطن بما
البرتقال الذي بعثت به
الارملة إلي وعصبت الاذن. فهتف زوربا:

-
آه.. اني أشم رائحة البرتقال.. وأشعر كأنني في حديقة
الارملة .. وتنهد واستطرد قائلاً
:

-
كم سنة يجب أن تمر قبل أن
تنتج الارض جسداً فاتنا كجسدها!! كنت أنظر إليها
وأقول: ليتني في العشرين من عمري
. وليت الدنيا تقفر من الرجال والنساء جميعاً فلا يبقى عليها سواي أنا وهذه
المرأة
فأولدها أولاداً. يملئون سطح الأرض.

وامتلأت عيناه بالدموع وقال:

-
انني لا
أطيق التفكير في هذا الحادث.. يجب أن أرقي الجبل
ثلاث أو أربع مرات هذه الليلة لكي
تهدأ نفسي وأستطيع أن أنام.

واندفع إلى الخارج، وتوارى في الظلام..

أما أنا
فقد تمددت في فراشي واطفأت المصباح، وبدأت بطريقتي
اللاانسانية أن أنقل الحقائق إلى
عالم التجريد.. وان أربطها بنواميس الطبيعة وشرائع الحياة حتى ولت إلى
نتيجة مزعجة،
هي ان ما حدث كان ضروريا بل انه للصالح العام وكان لا بد من حدوثه.

وغلبني
النعاس فنمت، ولم أشعر بزوربا حين عاد أو حين خرج
في صباح اليوم التالي، ولكني
رأيته على سفح الجبل يصيح ويصرخ في وجوه العمال.. لا شيء يعجبه مما يفعلون،
حتى لقد
فصل ثلاثة منهم، وتناول معولاً وراح يضرب به الارض ليمهد لاقامة أحد أعمدة
السلك
الهوائي.

ثم صعد إلى قمة الجبل، وتحدث إلى الحطابين الذين
يقومون بقطع الاخشاب
.. وثار عليهم ثورة عارمة.

وعاد في المساء إلى الكوخ متعبا منهوك القوى وجلس
بجانبي
لا ينطق بكلمة، واذا تكلم فعن الفحم والخشب والسلك الهوائي.

وهممت مرة أن اتحدث
عن الارملة ولكنه وضع يده الغليظة على فمي وصاح:

-
صه ..

فصمت على
استحياء.

وقلت لنفسي: هوذا رجل بكل معاني الرجولة.. رجل
يبكي عندما يحزن ويضحك
دون أن يدع للفلسفة أو المنطق سبيلا إلى افساد مرحه.

ومرت ثلاثة أو أربعة أيام
على هذا النحو، قضاها زوربا في عمل متواصل، دون
توقف من اجل طعام أو شراب
.

وذات
مساء، قلت له ان بوبولينا لا تزال طريحة الفراش،
وان الطبيب لم يذهب لزيارتها وانها
تردد اسمه دائما في هذيانها فقال:

-
حسنا..

وخرج مبكرا في صباح اليوم التالي، وذهب إلى القرية وعاد
بعد قليل فسألته
:

-
هل رأيتها؟ كيف حالها..

فأجاب:

-
ليس بها من شيء.. انها ستموت.

وانطلق إلى عمله وعاد في المساء ولك يأكل، وتناول عصاه وخرج فسألته:

-
اذهب أنت إلى القرية!

-
كلا .. ساتريض قليلاً.

وسار
في الطريق إلى القرية بخطى سريعة حازمة.

وكنت متعبا فعدت إلى فراشي، وطفقت أستعرض بعض الذكريات
القديمة والحديثة. وطافت أفكاري بأشياء كثيرة وعادت إلى

زوربا.. وقلت لنفسي:

"
اذا التقى زوربا بمانولاكاس، فسوف يلقي هذا
العملاق
الكريتي بنفسه عليه.. لقد قيل لي انه لم يبرح بيته في الأيام الأخيرة خجلا
من
الهزيمة التي نزلت به على يد زوربا.. وانه لا يكف عن القول بانه سوف يمزق
زوربا
بأسبانه بمجرد ان يقع بصره عليه.. وقال لي احد العمال أنه رآه يطوف حول
الكوخ تحت
جنح الظلام وهو مدجج بالسلاح.

لا شك انهما اذا التقيا الليلة فسوف تقع جريمة قتل.

ووثبت من الفراش وأسرعت إلى ثيابي فارتديتها
وانطلقت إلى القرية
.

وكان
الليل هادئا ساكنا والجو يزخر برائحة البنفسج
البري.. ووقع بصري على زوربا بعد
قليل، وكان يمشي ببطء مية المتعب المكدود. ويتوقف بين الفينة والفينة،
وينظر إلى
النجوم ويصيخ السمع، ثم يعود إلى مواصلة السير وهو يدق الارض بعصاه..

واقترب من
حديقة الارملة، وانطلق من فوق أحد أشجار الحديقة.
صوت بلبل يغرد بنغمات أصفى من ماء
الينابيع.. واستمر البلبل يغرد تغريداً جميلاً يأخذ بالألباب فتوقف زوربا
عن السير
وقد أخذ بعذوبة التغريد.

وفجاة انفرجت أعواد سور الحديقة وهدر صوت غاضب:

-
أهذا أنت أيها الأحمق العجوز؟ .. لقد وجدتك اخيراً.

فعرفت الوت، وجمد الدم في
عروقي..

وتقدم زوربا رافعاً عصاه..

كنت أرى على ضوء النجوم كل حركة من حركاته.

ووثب بين الاعواد عملاق ضخم الجسم، فمد زوربا عنقه
وصاح
:

-
من أنت؟

-
أنا مانولاكاس.

-
امض في سبيلك.

-
لماذا أذللتني، وجلبت لي
العار.

-
انني لم أجلب لك العار يا مونولاكاس. فامض في
سبيلك.. صحيح أنك شاب ضخم
قوي.. ولكن الحظ لم يكن في جانبك، والحظ أعمى كما تعلم.

فقال مانولاكاس وهو يعض
بأسنانه:

-
حظ أو لا حظ .. اعمى أو غير أعمى.. يجب أن أمحو
العار.. وفي هذه
الليلة بالذات.. هل معك سكين.

-
كلا .. معي عصا.

-
اذهب وابحث عن سكين،
وسأنتظرك هنا.. اذهب.

ولكن زوربا لم يتحرك من مكانه فصاح مانولاكاس
ساخراً
:

-
أخائف أنت؟ قلت لك اذهب.

-
وماذا أفعل بالسكين؟!. انني أذكر ما حدث أمام
الكنيسة
.. كان معك سكين وقتئذ، ولم يكن معي شيء .. ومع ذلك انتصرت فزمجر مانولاكاس في غضب:

-
أتحاول اثارتي؟ لقد احترت أسوأ الاوقات لسخريتك..

هل نسيت أنني مسلح
وانت أعزل؟ ابحث لنفسك عن سكين أيها المقدوني
القذر، وسنرى بعد ذلك أينا
الأفضل.

فرفع زوربا يده وألقى بالعصا، وسمعت صوت سقوطها
بين الاعواد
.

وصاح
زوربا:



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:25 pm

الق
بالسكين
.

وكنت
قد تسللت نحوهما، فرأيت نل السكين يتألق في ضوء
النجوم قبل أن يغيب بين أعواد الغاب..

وبصق
زوربا في يده وصاح وهو يثب في
الهواء:

-
تعال..

ولكني
وثبت بينهما قبل أن يلتحما.. وصحت بهما
:

-
قفا.. انت يا مانولاكاس.. وأنت يا
زوربا تعاليا.. هذا عار عليكما
.

فتقدم
الغريمان مني
وهما يسيران في بطء، فتناولت اليد اليمنى لكل منهما. وقلت:

-
تصافحا..
كلاكما
طيب القلب، وكلاكما شجاع.. ويجب أن تصلحا ما بينكما.

فقال
مانولاكاس وهو يحاول
أن يجذب يده!

-
لقد
أهانني
.

فقلت:

-
لا أحد
يستطيع اهانتك بهذه السهولة
.. القرية كلها تعرف انك رجل شجاع، فانس
ما حدث أمام الكنيسة في تلك الساعة المنحوسة
.. ان ما كان قد كان.. ولا تنس أن زوربا
غريب عن هذه الجزيرة. انه مقدوني، وعار علينا
نحن الكريتيون ان نرفع أيدينا ضد ضيف
بلدنا.. تعال أعطني يدك.. هذه هي الشهامة
.. وهلم معنا إلى الكوخ لندعم صداقتنا
بكأس نبيذ وقطعة من شواء
.

واحطت
خصره بساعدي
وانتحيت به جانبا وهمست في أذنه:

-
لا تنس
أنه رجل متقدم في السن، وعار على شاب
قوي مثلك ان يهاجم رجلاً في مثل سنه.

فلان
مانولاكاس قليلا وقال
:

-
حسنا.. اكراماً لك فقط.

فدنا
من زوربا وبسط له يده وهو يقول
:

-
تعال
أيها الصديق،
لقد انتهى كل شيء.. اعطني يدك..

فقال
زوربا
:

-
انت
أكلت أذني.. ومع ذلك هاك
يدي.

وشد كل
منهما على يد الآخر بقوة وعنف حتى خفت أن يتلاحما من جديد
..

وفي الطريق إلى الكوخ، سرت بينهما
وقلت لأغير مجرى الحديث
:

-
سيكون
المحصول وفيراً
هذا العام فيما أعتقد، فقد هطلت أمطار غزيرة..

فلم
يجيبا، وأدركت أنه لا يزال
هناك ما يوغر صدر كل منهما على الآخر، ووضعت كل أملي في
الخمر لعلها أن تصلح
بينهما.

وجلسنا
على حجر أمام الكوخ، وأحضر زوربا ثلاثة أقداح وبعض الطعام، فقلت
وأنا أرفع قدحي:

-
نخب
صحتك يا مانولاكاس.. نخب صحتك يا زوربا
.

فسكب مانولاكاس بضع قطرات من نبيذ
على الأرض وقال بصوت رصين


-
يسيل
دمي كهذا النبيذ
اذا أنا رفعت يدي في وجهك يا زوربا.

فحذا
زوربا حذوه، وسكب قطرة من النبيذ على
الأرض وقال:

-
يسيل
دمي كهذا النبيذ اذا لم أكن قد نسيت فعلا كيف قضمت
أذني.
















الفصل الثامن عشر







جلس زوربا على حافة فراشه
في الفجر وأيقظني بقوله:

-
هل أنت نائم يا أستاذ؟

-
ماذا حدث يا زوربا؟

-
لقد رأيت حلماً مضحكاً، وأعتقد اننا سنقوم برحلة،
في وقت قريب.. اصغ إلي.. أنني
رأيت فيما يرى النائم سفينة كبيرة تهم بالابحار، فجئت من القرية مسرعاً
ولحقت بها
. وكنت أحمل في يدي ببغاء. وجاء ربان السفينة وسألني:

-
أين تذكرتك؟

فقلت وأنا
أخرج من جيبي حزمة من الأورق المالية:

-
كم ثمنها؟

-
ألف دراخمة.

-
ألا تكفي ثمانمائة دراخمة!

-
كلا.. ألف دراخمة بالتمام.

-
معي ثمانمائة دراخمة
فقط وفي استطاعتك أن تأخذها.

-
بل ألف دراخمة .. أو تغادر السفينة.

-
اصغ إلي
يا كابتن.. أنصحك بقبول الثمانمائة دراخمة.. لأنك
اذا رفضت، فانني استيقظ من النوم
فلا تنال شيئاً وانفجر زوربا ضاحكاً وقال في دهشة!

-
ان الانسان آلة عجيبة..
تطعمها خبزاً ونبيذاً وسمكاً، فتعطيك ضحكاً
وأحلاماً ومناظر جميلة
.

ثم وثب من
الفراش فجأة وقال في قلق:

-
ولكن لماذا الببغاء؟ ما معنى أن أصحب معي ببغاء.. أخشى أيها الصديق أن ..

ولم يتم عبارته فقد فتح الباب بعنف ودخل رسول قصير القامة أحمر الشعر،
وقال وهو يلهث
.

-
بحق السماء.. ان المرأة المسكينة تصرخ في طلب طبيب وتقول أنها
على شفا الموت وان وزر موتها يقع عليكما
.

فخجلت .. كانت
فجيعتنا في الارملة قد انستنا صديقتنا القديمة
تماما
.

قال الرسول:

-
ان المرأة المسكينة تسعل بشدة، وسعلتها تهز جدران البيت. فتناولت ورقة كتبت
عليها
رسالة وقلت للرسول:

-
اذهب بهذه الرسالة إلى الطبيب ولا تدعه حتى يرافقك
إلى
بيتها ويقوم بفحصها أمامك..

وانصرف الرسول، وارتدى زوربا ثيابه على عجل فقلت له؟

-
صبراً لحظة.. فسأرافقك..

فأجاب:

-
انني على عجل.

وأسرع
بالخروج.

وبعد قليل، كنت في طريقي إلى القرية، وراني العم
أناجنوستي وكان جالساً
بباب بيته فهتف!

-
أية مصادفة سعيدة جاءت بك في مثل هذه الساعة المبكرة؟

ولكنه قرأ دلائل القلق في وجهي، وأدرك ما هنالك
وقال
:

-
عجل يا بني
،
فلست واثقاً من أنك ستجدها على قيد الحياة
.

كانوا قد وضعوا فراشها في وسط الغرفة، ونقلوا
الببغاء إلى مكانها المألوف فوق رأس صاحبته.. وكانت الببغاء تدور
بعينيها فيما حولها
ولا تنطق وكأنها تدرك ما هنالك
.

وكانت العجوز المسكينة تئن
وتتوجع وتضرب الاغطية بيديها وتحاول التخلص من
شعورها بالاختناق
.

ورأيتها بلا
مساحيق أو دهون.. شاحبة اللون، مورمة الوجه..
تنبعث منها رائحة العرق.. واللحم الذي

يوشك على التحلل.

وكان منظر حذائها تحت فراشها أشد ايلاماً للنفس من
منظر صاحبة
الحذاء نفسها.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:26 pm

وجلس زوربا بجوار
الفراش، ونظر إلى الحذاء، ولم يحول عينيه عنه،

وراح يعض شفتيه ليغالب دموعه.

وكانت المرأة المسكينة تتنفس بصعوبة ، فتناول زوربا قبعتها العريضة
المحلاة بالورود وجعل يروح بها فوق وجهها كما لو كان يحاول

اشعال النار في قطعة فحم أدركها البلل.

وفتحت المرأة عينيها ونظرت حولها في هلع، ولكنها لم تر شيئاً في
الظلام، بل ولم تر زوربا وهو يحرك القبعة فوق

وجهها.

ونشبت المسكينة أظافرها في الوسادة المبللة
بالدموع والعرق واللعاب
وصاحت:

-
لا أريد أن أموت.. لا أريد أن أموت..

ولكن ندابتان من القرية سمعتا عن حالها فجاءتا على
الفور وتسللتا إلى داخل الرفة
..

وبعد قليل، جاء شابان وأطلا
على المرأة المريضة وتبادلا الغمزات وانصرفا.

ولم تمض بضع دقائق حتى سمعنا جلبة الدجاج في الخارج فقلت
احدى الندابتين للاخرى
:

-
أرأيت أن الشابين يعجلان
النهاية، وها هما يسرقان الدجاج.. ان مساكين
القرية جميعا يملأون فناء الدار في
انتظار النهاية لكي ينهبوا كل شيء.

ثم التفتت إلى المرأة المحتضرة وغمغمت في ضجر:

-
عجلي بالرحيل أيتها الصديقة.. حتى نأخذ نصيبنا
كالاخرين
.

فقالت
الندابة الاخرى:

-
يبدو أن هؤلاء الفتيان على حق، فلطالما قالت لي
أمي
:

اذا أردت أن تأكلي شيئا فاخطفيه .. واذا أردت اقتناء شيء فاسرقيه، وعلين الان
أن نندبها
بسرعة، ثم نحمل ما تصل إليه أيدينا من الارز والسكر والاواني.. لكي نبارك
ذكراها
بعد موتها.. انها لا أهل لها ولا أولاد.. فمن ذا الذي سيرث دجاجها
وأرانبها؟ ومن ذا
الذي سيشرب نبيذها ويرث حانوتها؟

كل هذا سيكون مباحاً للجميع ويجب أن نأخذ منه نصيبنا.

وفي هذه اللحظة، تنهدت المريضة وراحت تهذي فقالت
احدى الندابتين
:

-
قد آن الأوان.. فلنتناول مناديلنا ونشرع في عملنا.

فأجابت الأخرى:

-
ألا تخافين الله.. كيف نندبها ولما تلفظ أنفاسها الأخيرة؟

وهنا هتفت مدام هورتنس
بصوت خافت:

-
لا اريد أن أموت.

فانحنى زوربا فوقها، ورفع خصلة من الشعر سقطت على جبينها وقال
والدموع في عينيه
:

-
لا تخافي ايتها العزيزة.. انني هنا.. انا زوربا.

ولكنها لم تره ولم تسمعه.. وضربت الاغطية بقدمها
بقوة، وأطلقت صرخة قصيرة
ثاقبة، وسكنت حركتها..

وعلى الفور ، بدأت الندابتان عملهما المقيت، فمد
زوربا
يده، وتناول قفص الببغاء ، وغادرنا المكان.

وعندما جاء كوندومانوليو وناظر مدرسة القرية لجرد مخلفات
المتوفاة.. لم يجدا سوى الجثة مسجاة فوق أحد الأبواب
.

لقد نهب فقراء القرية كل شيء.. حتى الأبواب
والنوافذ..





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا - صفحة 2 Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:26 pm

الفصل التاسع عشر







كان اليوم الأول من شهر
مايو، من الأيام الخالدة التي لن أنساها ما حييت..

ففي ذلك اليوم.. كان كل شيء
معدا للبدء في استغلال أخشاب الغابة. لا عمدة
قائمة، والسلك الهوائي يلمع تحت أشعة

الشمس، وجذوع الأشجار مكدسة فوق قمة الجبل في
انتظار الاشارة ببدء العمل، وراية
يونانية تخفق فوق الجبل، وأخرى تخفق على الشاطئ عند الخليج الذي سيتلقى
جذوع الشجر
تمهيداً لشحنها في السفن، وأمام الكوخ برميل كبير مليء بالنبيذ، وعلى مقربة
منه
عامل يشوي خروفا سمينا، فقد كان من المتفق عليه ان يقدم الطعام والشراب
للمدعوين
. عقب الاحتفال بتدشين المشروع وافتتاحه.

والواقع أن زوربا أعد العدة لكل شيء.. حتى الببغاء كان لها نصيبها في الاحتفال، فقد وضع زوربا قفصها على صخرة
مرتفعة
بالقرب من أول عمود.

وارتدى زوربا أفضل ثيابه ، وراح يستقبل اعيان
القرية
وكبراءها، ويوضح لهم طريقة عمل الخط الهوائي، وكيف سيعم الخير المنطقة كلها
نتيجة
للمشروع.

قال:

-
انه عمل هندسي فذ، أهم ما فيه هو معرفة الانحدار
المناسب
للخط الهوائي، وقد قضيت عدة شهور في التفكير في هذه المعضلة ولكن دون
جدوى.. وايقنت
آخر الأمر أن المعضلة لن تحل الا بعون من عند الله.

وذات ليلة، حدثت
المعجزة..

فقد رأيت فيما يرى النائم سيدة متشحة بالسواد..
تحمل في يدها انموذجاً
للخط الهوائي في حجم الكف..

قالت لي:


-
اصغ إلي يا زوربا، أنا السيدة العذراء، وقد جئتك
بتصميم المشروع.. هو ذا حساب المنحدر الذي تبحث عنه.. وها هي

بركتي..


واختفت.

فاستيقظت مذعوراً، وأسرعت إلى المكان الذي كنت
أختبر فيه
انموذجي للمشروع.. ورأيت المعجزة .. كان السلك موضوعاً في الزاوية
المناسبة.. وكانت
تنبعث منه رائحة البخور، مما يدل على ان يد السيدة العذراء قد لمسته.

وهم كوندومانوليو بأن يفتح فمه ليلقي سؤالاً، ولكنه رأى خمسة من الرهبان يمتطون
جيادهم
ويهبطون على سفح الجبل، وراهباً سادساً يتقدمهم حاملاً صليباً ضخماً من الخشب.

وشرع الرهبان يدورون بالاعمدة ويرتلون ويطلقون
البخور بينما وقف حشد كبير
من القرويين ينظرون في خشوع وينتظرون.

وكان من المقرر أن تجري التجربة على ثلاثة جذوع، تيمنا بالثالوث
المقدس، الاب والابن والروح القدس
.

ووثب زوربا إلى العمود
الاول وجذب حبلاً، فارتفعت الراية إلى قمة العمود،
وكانت هذه هي الاشارة المتفق
عليها مع العمال فوق قمة الجبل لارسال الجذع الأول.

وتحولت الانظار جميعا إلى
قمة الجبل وهتف أحد الرهبان:

-
باسم الأب.

ومن المستحيل وصف ما حدث.. فقد نزلت الكارثة
كالصاعقة.. وكدنا لا نجد الوقت الكافي للنجاة بانفسنا.. فقد ترنح
البناء الخشبي كله..
وانحدر جذع الشجرة كشيطان هائل متمرد. فانبعث منه الشرر،

وتطايرت أجزاء منه في الهواء.. ولما وصل إلى الأرض
بعد بضع ثوان، كان مجرد كتلة
خبية محترقة..

ودب الذعر في قلوب الرهبان، وراحوا يرسمون علامة
الصليب على
صدورهم ويتمتمون..

فقال زوربا:

-
هكذا يحدث دائما في أول تجربة.. ولكني واثق من ان الجهاز سيكون
أكثر انتظاما في التجربة الثانية
.

ورفع الراية للمرة الثانية
وهتف أكبر الرهبان سناً!

-
باسم الابن..

وانحدر الجذع الثاني.. وهجم علينا كالوحش، لأنه تعثر في
الطريق ودار حول نفسه وسقط من حالق
.

-
وعض زوربا شاربه
وقال:

-
يا للشيطان.. هذا المنحدر اللعين ليس كما يجب أن
يكون
.

ورفع الراية
للمرة الثانية:

وفي هذه المرة، أسرع الرهبان بالاحتماء ورا
بغالهم، وصاح
كبيرهم؟

-
باسم الروح المقدس.

وكان الجذع الثالث ضخماً جداً، ولم يكد ينطلق من قمة الجبل حتى
سمعنا ضوضاء شديدة فصاح زوربا وهو يعدو
:

-
انبطحوا على الأرض
بحق السماء.

فألقى الرهبان بانفسهم على الأرض، واطلق القرويون
سيقانهم
للريح.

وكان جذع الشجرة قد وثب وثبة واحدة.

وسقط على الأرض وتدحرج وغاص ماء البحر قبل أن ندرك
تماما ما حدث
.

واهتزت الاعمدة التي يقوم البناء الخشبي عليها بشدة، ومال بعضها
بطريقة خطرة
..

وصاح زوربا:

-
لا تنزعجوا. أنا واثق ان
الجهاز سيعمل الان بانتظام ، فلنجذب مرة رابعة.

ورفع الراية وصاح الراهب وهو
يعدو نحو الصخور:

-
باسم السيدة العذراء..

وانحدر الجذع الرابع بقوة ثم دار حول نفسه، وسمع القوم
دوياً شديداً، وسقطت الاعمدة جميعاً. وانهار البناء الخشبي

كله في طرفة عين..

وأصاب شظية متطايرة أحد الرهبان فجرحت فخذه ومرت
أخرى بالقرب
من عين راهب آخر..

وتوارى القرويون عن الأبصار، وحمل الرهبان صليبهم
الخشبي
وجمعوا بغالهم.. وبدأوا يتقهقهرون في غير نظام..

حتى العامل الذي كان يشرف على شي الخروف تولاه الذعر
ولاذ بالفرار.. وترك الخروف طعمة للنيران
..

صاح زوربا في
جزع:

-
الخروف يحترق.

وخف لانقاذه ، ثم جلس بجانبي.

وكان الشاطئ قد اقفر
تماما، فنظر إلي زوربا في تردد لم يكن يعرف كيف
كان وقع الكارثة علي، ولا كيف يمكن
أن تنتهي هذه المغامرة.

وتناول السكين وقطع شريحة من لحم الخروف وتذوقها وقال:

-
هكذا يجب أن يكون الشواء. هل لك في قطعة؟

-
انني جائع.. هات الخبز
والنبيذ ودعنا نأكل..

وأكلنا حتى أتينا على الخروف، وشربنا من النبيذ
الكريتي
الجيد حتى ارتوينا وترنحت الارض تحت أقدامنا كأنها سفينة في عرض المحيط،
وبدت لنا
الحياة أقل ثقلاً وأوفر بهجة.

ونهضت واقفاً وصحت بزوربا:

-
زوربا.. علمني كيف
أرقص.

فوثب واقفاً وقد أشرق وجهه وهتف قائلاً:

-
أتريد حقاً أن ترقص؟ هذا
احسن .. تعال..

-
لقد تغيرت حياتي يا زوربا.. هلم.

فخلع حذاءه وقال:

-
انظر إلى قدمي.. انظر.

ومس الأرض بأصابع قدمه بخفة، ثم خطا بالقدم الاخرى
إلى
الامام.. وكرر هاتين الحركتين بسرعة حتى اختلطتا ، ورددت الارض حركة
القدمين وكأنها
طبلة.

وألقى زوربا بيده على كتفي وقال:

-
هلم ، سنرقص معاً..

وراح يدربني
على الرقص ويصحح أخطائي في صبر وأناة ودعة حتى
تشجعت ، وأحسست كأن قلبي قد نبت له
جناحان كالطير..

-
برافو.. أنت أعجوبة..

وراح يصفق بيديه لينظم خطواتي وحركة قدمي.. ويصيح:

-
برافو.. إلى الجحيم بالكتب والاوراق.. إلى الجحيم
بالمناجم
والارباح.. هأنتذا يا بني قد تعلمت لغتي.. وسوف نروي لبعضنا أشياء كثيرة.

وجعل
يثب على الحصى بقدميه العاريتين ويصفق بيديه.

قال:

-
عندي أشياء كثيرة أريد
ان أقولها لك، انني لم أحب أحداً كما أحببتك..
وهناك مئات الأشياء أود أن أقولها لك

ولكن لساني لا يسعفني ولذلك سأرقصها لك.. انظر.

ووثب في الهواء وتحول ساعداه
وساقاه إلى أجنحة..

وبدا ، والبحر من ورائه ، أشبه بملاك عجوز متمرد.

كان كمن
يصيح في وجه السماء: ماذا تستطيعين أن تفعلي بي يا
سماء.. كل ما تستطيعينه هو أن
تقتليني.. اقتليني اذن فلست أبالي.. لقد قلت لك ما اريد قوله.. ورقصت ما
شئت أن
أرقص..

وحين شهدت زوربا وهو يرقص، أدركت لأول مرة مدى
الجهد الذي يبذله الانسان
للتغلب على ثقله، وأعجبت بصبر زوربا وخفته واعداده بنفسه.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
 
الرواية الكاملة : زوربا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الواحة :: الواحة المعلوماتية :: الكتب الإلكترونية-
انتقل الى: