الواحة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الواحة

منتدى تونسي : مصافحة لكل العرب من المحيط إلى الخليج
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرواية الكاملة : زوربا

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:47 pm

زوربــــــــــــــــــــا

توطئة :




على أحد شواطئ كريت، يلتقي رجلان لاستثمار منجم للينيت.
ويحاول أحدهما،
وهو الراوي، أن يفرَّ من عالم المعرفة المحموم المخيِّب. وقد التقى رفيقاً
هو الماسيدوني الكسي زوربا، وهو
إنسان مدهش، مغامر، سندباد بري، فعهد إليه في إدارة الأعمال. وسرعان ما انعقدت أواصر صداقة عميقة
بين ذلك المتحضِّر الممتلئة نفسه بالفلسفة الشرقية، وهذا المتوحِّش الرائع الذي تقوده
غرائز قوية، والذي يعيش الحياة بكل امتلائها وزخمها، ويحب الطبيعة والمرأة، ويروي
مغامراته الغرامية بحيوية نادرة المثال، وينطق بالحكمة أروع مما ينطق بها فيلسوف.


وقد انتهى استثمار المنجم بإخفاق، ولكن القصة التي
يعيشها القارئ مع هذين البطلين والأبطال الآخرين، ولا سيما تلك المرأة المغامرة
التي وقعت في غرام زوربا، تظلُّ إحدى الروائع الكبرى في الأدب الحديث. وقد أخرجت
حديثاً في فيلم ممتاز تولى دور زوربا فيه الممثل أنطوني كوين، إلى جانب ايرين باباس
التي مثلت دور تلك الأرملة التي ضحت بنفسها لمجد القرية.


رواية مدهشة ستظل في طليعة الروايات العالمية.


عدل سابقا من قبل في الجمعة يوليو 06, 2007 5:27 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:49 pm

========================================

التقيته بها في مرفأ
" بيريه " عندما كنت متوجها لأخذ القارب إلى " كريت " ، كانت
أول مرة كان الصباح على
وشك أن ينبلج ، و السماء تمطر ، و كان رذاذ الموج يصل إلى زجاج المقهى
الصغير الذي
كانت أبوابه الزجاجية مغلقة ، و كان الطقس باردا في الخارج ، و قد عبق الجو
داخل
المقهى بأنفاس رواده .

و كان هناك خمسة أو ستة يجلسون في المقهى منذ
الليل
الفائت ، و قد التفوا لباسهم القاتم المصنوع من وبر الماعز يشربون القهوة و
يدخنون
و ينظرون إلى زجاج المقهى العابق و إلى البحر الهائج الهادر في الخارج ، و
كانت
الأسماك في البحر قد التجأت إلى الأعماق بانتظار هدوء العاصفة عند سطح
الماء ، كما
كان البحارة و الصيادون ينتظرون بدورهم أيضا هدوء العاصفة ، حتى تصعد

الأسماك
إلى سطح الماء لتأكل الطعم
.

و فتح باب المقهى الزجاجي و ولد منه عامل قصير القامة ، أسمر اللون ،
عاري الرأس ، حافي القدمين و قد صبغ بالأوساخ من قمة رأسه

إلى أخمص قدميه
.

-
هاي ! كوستاندي ! كيف هي الأمور معك ؟

هتف بحار عجوز
يرتدي سترة زرقاء ، و أجابه المدعو كوستاندي بعد
أن بصق على الأرض
:

-
ماذا
تعتقد ؟ في الصباح إلى البار و في المساء إلى
البيت ، صباح الخير أيها البار و مساء

الخير أيها المنزل ! هذه هي حياتي التي أعيشها
الآن ، فليس لدي من عمل أعمله
.

و ضحك بعض الحضور بينما شتم البعض الآخر ، و هم
يهزون برؤوسهم :

-
هذا العالم هو
سجنٌ مؤبد ، نعم إنه سجنٌ مؤبد ، عليه اللعنة .

و دلف عبر زجاج المقهى الوسخ
شعاعٌ أزرق ، و تعلق بالأيدي و الأنوف و جباه
الحاضرين ، ثم تسلل إلى البار و أضاء

الزجاجات الفارغة ، و خفت الضوء الكهربائي ، و
تمطأ صاحب المقهى الذي كان نصف نائم
، و مسد يديه بحركة متكاسلة
كأنه يستقبل ضوء النهار الجديد ، و بعد فترة من الصمت

قال البحار العجوز متنهداً
:

-
ترى ماذا جرى للكابتن ليموني ؟ كان الله في عونه !

و نظر بغضب إلى البحر ثم صاح
:

-
لعنك الله من بحر أثيم مخرب للبيوت !

ثم عض على شاربه الرمادي
.

كنت جالسا في زاوية المقهى من شدة البرد ، و طلبت كأسا ثانيا من
الشراب ، و شعرت بالنعاس لكني قاومت الرغبة في النوم و التعب ،
و جلست أنظر من خلال
الزجاج إلى المرفأ الذي بدأ يضج بالحركة و بصفارات البواخر ، و
بصياح سائقي العربات .

كانت عيناي عالقتين في مقدمة باخرة سوداء كبيرة ،
كانت لا
تزال مغمورة بظلام الليل القاتم ، و كانت السماء تمطر ، و باستطاعتي مشاهدة
خيوط
الماء المنهمر تربط السماء بالوحل
.

نظرت إلى الباخرة السوداء ، و تجسدت كآبة الذكريات الماضية ، و
دفعت الأمطار بصورة وجه صديقي الكبير ، هل كانت السنة الماضية
؟ في عالم آخر ؟ البارحة ؟ متى كانت حين نزلت إلى هذا
المرفأ بالذات لأقول له
وداعاً ؟ لقد كانت السماء ممطرة ذلك الصباح ، أيضا ، و في تلك المرة



عدل سابقا من قبل في الجمعة يوليو 06, 2007 5:29 pm عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:51 pm

كان قلبي مثقلا تماما شأنه اليوم .

كم هي مؤلمة ساعة الفراق البطيئة ، خاصة فراق
الأصدقاء
العظام ! ، فالأفضل الانقطاع دفعة واحدة ، و العودة إلى الوحدة – الجو
الطبيعي
للرجل ، و لكن ، في ذلك الصباح الممطر لم يكن باستطاعتي ترك صديقي ( و قد
علمت
لماذا ، فيما بعد ، و لكن للأسف كان ذلك بعد فوات الأوان ) ، لقد صعدت معه
إلى ظهر
المركب و دخلتُ إلى مقصورته الملأى بالحقائب المبعثرة ، كأنني كنت راغبا في
أن أدون
ملامحه في مخيلتي ، عينيه المضيئتين بالأزرق ، وجهه الفني ، و ملامحه
الذكية ، و
فوق كل ذلك يديه الارتسقراطيتين و أصابعهما الطويلة النحيلة .

و حين فاجأني و
أنا أحدق به بشوق ، و نظر إلي و قد ارتسمت على
وجهه تلك الابتسامة الساخرة التي
يلجأ إليها حين يريد أن يخفي انفعاله ، و فهم ! ، سألني مبتسما ساخراً :

-
إلى متى ؟

-
ماذا تعني بإلى متى ؟

-
إلى متى ستبقى على عادة مضغ الورق و التلوث بالحبر ؟ لماذا لا
تأتِ معي بعيدا في القوقاز هناك الألوف من أبناء جلدتنا في خطر
عظيم ، تعال لننقذهم .

ثم راح يضحك كأنه يهزأ من نبله ، قال :

-
ربما ، لن
نقدر على مساعدتهم ، و لكن ألم تكن تعظ " إن
الطريقة الوحيدة في تخليص نفسك هي في

مساعدة الآخرين " ؟ حسنا ، أيها المعلم ، إلى
الأمام ، و أنت ممتاز إلقاء المواعظ ،

لماذا لا تأتِ معي ؟!

و لم أجبه ، و فكرت بأراضي الشرق الساحرة ، و أم
الآلهة
العجوز ، و صراخ بروميثيوس المسمر إلى الصخور ، و هناك على هذه الصخور
نفسها كان
عِرقنا مسمراً ، لقد كان ينادي و يصرخ !! لقد كان ينادي طالبا المعونة من
أبنائه ،
و كنت أسمع النداء كأن الألم هو حلم و الحياة هي مأساة محيقة ، يثبت فيها
من يأخذ
حصته من العمل في مسرح الحياة
.

و بدون أن ينتظر جوابا مني ، نهض صديقي ، و صفرت الباخرة معلنة عن
الإقلاع للمرة الثالثة و مدّ يده إليّ ، محاولا إخفاء انفعاله
بابتسامته الساخرة ،
ثم قال
:

-
إلى الملتقى ، يا عثّ الكتب
!

و ارتجف صوته ،
و قد شعر بالخجل لأنه لم يتمكن من السيطرة على
عواطفه ، فقد كانت الكلمات الرقيقة ،

و الحركات المضطربة ، تبدو له ضعفا لا يجوز للرجل
أن يأخذ بها ، نحن ، الذين كنا
مولعين ببعضنا أشد الولع ، لم نتبادل أية كلمة من كلمات العطف و المحبة ،
لقد مثلنا
و خدشنا بعضنا بعضا كأننا قطط متوحشة
.

هو : الذكي ، الساخر ، المتمدن ، و أنا : الهمجي ! ، لقد تمرن على ضبط النفس و إخفاء كل العواطف تحت ستار السخرية ،
بينما
كنت أنا أنفجر بضحكتي الوحشية البلهاء
.

لقد كنت أحاول دوما أن أخفي انفعالي و عواطفي بكلمة قاسية ،
لكني شعرت بالخجل ، لا ، ليس الخجل بالذات ، و لكن سوء التصرف
، و أمسكت بيده و لم أقو على تركها ، فنظر إليّ
مندهشا
:

-
هل أنت منفعلٌ لهذا
الحد ؟!

و أجبته بهدوء
:

-
نعم .

لماذا ؟ و لكن ماذا قلنا الآن ؟ ألم نتفق على ذلك منذ سنين ؟
ماذا يقول الأحباء اليابانيون " فودوشين " ! ، الوجه قناعٌ
يبتسم ، و لكن ما يدور
هذا القناع ليس من شأننا
!

-
نعم .

أجبته محاولا جاهدا
أن لا أورط نفسي بعبارات طويلة ، و لم أكن واثقا
من أنني قادر على ضبط صوتي
.

و دوى صوت صفارة الباخرة ، معلنا طرد الزوار من غرف المسافرين ، كان المطر
ينهمر
خفيفا ، و كان الهواء عابقا بكلمات الوداع الرقيقة ، القبلات الطويلة ،
التأوهات و
التوصيات اللاهثة الخاطفة ، و تهافت الأمهات على الأبناء ، و الزوجات على
الأزواج ،
و الأصدقاء على الأصدقاء ، كأنهم سيفارقونهم إلى الأبد ، كأن هذا الفرق
يعني
" الفراق الكبير " ، و انطلقت الصفارة من جديد كأنها أجراس الجنائز ،
فارتعدت
!

-
اسمع ، هل أنت متشائم ؟

-
نعم .

-
هل تؤمن بهذه الهواجس ؟

و أجبته
بالتأكيد
:

-
كلا .

-
إذن ؟

و لم يكن هناك من " إذن " فلم أكن أؤمن
بها ،
و لكن كنت خائفا ..

و رمش صديقي بجفونه مرتين أو ثلاثاً ، و حدّق بي
مرة أخرى ،
لقد فهم أني منفعل و حزين ، فتردد في إخفاء اضطرابه بالسخرية و الضحك ، و
قال
:

-
حسناً ! أعطني يدك ، إذا قدر لأحدنا أن يجد نفسه
في خطر الموت .. و توقف ،
كأنه شعر بالخجل ، نحن الذين كنا نهزأ من هذه النزوات الميتافيزيقية
لسنواتٍ خلت
!! ، و سألته محاولا أن أحذر
:



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:52 pm

حسنا ؟!

-
لننظر إليها كأنها لعبة ، إذا قدر لأحدنا خطر الموت ،
فليفكر في الآخر بشدة لدرجة أن ينبهه حيثما كان .. هل اتفقنا

؟!

قال ذلك محاولا أن يضحك لكن الابتسامة جمدت على
شفتيه
.

-
اتفقنا
.

و أضاف صديقي مسرعا ، خوفا من أن يكون قد أفصح عن عواطفه :

-
مع العلم ، أني لا
أؤمن إطلاقا بعلم قراءة الأفكار ، و ما شابه ..

طمأنته متمتماً
:

-
لا بأس ،
و ليكن
..

-
حسنٌ جداً ، و الآن لندع الموضوع عند هذا الحد ،
اتفقنا ؟


-
اتفقنا
.

كانت هذه كلماتنا الأخيرة ، و تصافحنا بحرارة ، و
مشيت مسرعا دون أن
أنظر إلى الخلف ، كأنني كنتُ مطارداً ، و شعرتُ برغبة في إلقاء نظرةٍ
أخيرةٍ على
صديقي ، لكني تمالكتُ نفسي و قلت " لا تنظر إلى الخلف ! تقدّم ! " .

* * *

كان الضوء ينتشر رويدا رويداً ، و الصباحان يبدوان
متداخلان ، و ظهر لي وجه
صديقي واضحا الآن ، الذي بقي لمدة طويلة تحت المطر ، و يبدو حزينا ساكناً
.. و
انفتح الباب و دخل رجلٌ قصير القامة ، مقوّس الساقين ، ذو شاربٍ متدلٍ ، و
تعالت
أصواتٌ فرِحة :

-
أهلاً ، كابتن ليموني
!

و انتشر الضوء ، و أخذ الكابت مسبحته و راح يطقطق
بها بعصبية ، بينما انزويتُ أنا في مقعدي محاولا أن أستعيد تلك
الصورة التي كانت تذوب
مبتعدةً عني ، لو أتمكن من أن أعيش مرة أخرى هذه اللحظة من

الغضب الذي تملكني حين قال صديقي " عث الكتب
" ! ، و تذكرت أن كل القرف من الحياة

التي كنت أحياها قد تجسد في هذه الكلمات ، كيف
تمكّنتُ أنا ، الذي كنت أحب الحياة ،

أن أدفن رأسي بين أكداس الكتب و الأوراق الملطخة
بالحبر ! لقد ساعدني صديقي في ذلك
اليوم ، يوم الفراق ، على الرؤيا بوضوحٍ أكبر ، و شعرت بالاطمئنان ، و الآن
بعد أن
علمت اسم حزني مصدر شقائي فباستطاعتي التغلب عليه بسهولة ، و لم تعد أحزاني
متفرقة
، فقد تجسدت و أصبحت تحمل اسما ، لذلك أصبح بإمكاني
مقارعتها بسهولةٍ أكبر
.

لقد أثر هذا التعبير علي و دخل في أعماق نفسي ، و قد حاولتُ البحث عن حجة لأترك
الورق و
الكتابة و أحيا حياة أكثر مغامرة و حركة ، لقد أصبحت مستاءً من حمل هذه
الحشرة
البائسة مضافة إلى اسمي ، و قد سنحت لي الفرصة منذ شهر ، فقد استأجرت منجما
في
جزيرة كريت مواجها لبحر ليبيا ، و سأذهب اليوم إلى هذا المنجم القديم لأعيش
مع رجال
بسطاء ، عمال ، فلاحين ، بعيدا عن جنس " عث الكتب " .

و أعددتُ العدة للسفر ،
كأن هذه الرحلة تخفي وراءها معانٍ كثيرة ، فقد
عزمت على تغيير منهجي في الحياة ، و
قلت لنفسي " لغاية اليوم ، لقد شاهدت الظل و كنت مكتفية به ، و الآن
سأقودك إلى
الجسم " .

و عندما انتهيت أخيرا ، و في ليلة سفري بينما كنت
أقلب أوراقي ، عثرت
على مخطوطة لم تنته بعد ، و أخذتها بيدٍ مشدودة ، منذ سنتين كانت الرغبة
كامنة في
أعماق نفسي ، رغبة قوية جامحة ، رغبة أشعر بها تتآكل في أحشائي كل لحظة ،
لقد كانت
تنمو و تنضج و ترفسني في صدري تطلب أن تخرج إلى الوجود ، و الآن لم يعد
بإمكاني أن
أطرحها ، لم أعد أجرؤ على ذلك ، لقد فات الوقت لهذا الإجهاض النفسي .

و بينما
كنت ممسكا بالمخطوطات تلك ، ظهر أمامي وجه صديقي
الساخر فقلت بصوتٍ مرتفع بعد أن
شعرت بألم السخرية : " سآخذها معي ، سآخذها ، لا تضحك !! " ، و
لففتُ المخطوطة
بعناية و حملتها .

و عاد إلى مسمعي صوت الكابتن ليموني ، وقورا قاسيا
، و أصغيت
إلى حديثه الذي كان عن العفاريت التي تسلقت صاري مركبه أثناء العاصفة و
راحت تلحسه
:

-
لقد كانت لزجة ، و كان الإنسان حين يلمسها يشعر
بالنار تحرق يديه ، لقد ملست
شاربي و نظرت إليها في الظلام و أنا أشع كالعفريت ، و كما قلت ، لقد طغى
البحر على
مركبي و أغرق شحنتي من الفحم و بدأ مركبي يميل في هذه اللحظة ، ترفق الله
العظيم و
رأف بي و أرسل صاعقة حطمت أخشاب الأبواب و انزلق الفحم إلى البحر ، و خف
وزن المركب
من حمولته و عاد إلى وضعه السابق ، و بذلك أنقذتُ نفسي .

و بينما كنت أصغي
باهتمام لما كان يقوله البحار العجوز ، شعرتُ
بالانزعاج فجأة فرفعتُ رأسي ، لست
أعلم كيف ، لكني شعرت أن عينين اثنتين تحدقان بجمجمة رأسي من الخلف ، و
التفتّ
مسرعاً باتجاه الباب الزجاجي ، و قد ومضت في رأسي فكرة مجنونة : سأرى صديقي
مرة
ثانية !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:52 pm

لقد كنتُ مهيأ
لاستقبال المعجزة ، لكنها لم تحصل ، فقد رأيتُ رجلا غريبا

يبلغ من العمر ستين عاما ، طويل القامة ، نحيف
الجسم ، عيناه جاحظتان ، و قد ألصق
بأنفه على زجاج الباب و هو ينظر إليّ ، و كان يحمل صرّة صغيرة تحت ذراعه .

و قد
أثارني فيه نظرته المتشوقة ، و عيناه الحادتان
المتوقدتان ، أو هكذا بدتا لي على كل

حال ، و ما إن تقابلت نظراتنا ، و تأكد أنني الشخص
الذي يبحث عنه ، حتى فتح الباب
بقوة و اندفع إلى الداخل ماراً بين الطاولات بخطى سريعة ، و تقدم نحوي ووقف
قرب
طاولتي ثم قال :

-
هل أنت مسافر ؟ و إلى أين ؟

-
مسافر إلى كريت ، و لكن
لماذا تسأل ؟

-
هل تأخذني معك ؟

و نظرت إليه باهتمام ، كانت خدوده مجوفة ، و فكه صلبٌ قاسٍ ، و
وجنتاه ناتئتان ، و شعره الرمادي مجعد و عيناه متوقدتان

.

-
لماذا ؟ و ماذا أفعل بك ؟

و هز بكتفيه و قال
:

-
لماذا ، لماذا ؟ ألا يستطيع
المرء أن يفعل شيئا دون لماذا ؟ للاشيء ، لأن
المرء يريد ذلك ! خذني معك كطباخ مثلا

،
إن باستطاعتي أن أطبخ حساءً لم تذق مثله في حياتك

.

و رحتُ أحدق به و أنا أضحك
،
فقد أعجبني هذا المخلوق كما أعجبني الحساء ، فقلت في نفسي إنه ليس ثمة ضرر في أن
آخذه معي ، فيبدو أنه
قد جاب البحار طويلاً ، فهو أشبه بالسندباد البحري .. و قد

أعجبني
!

قال لي و هو يهز برأسه الضخم
:

-
و بماذا تفكر ؟ هل توازي الأمر بنفسك ؟ هيا أيها
الصديق اعتمد و قرر لنفسك
..

-
اجلس الآن و خذ قدحا من الشراب .

-
حسناً ، و لكن كأسا من " الروم " ينفعني
أكثر
.

و سألته بعد أن تناول كأس
الروم و راح يتذوقه بهدوء
:

-
ما نوع العمل الذي تتقنه ؟

-
كل الأنواع ،
بالأرجل و الأيدي و الرأس ، جميعهم !

-
أين كنت تعمل في السابق ؟

-
في منجم ،
فأنا خبيرٌ في عمل المناجم ، كما أنني خبير في
المعادن ، أنا أعرف كيف أجد العروق ،

أحفر الأنفاق ، و أهبط إلى الحفر العميقة دون أن
أخاف ، لقد كنت أعمل جيدا فقد كنت
رئيسا على العمال ، و كنت لا أشكو من شيء ، و لكن الشيطان تدخل في عملي ،
فيوم
السبت الماضي جاء صاحب المنجم ليفتش بين العمال ، فأمسكت به و أوسعته ضربا
.. هكذا
، دون أن أكون سكراناً
.

-
و لكن لماذا ؟ و ماذا فعل لك ؟

-
لي ؟ لا شيء على
الإطلاق ، فقد كانت المرة الأولى التي أراه فيها ،
فالمسكين قد وزع علينا السجائر
أيضاً .

-
حسنا ؟

-
أوه ، مالك تجلس هكذا و تطرح الأسئلة ؟ لقد خطر لي
ذلك ،
هذا كل ما في الأمر ، تعلم قصة زوجة الطحان ؟ حسنا ، فلا يمكنك تعلم
الإملاء من
مؤخرتها ، مؤخرة زوجة الطحان ، فهذا هو المنطق الإنساني .

فنظرتُ إلى رفيقي
الجديد بمزيد من الاهتمام ، فقد أعجبني تحليله للأمور
للمنطق ، ثم سألته
:

-
و ماذا تحمل في صرتك هذه ؟ طعام ؟ ملابس ؟ أم معدات ؟

و رفع صديقي بكتفيه و ضحك
:

-
إنك تبدو كثير التعلق ، أرجو المعذرة لهذا .

و ضرب على صرته بأصابعه
الطويلة القاسية و قال
:

-
كلا ، إنها السانتوري
.

-
السانتوري ؟ و هل تعزف
عليها ؟


-
نعم ، عندما أكون مفلساً أذهب إلى الحانات ثم أعزف
عليها و أنشد بعض
الأغاني المقدونية القديمة ، ثم أبدأ بجمع النقود من الزبائن في قبعتي ،
فتمتلئ بعد
قليل بالدراهم .

-
ما اسمك ؟

-
الكسيس زوربا ، و في بعض الأحيان يدعونني " مجرفة الفئران " لأنني طويل القامة وجمجمتي مسطحة و تشبه الكعكة ، كما
أنني أدعى
" مضيّع الوقت " لأنني كنت أبيع البزر المحمص في وقتٍ من الأوقات ، و هم
يدعونني أيضا
" المعفن " لأنني أسبب المشاكل أينما حللت ، كل شيء يذهب للكلاب ، و لي
أيضا أسماء
أخرى ، و لكني سأدعها لفرصة ثانية
.

-
و كيف تعلمت العزف على السانتوري ؟

-
كنت في العشرين ، فسمعت السانتوري لأول مرة في
إحدى الاحتفالات القروية ، هناك عند
قدم جبل أوليمب ، فبهرت لتوي حين سمعت النغم ، و بقيت ثلاثة أيام دون طعام
، و
سألني والدي رحمه الله " ماذا جرى لك ؟ " ، فقلتُ له أنني أريد
أن أتعلم العزف على
السانتوري ، فقال لي " ألا تخجل من نفسك ؟ هل أنت غجري ؟ هل تريد أن
تتحول إلى عازف
؟ " فأجبته " نعم ، أنا أريد أن أتعلم
العزف على السانتوري " و كنت قد ادخرتُ بعض

القروش لكي أتزوج حين يحين الوقت ، فقد كنت لا
أزال فتيا و دم الشباب لا يزال يجري
حارا في عروقي ، و أريد الزواج ، أنا الغبي المسكين ! و هكذا دفعت كل ما
ادخرته نم
مال ثمنا لشراء السانتوري ، و هربت إلى سالونيك حيث قابلت رجلاً تركيا يدعى
رستب
أفندي ، و هو معلمٌ ماهر للعزف على السانتوري ، فقلتُ له " إنني أريد
أن أتعلم
العزف على السانتوري " فقال " حسنا ، و لكن لماذا ألقيت بنفسك
على أقدامي هكذا ؟
"

-
لأني لا أملك مالاً لأدفعه لك .

-
و أنت مغرم بالسانتوري إلى هذا الحد ؟

-
نعم .

-
حسنا ، يمكنك البقاء يا ولدي ، فأنا لستُ بحاجةٍ
إلى مالك
.

و بقيتُ عنده سنة أتعلم العزف ، و هو لا بد أن يكون قد مات الآن ، رحمه الله
، و إذا
كان الله تعالى يسمح بدخول الكلاب إلى جناته ، فلعله يفتح أبواب الجنة
لرستب أفندي
، و منذ أن تعلمت العزف على السانتوري حتى أصبحت رجلا
آخر ، فعندما أشعر بالحزن ،
أو حين أكون مفلسا ، أعزف على السانتوري فأشعر بالسعادة و الانشراح ، و
عندما أعزف
لا أسمع شيئا مما يقولونه لي ، و إذا سمعت فلا يمكنني الكلام ، ولا فائدة
من
المحاولة فأنا لا أستطيع ...
"

-
و لكن لماذا ، زوربا ؟

-
أوه ، ألا ترى ؟
إنه الهوس المحموم ، نعم إنه الهوس .

و فتح باب المقهى من جديد و سمعت هدير البحر ، و كانت أيدينا
و أرجلنا متجمدة من شدة الصقيع ، فانزويت أكثر إلى الركن

الدافئ و تلفعت بالمعطف و نعمت بدفء المكان ، و
قلت في نفسي " إلى أين سأذهب ، فأنا

في أحسن حالٍ هنا ، ليت هذه اللحظة تدوم سنين
طويلة " ، و نظرت إلى الرجل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:53 pm

الغريب أمامي ، الذي كان يحدق بي و قلت له :

-
حسنا ؟
استمر
.

و هز زوربا
بكتفيه و
قال :

-
دعك من
ذلك ، هل تعطيني سيجارة ؟


و قدمت
له سيجارة ، تناولها و أخرج
من جيبه قداحة و فتيلة و أشعل السيجارة ثم أغمض عينيه بسرور
و ارتياح ، و سألته
:

-
متزوج
؟


و
أجابني غاضباً
:

-
ألستُ
رجلاً ؟ ألستُ رجلاً ؟ أعني أعمى ،
شأني شأن الجميع ، لقد سقطت على رأسي في الفخ و تزوجت ، و
أصبحت رب عائلة ، و بنيت
بيتا ، و أصبح عندي أطفال و مشاكل ، و لكن شكرا للرب على
السانتوري
..

-
و هل كنت تعزف لتنسى همومك ؟

-
اسمع ،
إني أرى أنك لا تستطيع العزف على أية آلة
موسيقية ، في البيت تكمن كل مشاكلك ،
الزوجة ، الأولاد ، ما الذي ستأكله ؟ كيف ندبر
أمر الملبس ؟ ما الذي سيحل بنا ؟ يا
للجحيم ، كلا ، لكي تعزف السانتوري يجب أن تكون
في حالة جيدة ، يجب أن تكون صافياً ،
فإذا ما رددت زوجتي كلماتها فكيف يمكنني العزف
؟ و إذا
كان أولادك جائعين يصرخون ، حاول عند ذلك أن تعزف على السانتوري ، فعقلك
يجب أن يكون عند السانتوري ،
لا عند أشياء أخرى ، هل فهمت ؟
!

نعم ،
فهمت ، إن
زوربا هو الرجل الذي كنت أنشده منذ مدة طويلة دون أن أجده ، قلب حي
، و فمٌ ضخم شره
، و نفس
كبيرة قاسية لم تعركها الأيام
.

إن
معنى كلمات الفن و الحب و الطهارة و
العاطفة ، كل هذه المعاني أظهرتها لي تلك الكلمات البسيطة
التي تفوه بها هذا الرجل
العامل .

و نظرت
إلى يديه التين تستطيعان الإمساك بالمعول و السانتوري ، يدان
متحجرتان ، مشققتان ، مشوهتان ، و
باعتناءٍ بالغ ، كأنهما تخلعان ثياب امرأة ، فتحت
الصرة و سحبت منها السانتوري الذي
صقلته السنون ، مع حزمة من الأوتار ، مضربا
بالنحاس و العاج مع شرابة حمراء من
الحرير ، ثم راحت تلك الأصابع الطويلة تداعبه
بعطف كأنه أيدٍ تداعب وجه امرأة ، ثم
أعادت وضعه و لفته باعتناء بالغ كأنه جسدٌ
محبوب خافت عليه من البرد .

-
هذا هو
السانتوري العزيز
.

تمتم
ذلك و هو يضع
الصرة باعتناءٍ على الكرسي ، و كان البحارة يقرعون الكؤوس و
يضحكون ، و ربت البحار
العجوز على كتف الكابتن ليموني و هو يقول :

-
قل
الحقيقة يا كابتن ، ألست خائفا
؟ إن
الله أعلم بعدد الشموع التي نذرتها للقديس نيقولا
.

و قطّب
الكابتن حاجبيه
الضخمين :

-
أقسم
لكم ، إنني عندما رأيت الموت يقترب مني لم أفكر بالقديسة
العذراء ، ولا بالقديس نيقولا ، بل
التفت نحو سالاميس ، و فكرت بزوجتي و صحت " آه ،
كاترين ! لو أنني الآن معكِ في
الفراش
"

و
انفجر البحارة في الضحك ، و شاركهم
الكابت ليموني الضحك هذه المرة .

-
يا
للإنسان ، إن الرجل حيوان ، فقد كان شبح
الموت مخيما فوق رأسه بينما كانت
أفكاره منشغلة هناك ، لا في أي مكان آخر ، تباً له
من حيوان !

و صفق
الكابتن و طلب دورا آخر من الشراب لرفاقه ، كان زوربا يستمع
إلى الحوار بأذنين كبيرتين ، و التفت
إليهم ثم قال لي
:

-
ما هذا
؟ ماذا يقول
هذا الرجل ؟

و لكنه
فهم فجأة ، و هتف بإعجاب
:

-
برافو
، يا صديقي ، إن هؤلاء
البحارة يعرفون السر ، و أغلب الظن لأنهم معرضين ليلا نهارا
للموت
.

و أشار بقبضتيه في الهواء و قال :

-
حسناً
، إن هذه مسألة أخرى ، و لنعد الآن إلى عملنا
، هل سأبقى
أم لا ؟ قرر بسرعة
.

-
أنا
موافق يا زوربا ، تعال معي إلى كريت ،
فلدي فحما هناك ، و باستطاعتك مراقبة
العمال ، و في المساء ستتمدد على الرمال ، في
هذا العالم ليس عندي لا زوجة ولا
أطفال ولا كلاب ، سنأكل و نشرب معا ، و ستعزف أنت
على السانتوري .

-
هذا
إذا كنت في مزاج خاص للعزف ، هل تسمح ؟ سأعمل لك أي شيء
تريده ، فأنا رجلك المطيع هناك ، و
لكن السانتوري .. فهذا شيءٌ آخر ، إنه حيوان
وحشي ، و هو بحاجة إلى الحرية ، فإذا
كنت مستعدا للعزف فسأعزف ، و ربما أنحني أيضا
، و
سأرقص " الزيباكيكو " و " الهاسابيكو " و " البنتوزالي
" و لكن دعني أخبرك منذ
الآن ، يجب أن أكون مستعدا لذلك ، لنفهم ذلك بوضوح ، و إذا
أرغمتني على ذلك فسينتهي
كل شيء الآن ، فأنا بما يتعلق بهذه الأمور .. رجل .

-
رجل ؟
ماذا تعني بذلك
؟

-
أعني
.. حراً
.

و طلبت
كأسا من الروم فأضاف زوربا طالبا كأسا آخر أيضاً ،
و قرعنا الكؤوس ، و كان الصباح قد
أشرق ، و سمعنا صفارة المركب , و أشار الحمال
الذي نقل حقائبي إلى المركب ، و قلت
و أنا أنهض
:

-
تعال ،
لنذهب .. و ليكن الله
معنا .

-
الله و
الشيطان معاً
.

أضاف
زوربا ، ثم انحنى و التقط صرته و وضعها
تحت ذراعه و فتح الباب و سبقني
بالخروج
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:54 pm

الفصل الثانى









البحر ، و طراوة
الخريف ، و الجزر السابحة في النور ، و المطر
الناعم الذي أضفى حجابا شفافا على
العري الأبدي لجزر اليونان ، كم هو سعيد الرجل الذي يمخر عباب بحر إيجه قبل
وفاته
.

كم هي عديدة مسرات هذا العالم ، نساء ، و فواكه ،
و آراء ، و لكن أن تشق عباب
هذا البحر الهادئ و في فصل الخريف لهي السعادة التي تملأ قلب الإنسان في
نعيم
الفردوس ، فهذا هو المكان الوحيد الذي يمكن للإنسان أن ينتقل فيه من مكان
إلى مكان
بهدوء و سهولة ، من الواقع إلى الخيال .. إنها المعجزة بالذات !

و عند الظهر
انقطع المطر ، و بددت الشمس حجب الغيوم ، و أطلت
علينا ناعمة لتداعب بأشعتها صفحات
الماء الحبيبة ، و تركت نفسي تستوعب هذه المعجزة الخالدة التي انقشعت على
مدى الأفق
البعيد .

و على ظهر المركب ، كاليونانيين ، الشياطين
الأذكياء ، ذوو العيون
المشعة و العقول التي تتقن فن المساومة الطويل على البضائع التافهة ، و في
بعض
الأحيان تأخذ بك الرغبة في أن تمسك بهذا المركب من طرفيه و تغرقه في البحر
، ثم
تهزه جيدا لتغسل عنه كل هذه الحيوانات التي أوسخته ، رجال ، فئران ، و قمل
. ثم
تعومه من جديد بعد أن يصبح نظيفاً فارغاً
.

و لكن في بعض الأحيان كانت العاطفة تمنعني ، عاطفة بوذية
، باردة كالاستنتاجات الميتافيزيقية ، عاطفة ليست نحو الرجال

فقط ، بل نحو الحياة كلها بجهادها ، و صراخها ، و
نواحها ، و آمالها التي لا ترى أن
كل شيء ليس إلا محاولة لإظهار الأشباح من العدم ، عاطفة نحو اليونانيين ، و
نحو
المنجم الفحمي ، و نحو مخطوطتي الناقصة عن بوذا ، و عن ذلك الخليط من النور
و
الظلال الذي يزعج صفاء الجو .

و كنت أختلس النظر إلى زوربا المنهك ، الشاحب الوجه ، و قد قبع في
مجلسه على ظهر المركب على كومة من الحبال عند مقدمة المركب ،

كان يشم ليمونة و يصغي إلى صراخ الركاب و شجارهم
بأذنيه الكبيرتين ثم يهز برأسه
الضخم و يبصق و يتمتم قائلا :

-
هؤلاء الحطام ، ألا يخجلون من أنفسهم ؟

-
ماذا تعني بكلمة ( حطام ) يا زوربا ؟

-
كل هؤلاء الملوك ، الديموقراطيات ، النواب ، المرائين !

إن الحوادث لم تكون لزوربا سوى أمور قديمة ، فهو
بنفسه قد
ابتعد عنها ، و بالتأكيد كان التلغراف ، و البواخر ، و المراكب ، الأخلاق
السائدة ،
و الدين ، لا بد أن تكون كالبنادق القديمة الصدئة ، فتفكيره قد تقدم بسرعة
تجاوزت
تقدم العالم .

كانت الحبال تتشقق على الصواري ، و الشواطئ كانت
تتراقص ، و
النساء المسافرات أصبحت وجوههن أكثر اصفرارا من الليمونة ، لقد ألقين
بأسلحتهن ،
المساحيق و المشدات و دبابيس الشعر و الأمشاط ، و شحبت شفاههن و أظافرهن
بدأت تتحول
ألوانها إلى الأزرق ، و بدأت تتساقط الريش المستعار و الشرائط الحريرية و
الجفون
الاصطناعية ، فقد كان الناظر إليهن بالإجمال يشعر بالقرف و الرغبة بالتقيؤ .

و شحب وجه زوربا بدوره و اصفر لونه ثم اخضر ، و خفتت عيناه المتقدتان و لم
يعد إلى
تألقه الأول إلا في المساء ، حين أشار إليّ ليريني درفيلين كانا يتقافزان و
يسابقان
المركب ، و صاح :

-
درافيل
!

و لاحظت لأول مرة أن نصف إبهام يده اليسرى مقطوع ، فارتعدتُ و سألته
:

-
ماذا جرى لإصبعك يا زوربا ؟


و أجابني و قد بدا عليه
الاستياء لأنني لم أنظر إلى الدرافيل :

-
لا شيء
!

-
هل قطعته بآلة حادة
؟

-
و ما شأن الآلة بالموضوع ؟ كلا فقد قطعته بنفسي .

-
بنفسك ، و لماذا
؟

-
أنت لا يمكنك الفهم ، أيها الرئيس ، لقد سبق و
أخبرتك أنني قمت بأعمال عديدة
، و في إحدى المرات عملت في
صناعة الفخار ، و قد أحببت هذا العمل لدرجة الجنون ، هل

يمكنك أن تتصور ماذا يعني أن تأخذ حفنة من الطين و
تعمل منها ما تريد ؟ قرر! ثم
تدوّر الدولاب و يدور الطين معه بينما تقول بنفسك " سأصنع جرة ، أصنع
صحنا ، سأصنع
قنديلا ، و الشيطان يعلم ماذا أيضاً " هذا ما تقوله عن كونك رجلاً :
الحرية
!

لقد نسي البحر ، و لم يعد يقضم الليمونة ، و عاد
الصفاء إلى عيونه
..

-
حسنا ، و لكن إصبعك ؟

-
لقد كانت تزعجني ، و تقف في طريق عملي ، و تفسد
علي
مشاريعي ، و في ذات مرة أمسكت بفأس صغيرة
..

-
ألم تشعر بالألم ؟

-
كيف لم
أشعر بألم ؟ هل تعتقد أني جذع شجرة ؟ إنني إنسان ،
لقد تألمت و لكن كما قلت لك كانت
تقف في طريقي فقطعتها !

و هدأ البحر قليلا عند غياب الشمس و انقشاع الغيوم
،
فدبت نجمة المساء لامعة براقة ، و ألقيت نظرة على البحر و رحت أفكر .. كيف
نحب إلى
هذا الحد ؟ ثم نأخذ فأسا و نقطع ثم نتألم ، لكني أخفيت اضطرابي و أردفت
قائلا
محاولا الابتسام :

-
إنها لطريقة سيئة يا زوربا ! إنها تذكرني
بالأسطورة الذهبية
التي تقول عن ناسك رأى امرأة قد أزعجته جسديا ، فتناول فأساً ..



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:55 pm

و صاح زوربا مقاطعاً :

-
كم هو أحمق ، يقطع هذا ! و لكن هذا المسكين لا
يعتبر عقبة
!

-
كيف ؟ بل هو عقبة كبيرة
.

-
أمام ماذا ؟

-
أمام ولوجك أبواب السماء
!

و حدجني زوربا بنظرة ساخرة و هو يقول
:

-
إنه هو الذي يمكنك اعتباره مفتاح السماء !

ثم رفع رأسه و حدق بي كأنه يريد معرفة رأيي
بالحياة التالية ، و بملكوت السماء
، و النساء و النساك ، لكنه
لم يتمكن من الوصول إلى شيء فهز رأسه الضخم و استطرد

:

-
إن الخصيان لا يدخلون السماء
.

ولاذ بالصمت ، فذهبت إلى مقصورتي و أخذت كتاباً و أخذت أقرأ ..

و في صباح اليوم التالي استيقظتُ مبكراً ، و كانت
الجزيرة
قد أصبحت عن يميننا ، تلك الجزيرة الكبيرة المزهوة المتوحشة ، و الجبال
الوردية
الشاحبة تبدو كأنها تبتسم من خلال ضباب شمس الخريف ، و من حول المركب كان
البحر
الأزرق ما يزال ثائرا مهتاجاً
.

و كان زوربا الملتحف بغطائه الرمادي ينظر محدقا إلى جزيرة كريت ، و
عيونه تنتقل من الجبل إلى السهل و تتبع الشاطئ و تتفحصه ، كأنه
قد شاهد جميع هذه
الأراضي و البحار مرات سابقة و هو يتمتع برؤيتها ثانية ، و دنوت
منه واضعا يدي على
كتفيه قائلاً
:

-
زوربا ، أعتد أنها ليست المرة الأولى التي تأتي فيها إلى كريت ،
فأنت تحدق بها كأنك صديق قديم
.

و تثاءب زوربا ، كأنه ضجر
،
و شعرت أنه لا يميل إلى الحديث الآن ، فابتسمتُ و قلت له

:

-
إن الحديث يضجرك
،
أليس كذلك يا زوربا ؟


-
ليس هذا بالضبط ، أيها الرئيس ، لكن الكلام صعب .

-
صعب ؟ و لماذا ؟!

و لم يجبني على الفور ، و أجال بنظره إلى الشاطئ
مرة أخرى ،
لقد نام ليلته على ظهر المركب و كان شعره الرمادي المجعد يقطر بالندى ، و
كانت
الشمس المشرقة تضيء التجاعيد في وجهه و رقبته ، و حرك شفتيه أخيرا و هو
يقول
:

-
في الصباح أجد صعوبة في فتح فمي ، صعوبة كبيرة ،
اعذرني
.

و مرة أخرى راح في
صمتٍ عميق و عاد ينظر إلى كريت . و رن جرس طعام
الإفطار ، و ظهرت الوجوه من
المقصورات ، نساء مترنحات و شعورهن متدلية تفوح منهن روائح القيء الممزوج
برائحة
الكولونيا ، و أعينهن مذعورة بلهاء . و كان زوربا يجلس أمامي و هو يشرب
فنجان
القهوة و يغمس قطعة الخبز التي مسحها بالزبدة و العسل ، ثم يأكلها ، و أشرق
وجهه
بعد ذلك و اطمأن قليلا و بدا فمه كأنه أصبح مرنا ، ثم أشعل سيجارة و راح
يستنشق
أنفاسا و هو على أشد ما يكون من التلذذ ، و لاحظت أنه أصبح مستعدا للحديث و
من ثم
راح يقول :

-
هل هذه هي المرة الأولى التي آتي بها إلى كريت ؟

ثم أغمض عينيه
قليلا ، ثم راح ينظر إلى جبل ابرا الذي كان ممتدا
وراءنا ، و استطرد قائلاً
:

-
كلا إنها ليست المرة الأولى ففي عام 1896 أصبحت
رجلا ناضجا تماما و كان شاربي و
شعري لا يزالان بلونيهما الحقيقيين و كنت لا أزال في مقتبل العمر ، و كنت
حين أسكر
ألتهم المقبلات أولا ثم الطعام ، نعم ، فقد استمتعت إلى أقصى حدود
الاستمتاع ، لكن
الشيطان تدخل أيضا فقد نشبت الثورة في كريت . في تلك الأيام كنت بائعا
جوالا ، و
كنت أبيع الخضراوات متنقلا من قرية إلى قرية في مقدونيا و عوضا عن المال
كنت أستبدل
ما أبيعه بالجبنة و الصوف و الزبدة و الأرانب و الذرة ، ثم أعود و أبيع هذه
الأشياء
و أكسب ربحا مضاعفاً ، ففي كل قرية أحلها ليلا ، أعلم أين أنام ، ففي كل
قرية كنت
أجد قلب أرملة رحيمة عطوف ، و كنت أقدم لها مشطا أو مكبا من الخيطان أو
وشاحاً ،
أسود اللون بسبب المرحوم ! و أنام معها بعد ذلك ! و لم يكن ذلك يكلفني
كثيراً
.. كلا ، لم تكن تكلفني كثيرا ، أيها الرئيس ، و لكن كما قلت سابقا لقد تدخل
الشيطان و
هبت كريت لتحمل السلاح ، و قلت لنفسي لتذهب بمصيرها إلى الجحيم ! ألا تقدر
هذه
الكريت اللعينة أن تتركنا بسلام ؟ ثم وضعت جانبا أمشاطي و حملت بندقيتي و
توجهت
للانضمام للثوار في كريت .

و صمت زوربا ، فقد بدأنا نسير إلى خليج مستدير
رملي ،
و كانت الأمواج تنتشر بهدوء دون أن تتكسر ، تاركة خيطا رفيعا من الزبد على
طول
الشاطئ ، و انقشعت الغيوم و تألقت الشمس و لاحت أطراف الجزيرة بوضوح ، و
التفت
زوربا نحوي و حدجني بنظرة ساخرة
:

-
و الآن ، أعتقد أيها الرئيس أنك تتصور بأني سأخبرك كم رأسا تركيا
قطعت و كم أذنا قد وضعت في الكحول ، فهذه هي العادة في كريت ،
حسنا .. و لكني لن
أفعل ، فأنا لا أحب أن أفعل ذلك لأني أخجل منه ، ما هذا الجنون ؟
و اليوم بعد أن أصبح
عقلي راجحا صرت أسائل نفسي قائلا : ما هذا الجنون الذي تملكنا
لكي نلقي بأنفسنا على
رجل آخر لم يؤذنا بشيء ثم نعضه و نقطع أنفقه و نمزق أذنيه ، و
في الوقت نفسه نطلب من
الله العظيم أن يساعدنا ! فهل هذا يعني أننا نطلب من الله أن

يذهب معنا ليقطع آذان البشر و أنوفهم ؟ و لكن في
ذلك الوقت ، كان دمي لا يزال حارا
في عروقي ، و ما كان باستطاعتي الوقوف و التساؤل و التفحص ، إذ يجب على
المرء لكي
يفكر بدقة و عدل أن يكون هادئا مسناً دون أسنان ! فعندما يكون المرء عجوزا
لا أسنان
له ، فباستطاعته القول بسهولة تامة " لعنكم الله أيها الأولاد ، فمن
العيب أن تعضوا
" و لكن حين تكون له أسناني الاثنين و الثلاثين .. يكون الإنسان متوحشا
كالحيوان
.. نعم ، أيها الرئيس ، كالحيوان المفترس آكل لحوم البشر
.

و هز رأسه ثم قال
:

-
و هو يأكل الخراف أيضاً ، و الدجاج و الخنازير ، و
لكنه إذا لم يأكل لحم البشر تبقى
معدته خاوية ، كلا .. إن معدته لا تكتفي ، و الآن ما لديك من أقوال ؟!

و لكنه لم
ينتظر الجواب ، بل أكمل قوله و هو يحدق بي :

-
ماذا يمكنك أن تقول ، فكما أرى ، إن سيادتك لم تشعر
بالجوع مطلقاً ، و لم تقتل أبدا ، و لم تسرق و لم تزنِ ، ماذا
تعرف من هذا العالم ؟
إن عقلك بريء ، و جلدك لم ير أشعة الشمس

.

قال جملته
الأخيرة بكثير من الاحتقار ، مما جعلني أشعر
بالخجل من يدي الناعمتين و وجهي الشاحب

و حياتي الخالية من لطخات الدم و الوحل ، ثم قال و
هو يمسح بيده الخشنة على الطاولة
:

-
حسنا ، حسنا ، فهناك ما أود أن أسألك إياه فلا بد
أنك قرأت مئات الكتب ،
فربما تعرف الجواب .

-
هيا ، قل لي يا زوربا ، ما هو ؟

-
إن هنا ثمة معجزة
تحدث ، أيها الرئيس ، معجزة مضحكة تحيرني ، إن كل
هذه الأعمال ، هذه الخدع القذرة و
السرقات و المذابح التي نقوم بها
نحن الثوار – كل هذه جاءت بالأمير جورج إلى كريت ، الحرية
!

ثم نظر إلي بعينين ملؤهما الدهشة :

-
إنها أحجية عظيمة ، فإذا
أردنا الحصول على الحرية في هذا العالم القذر يجب
أن نقوم بهذه الجرائم ، و هذه
الخدع القذرة ، أليس كذلك ؟ أقول ، إذا أخبرتك عن كل هذه الجرائم المريعة

لوقف
شعر رأسك ! و لكن ما هي نتيجة كل ذلك ؟ الحرية !
فبدلا أن يزيلنا الله تعالى بصاعقة
من عنده يمنحنا الحرية ! إني لا أفهم حقاً
..

و نظر إلي كأنه يطلب العون مني ، و قد لاحظت أن هذه
المعضلة قد شغلته و آلمته و لم يتمكن من كشف سرها ، ثم سألني بقلق
:

-
هل فهمت ؟!

ماذا أفهم ! و ماذا أقول له ؟ فإما هذا الذي ندعوه
إلها غير
موجود ، أو أن تكون هذه التي ندعوها جرائم و اغتيالات ضرورية للكفاح من أجل
حرية
العالم ، و حاولت أن أجد له طريقة أسهل لأشرح له الأمر .

-
كيف تستطيع الزهرة أن
تنمو و تعيش وسط السماد و القذارة ؟ افترض يا
زوربا لنفسك أن هذه الأقذار هي
الإنسان و أن الزهرة هي الحرية
.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:57 pm

و لكن البذرة ؟

صاح زوربا و هو يضرب
الطاولة بقبضة يده و يقول
:

-
لكي تنبت الزهرة يجب أن يكون هناك بذرة ، من هو الذي وضع بذرة كهذه في
جوفنا ؟ و لماذا لا تنبت البذرة هذه زهور لطيفة شريفة ؟

لماذا تحتاج إلى الدم و الأوساخ ؟

فهززت رأسي قائلا
:

-
لا أعلم

-
و من
يعلم ؟

-
لا أحد
.

و صاح زوربا في يأس
:

-
إذا ماذا تنتظر مني أن أفعل
بالقوارب و المحركات و ربطات العنق ؟!

و تململ اثنان من المسافرين الذين كانوا يحتسون القهوة على
مائدة مجاورة و رهفوا آذانهم لسماع ما نقوله ، و اشمأز صديقي

منهم و قال لي بصوتٍ خفيض
:

-
لنغير الموضوع ، فعندما أفكر في ذلك أشعر برغبة في تحطيم كل ما تقع عليه
يدي من كراسي أو قناديل أو حتى ضرب رأسي بالحائط ، و لكن ما

الفائدة من كل هذا ؟ فسأضطر إلى دفع ثمن ما حطمته
، ثم أضطر للذهاب إلى الطبيب
ليربط لي رأسي ، فهذا أسوأ بكثير ، فسينظر إلي من أعالي السماء و ينفجر
بالضحك
.

و حرك يده فجأة كأنه يريد أن يتخلص من ذبابة مزعجة
، ثم قال
:

-
لا بأس ،
فكل ما أردت أن أقوله لك هو : عندما جاءت المركبة
الملكية و هي مزدانة بالأعلام و
ابتدأ إطلاق المدافع ، و حين وضع الأمير رجله على أرض كريت .. هل سبق لك أن
رأيت
شعبا بأسره يصبح مجنونا لأنه رأى حريته ؟ كلا ؟ آه ، أيها الرئيس ، إذن فقد
خلقت
أعمى ، و ستموت أعمى ، فإذا قدر لي أن أعيش ألف سنة حتى لو أن كل ما تبقى
مني عبارة
عن قطعة لحم حية ، فلن أنسى ما رأيته ذلك اليوم ! و إذا كل واحد منا قدر له
أن
يختار جنته في السماء حسب ذوقه – و هذا ما يجب أن نكونه ، فهذا ما أدعوه
جنة
سأقول للإله العظيم " يا إلهي ، لتكن جنتي جزيرة كريت المملوءة
بالأعلام و الزينات
، و دع هذه اللحظة التي وطأت
بها أقدام الأمير جورج أرض كريت تستمر قرونا طويلة

!
فهذا يكفي
"

و عاد زوربا إلى الصمت مرة أخرى ، و رفع شاربه ،
ثم ملأ كأسا من
الماء البارد و شربها دفعة واحدة
:

-
ماذا جرى في كريت يا زوربا ، أخبرني !

و قال لي منزعجاً :

-
هل سنعود إلى العبارات الطويلة ؟ أنظر ، أقول و
أكرر لك أن
هذا العالم غامض جدا و الإنسان ليس إلا وحش كاسر
.

وحشٌ عظيمٌ و إله ، حارس أسود ثائر ، جاء معي من
مقدونيا ، اسمه يورغا و كان يدعونه " المجرم " خنزير شرس ، و هل
تعلم .. لقد بكى ، و
قلت له و عيوني تترقرق بالدمع " لماذا تبكي أيها الكلب ؟ لماذا
تبكي أيها الخنزير ؟
" و لكنه لم يجب ، لم يكب ، بل ألقى بيديه حول عنقي و راح يبكي
كالأطفال ، ثم تناول
محفظته و وضعها على حجره بعد أن أفرغ منها القطع الذهبية التي
نهبها من الأتراك ثم
ملأ قبضته بالقطع و ألقى بها في الهواء ، أرأيت .. أيها الرئيس
، هذه هي الحرية
!

و نهضت إلى ظهر المركب لأستنشق هواء البحر ..
" هذه هي
الحرية " فكرت بنفسي ، تهوى ثم تجمع قطعا من الذهب ، و فجأة تتغلب على
تلك العاطفة
فتتمسك بكنزك و تلقي به أدراج الرياح لتحرر نفسك من عاطفة معينة و تأخذ
بعاطفة أسمى
، أليست هذه هي نوعا آخر من العبودية ؟ لتضحي بنفسك
من أجل فكرة معينة ، من أجل عرق
ما ، لله ؟ أم أن كلما ارتفع الرمز طال حبل العبودية ؟ عندئذ يمكننا
الاستمتاع و
اللهو في أرجاء أوسع و نموت دون أن نصل إلى نهاية الحبل ، هل هذا ما ندعوه
الحرية
؟!

و عند المغيب شارفنا الشاطئ الرملي و رأينا أخيرا
الرمال البيضاء الصافية و
أشجار الخرنوب و التين ، و التل الصغير الأجرد الذي يشبه وجه امرأة تستريح
، و تحت
ذقنها و حول رقبتها تمر عروق الفحم الرمادية
.

كانت نسمات الريح الخريفية تهب ، و الغيوم المتقطعة تمر
في السماء لتغلق الأرض بالظلال ، و غيوم أخرى كانت تنظر و

تهدد الشمس التي احتجبت وراءها ، و وجه الأرض يضيء
و يظلم كوجه حي منزعج
.

و توقفت للحظة على الرمل و نظرت ، كانت الوحدة مجسمة أمامي ، وحدة مميتة و
لكنها
مدهشة ، كالصحراء ، و برزت أغنية البوذيين من الأرض و تلمست طريقها إلى
أعماق نفسي
" متى سأنزوي في الوحدة أخيرا ، لوحدي ، دون رفاق ، و بدون فرح أو بدون حزن ،
و
بالتأكيد مقدس أن كل شيء ليس إلا حلما ؟ متى ، و في أسمالي البالية – دون
رغبات
سأنزوي مكتفيا في الجبال ؟ و متى ، و أنا متبين أن جسدي ليس إلا مرضا و
جريمة ، و
حياة و موت ، حرا دون خوف و بسعادة ، سأعتزل إلى الغابات ؟ متى ؟ متى ؟ آآه
.. متى
؟
"

و تقدم زوربا نحوي و هو يحمل السانتوري تحت ذراعيه
، بخطى قلقة ، فقلت له
محاولا إخفاء قلقي :

-
هناك مناجم للفحم
!

و دون أن ينظر إلى حيث أشرت أجابني بهزة من رأسه ..

-
فيما بعد ، فهذا ليس الوقت لذلك أيها الرئيس ، يجب
أن ننتظر
حين تقف الأرض ، إنها لا تزال تموج و ليأخذها الشيطان ، كظهر المركب ، تعال .. لنذهب إلى القرية .

و بهذه الكلمات تقدم بخطى طويلة محاولا إنقاذ وجهه
، و تراكض
اثنان من الصبية الأشقياء ليحملا الحقائب ، و في الكوخ ، حيث نقطة الجمرك ،
جلس أحد
الموظفين يدخن ( الحُقة ) و حدجنا بطرف عينه بنظرات ثاقبة ، ثم ألقى نظرة
سريعة على
الحقائب و تحرك قليلا كأنه يريد الوقوف لكنه وجد أن ذلك سيأخذ منه كثيرا من
المشقة
، و اكتفى بأن أشار إلينا قائلاً " أهلا بكم
" ، و تقدم أحد الصبية و قال لي بلهجة

ساخرة
:

-
إنه ليس كريتيا ، إنه شيطان بليد .

-
أليس الكريتيين شياطين بلداء
؟

فقال الكريتي الصغير
:

-
إنهم كذلك ، نعم ، إنهم كذلك .. و لكن بطريقة مختلفة .

-
هل القرية بعيدة ؟

-
على بعد طلقة بندقية من هنا ، أنظر ، وراء البساتين في الوادي ،
إنها قرية جميلة ، يا سيدي تحوي الكثير من كل شيء ، شجر خرنوب
، لوبياء ، زيت ، نبيذ ، و هناك على الرمال نبت
الخيار مبكرا كذلك البطيخ ، إن هواء
أفريقيا هو الذي ينضجها باكراً ، فإذا ما نمت بأحد البساتين فإنك تسمع صوت
طقطقتها
و هي تنضج و تكبر .

كان زوربا يتقدمنا و رأسه ما يزال مترنحا ، فصحت
به قائلاً
:

-
ارفع رأسك يا زوربا ، لقد اجتزنا المخاطر الآن ، و
لم يعد هناك من داعٍ
للخوف .

و تقدمنا مسرعين ، و كانت الأرض مملوءة بالرمال و
الصدف ، و هنا و هناك
نجد بعض أشجار التين ، كان الجو ثقيلا ، و الغيوم تتجمع و تقترب و الريح
تهدأ ، و
اقتربنا من شجرة تين ضخمة ، فتوقف أحد الولدين و أشار إلى الشجرة و هو يقول :

-
هذه شجرة التين خاصة سيدتنا الصغيرة .

و فوجئت بكلمته ، فقد كانت لكل شجرة أو صخرة في أرض كريت قصة
محزنة
:

-
و لماذا تدعى كذلك ؟

-
في الأيام الماضية ،
أيام أجدادنا ، وقعت إحدى البنات من الأعيان في
غرام أحد الرعاة الشباب ، لكن
والدها لم يكن موافقا ، و راحت الابنة تبكي و تصرخ و ترجو والدها الذي لم
يلين ، و
في أحد الأيام اختفى الشابان و ظلوا يبحثون عنها يوما ، و يومين ، و ثلاثة
، و
أسبوعا ، و لكن دون جدوى ، و أخيرا فاحت رائحة العفونة فتتبعوها فوجدوا
العاشقين
تحت شجرة التين ، متعانقين متعفنين ، هل تفهم ؟ لقد عثروا عليهما بسبب
رائحة
العفونة .

و انفجر الصبي بضحكة مجلجلة ، و تناهت إلى أسماعنا
ضوضاء القرية
البعيدة ، و سمعنا أصوات نباح الكلاب و صياح النسوة و الديوك ، و شممنا
رائحة العنب
من القدور الذي كان العرق يقطر منها
..

-
هذه هي القرية
.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:58 pm

و ما إن اقتربنا من التلة الصغيرة حتى لاحت لنا
القرية الصغيرة و بنات لنا كأنها تتسلق سفح الوادي ،
كانت البيوت الصغيرة متجملة ،
متلاصقة ، نوافذها كأنها بقع سودا ، فالبيوت كانت
مبنية من الكلس الأبيض الناصح و
الحجارة ، و لحقت بزوربا وقلت له
:

-
لا تنس
،
يا زوربا ، أن تتصرف بلياقة فقد دخلنا إلى القرية الآن ، و لنتصرف
كرجال الأعمال ،
فأنا المدير و أنت ناظر العمال ، إن الكريتيين لا يأخذون
الأمور بسهولة فما أن تقع
أعينهم عليك حتى يبحثوا عن شيء ظاهر بك و يطلقوا عليك لقبا
معينا ، حيث لا يمكنك
بعد ذلك التخلص من هذا اللقب ، و ستجري كالكلب الذي لحقت
بذيله مقلاة
.

و أمسك زوربا بشاربه و غاب في
التأملات ، و أخيرا قال
:

-
اسمع ،
أيها الرئيس ، إذا
كانت هناك أرملة في القرية فلا لزوم للخوف ، و إذا لم يكن ..

و في
هذه اللحظة و
ما إن دخلنا إلى القرية تقدمت منا امرأة فقيرة بأسمال بالية
و مدت يدها نحونا ، و
لاحظت أن لها شاربا أسود ، و صاحت بزوربا كأنها تعرفه :

-
مرحى
يا أخ ، هل لك
روح أيها الأخ ؟

و توقف
زوربا و أجابها
:

-
نعم
لدي
.

-
إذاً
أعطني خمس
درخمات .

و
نفحها بشيء من المال قائلا " خذي " ، افترت شفتاها عن ابتسامة حريرية
، و أضاف زوربا قائلا :

-
إن
الحياة هنا ليست غالية على ما أظن ، أن الروح تساوي
خمسة درخمات .

و
اقتربنا نحو ساحة القرية فرأينا مقهى كتب على مدخله " مقهى
الحشمة ، و دكان اللحام
" .

-
و
لماذا تضحك ؟
!

سألني
زوربا ، لكنني لم أجد
وقتاً لأجيبه ، فقد خرج من باب الدكان هذا خمسة أو ستة عمالقة

يرتدون
سراويل
زرق لها أحزمة حمراء و صاحوا بنا :

-
أهلا
بالأصدقاء ! تفضلوا بالدخول و خذوا
كأسا من العرق ، إنه لا يزال حارا من القدور .

و لعق
زوربا لسانه و قال
:

-
ما
رأيك أيها الرئيس ؟ هل نشرب كأسا ؟


و
شربنا كأسا أحرق أمعاءنا ، و قدم إلينا
صاحب المقهى / اللحام ، و هو رجل
عجوز جليل ، كرسيين ، فسألته عن مكان نأوي إليه و
صاح أحدهم :

-
اذهبا
إلى مدام هورتنس
.

و
تساءلت بدهشة
:

-
هل هي
فرنسة
؟

لقد
جاءت من مكان لا يعلم إلا الشيطان ما هو ، لقد طافت في جميع الأرجاء ثم
استقرت هنا و أسست فندقا
صغيرا
.

و قال
أحد الأولاد
:

-
و هي
تبيع الحلوى
أيضاً !

ثم
أضاف أحدهم
:

-
و هي
تتزين و تصبغ وجهها أيضا ، و تضع شريطة حول
عنقها ، و لديها ببغاء .

و هتف
زوربا
:

-
و هل
هي أرملة ؟


و قال
له صاحب
المقهى :

-
كم هو
عدد السكارى هنا أيها الصديق ؟ إنها أرملة لعدد كبير من
الأزواج ، هل فهمت ما أقصد ؟

-
نعم
فهمت
.

أجاب
زوربا و هو يلعق شفتيه
.

-
و
يمكنها أن تجعل منك أرملا


-
انتبه
أيها الصديق
!

صاح
أحد الرجال و ضحك
الآخرون ، و تقدم صاحب المقهى حاملا صينية عليها الخبز و
الجبن و هتف قائلا
:

-
هيا ،
دعوهما و شأنهما ، و سوف أستضيفهما عندي
.

-
كلا ،
أنا سأستضيفهما ، فأنا
ليس عندي أطفال و بيتي كبير .

و أجاب
صاحب المقهى و هو ينحني فوق الرجل و يقول
:

-
أرجو
المعذرة ، أيها العم انانيوستي ، فأنا سبقتك بالكلام
.

-
إذن خذ الآخر ، و سآخذ أنا العجوز .

و صاح
زوربا غاضباً
:

-
أي
عجوز ؟
!!

و قلت له و أنا أهدئ من روعه

-
لن
نفترق ، و سنذهب لعند مدام هورتنس
.

كانت
امرأة
بدينة قصيرة القامة ، شعرها باهت اللون ، تتلوى في مشيتها ، مادة
ذراعيها ، و على
ذقنها خال تتدلى منه شعيرات طويلة ، و كانت تربط حول عنقها
شريطة حمراء ، و خدودها
المجعدة مصبوغة بلون بنفسجي ، و قالت لنا مرحبة :

-
أهلا ،
أهلا و سهلا
.

و أجبتها ببشاشة و أنا أقبل
يدها
:

-
كم أنا
سعيد بمعرفتك يا مدام هورتنس ، إنا
نريد سريرين يا سيدتي .. دون قمل .

-
أوه ،
بدون قمل ؟ لا أعتقد ذلك ، ليس هنا
من قمل على الإطلاق .

و
تقدمتنا و هي ترفس الحجارة بقدمها القصيرة المكتنزة ، و
كانت تلبس جواربا زرقاء و ضخمة و
تنتعل حذاءين مشقوقين عليها عقدة صغيرة من الحرير
و لحق بها زوربا و عينيه تكاد
تأكلانها
!

-
أنظر ،
أنظر أيها الرئيس ، كيف تتلوى
في مشيتها كالنعجة ذات الإلية المشحمة .

و عض
زوربا على شاربه بعصبية و عيناه
مسمرتان على أرداف السيدة و قال :

-
همم ،
إن هذه الحياة ملأى بالعهر
..



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 4:59 pm

الفصل الثالث




كان فندق مدام هورانتس عبارة عن صف من أكواخ
الحمام القديمة جمعت مع بعضها البعض
. أما الأولى فكانت دكانا لبيع الحلويات , و السكاير , والفستق عبيد ,
والشموع
, والعلكة , وأربع غرف – أو أكواخ – متلاصقة تألفت منها غرف النوم . وفي
الخلف كان
المطبخ , وغرف الغسيل , و قن الدجاج والأرانب . وكان عيدان القصب الكثيفة
مغروسة
حول المكان في الرمل الناعم . وكانت رائحة البحر تعبق بالمكان بالإضافة إلى
روائح
( البراز و البول ) . لكن الرائحة تتغير حين تمر مدام هورانتس بين وقت وآخر ,
وكأن
احدهم افرغ طشتا للحلاق تحت أنفك
.

وما إن جهزت لنا الغرف والسرائر حتى انطرحنا عليها دون حراك ولم
نستيقظ إلا في صباح اليوم التالي
.

كان اليوم الأحد والعمال
سيصلون في الغد من القرى المجاورة ليبدأوا العمل
في تمام التاسعة لذلك فقد ترك لي
بعض الوقت لأقوم بجولة على الشاطئ الذي ساقتني إليه الأقدار . كان الفجر
يكاد يلوح
حين خرجت . فذهبت في سبيلي مارا , بالبساتين , متتبعا حافة البحر , متعرفا
إلى
الأرض والهواء .

وصعدت إلى تله مجاورة , وأجلت نظري إلى منظر
الصخور الغرانيتية
والكلسية القاسية , وأشجار الخروب القاتمة , وأشجار الزيتون الفضية وأشجار
التين
والدوالي . د

كان هذا المنظر , كما بدا لي , شبيها بالنثر الجيد
, المصوغ بعناية
فائقة , بسيطا , خاليا من الزخارف
المصطنعة , قويا , صارما . لقد كان معبرا عن كل ماهو ضروري بطريقة
سهلة . انه لم يكن متباهيا ولم يكن متصنعا , فهو ينطق بكل شيء
بطريقة قاسية صارمة .
لكن الليونة كانت متبدية من خلال أشجار البرتقال والليمون

التي كانت تعطر الهواء برائحتها الذكية . ومن بعيد
كان البحر الخالد يبدو كالشعر
الذي لا ينفذ .

-
كريت . كريت


قلت متمتما لنفسي وقلبي ينبض بالبهجة !!!

ونزلت من التل الصغير , ورحت امشي قريبا من ماء
البحر . فرأيت صبايا صغار
يسرن في طريقهن إلى الدير لسماع القداس عند شاطئ البحر .

وما إن ظهرت لهن حتى
توقفن عن المسير , وأصبن برعب شديد , وتشبثن
ببعضهن البعض , وعلمت فيما بعد أن رؤية

رجل غريب كانت تخيفهن , فعلى طول الساحل الكريتي
كان القراصنة في القرون الغابرة
يقمن بغزوات مفاجئة , ويخطفون النساء والأطفال , ويربطونهن بأحزمتهم
الزرقاء
الغليظة ويلقون بهن في السفينة ويبيعوهن في الجزائر , والإسكندرية , وبيروت .

ورحت انظر إليهن مبتسما بعد أن تكاتفن مع بعضهن البعض
وسرن كالطود المرصوص
, واقتربن مني وأضاءت وجوههن بالاطمئنان وتابعن مسيرهن بعد أن ألقيت عليهن
تحية
الصباح .

وأشرقت الشمس عن سماء صافية , وجلست بين الصخور
أتأمل البحر أمامي
. وشعرت بالقوة تدب في جسدي . ورحت أجول بمخيلتي كالموج الهادر أمامي مطاوعا
خاضعا
دون مقاومة لنغمات البحر .

وشعرت بالانقباض , وانطلقت من أعماقي أصوات متضرعة . وعلمت الذي يدعوني . فأينما أكون بمفردي كنت اشعر بثمة نداءات تطلبني ,
والمخاوف
تنتابني ... وفجأة سمعت صوت رفيقي زوربا يناديني من الخلف , فاستدرت لأجده
منتصبا
وهو يضحك ويقول :

-
لقد بحثت عنك منذ ساعات , ولكن كيف أستطيع مشاهدتك
في هذا
المخبأ ؟

ولم اجبه على تساؤله , استطرد قائلا :

-
لقد مضى نصف اليوم
,
والدجاجة المطبوخة قد نضجت , وستذوب المسكينة بعد
قليل
.

-
نعم اعرف ذلك , ولكني
لا اشعر بالجوع
.

-
لا تشعر بالجوع !! ولكنك لم تأكل شيء منذ الصباح ,
إن في
جسدا روحا , ويجب أن تشفق عليها , أعطها شيئا لتأكله , أيها الرئيس , أعطها
شيء
فإذا لم تطعمها تركتك في نصف الطريق
.

لقد احتقرت ملذات الجسد منذ سنين , ولو كان ذلك ممكنا لأكلت
في الخفاء , كأني أقوم بعمل مخجل , وقلت لزوربا كي لا يثرثر

.

-
حسنا , سآت
.

وذهبا إلى القرية بعد أن مرت الساعات الطوال بين
الصخور
وكما تمر الساعات بين العشاق كالبرق الخاطف . وسألني زوربا مترددا :

-
هل كنت
تفكر بالمنجم ؟

-
وهل تعتقد أني كنت أفكر بسواه ؟ ففي الغد سنبدأ
العمل , لذلك
يجب أن أقوم ببعض الحسابات .

-
وما هي نتيجة الحسابات ؟

-
بعد ثلاثة اشهر يجب
أن نستخرج عشرة أطنان من الفحم لنغطي مصاريفنا .

ونظر إلي زوربا بشوق وقال
:

-
وما أخذك إلى الشاطئ لتقوم بتلك الحسابات , بحق
الشيطان ؟ أرجو المعذرة أيها
الرئيس لسؤالي هذا , ولكني لا افهم , فعندما اضطر إلى مقارعة الأرقام ,
اشعر باني
بحاجة إلى أن احشر نفس في جوف الأرض كي لا أستطيع مشاهدة احد , فإذا رفعت
نظري
ورأيت البحر , أو شجرة , أو امرأة , حتى لو كانت عجوز عند ذلك تطير جميع
هذه
الأرقام وسأضطر إلى مطاردتها .

-
ولكنها غلطتك أنت يا زوربا , فأنت لا تستطيع التذكير .

-
ربما تكون على حق , أيها الرئيس , فهذا يتوقف على
نظرتك للأمور
. فهناك حالات لا يتمكن حتى سليمان الحكيم .... اسمع , ففي ذات يوم بينما كنت
مارا في
قرية صغيرة , رأيت رجلا عجوزا يبلغ التسعين من العمر يزرع شجر اللوز فقلت
له : " هل
تزرع أشجرة لوز يا جدي ؟ " والتفت إلي وقال : " يا بني , أنا
اعمل كأني لن أموت
أبدا , واعمل كأني سأموت في أي لحظة . " والآن من كان منا على صواب ,
أيها الرئيس
؟

ونظر إلي نظرة المنتصر وقال
:

-
والآن , لقد أحرجتك
!!

وبقيت ملتزما
الصمت , فهناك ممران متساويان قد يؤديا إلى القمة
نفسها , أن تعمل كأن الموت غير
موجود , و أن تعمل متوقعا الموت في أية لحظة , هما أمران ربما كانا
متشابهين , ولكن
عندما سأني زوربا هذا السؤال لم استطع الإجابة عليه على التو . وقال لي
زوربا هازئا
:

-
حسنا ! لا بأس . لا تغضب أيها الرئيس فلن تستطيع
المجادلة ولنتكلم عن أشياء
أخرى . فانا الآن أفكر بالدجاجة و الأرز . لنأكل الآن . ومن ثم نر , فلكل
شيء وقته
المحدد . الآن أمامنا الأرز , فلنفكر به , وغدا سيكون المنجم أمامنا وسنفكر
بأمره
أيضا .

وعند المقهى المجاور رأينا شيخا يبدو عليه الأسى
يقف بانتظارنا . انه
مافراندوني كبير رجال القرية الذي أجرنا المنجم , لقد جاء في الليلة
الماضية إلى
مدام هورانتس ليأخذنا إلى بيته وقال لنا
:

-
انه من العار أن تظلا في الفندق , كأنه لا يوجد رجال في القرية !

لقد كان متأثرا , وكلماته كانت متزنة متناسقة مع مركزه المحترم في
القرية . وعندما رفضنا طلبه شعر بالاستياء لكنه لم يلح . وقال لنا
وهو يغادر الفندق :

-
لقد قمت بواجبي وانتم أحرار
.

وبعد قليل أرسل لنا شيئا
من الجبن , وسله فواكه , وجرة من العرق , وقد قال
لنا الخادم الذي احضرها
:

-
مع تمنيات الكابتن مافراندوني . إنها ليست كثيرة , كذلك أوصاني أن أخبركما ,
لكن القد
منها حسن !

واقتربنا منه والقينا عليه التحية , وأجابنا واضعا
يده على صدره
:

-
أتمنى لكما حياة طويلة
.

وتمتم زوربا معلقا
:

-
انه لا يحب كثرة
الكلام , ويبدو بوقفته كالقضيب العجوز .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:00 pm

لكنه فخور بنفسه , انه
يعجبني
.

وما إن رأتنا مدام هورانتس , حتى صاحت مرتبكة
وهرولت إلى المطبخ , وأسرع زوربا
إلى وضع الطاولة على الشرفة تحت ظل الدالية , وجاء بالخبز وقطعه قطعا صغيرة
, واحضر
النبيذ , ثم نظر إلي بعد أن انتهى من إعداد الطاولة لثلاثة أشخاص وقال :

-
هل رأيت أيها الرئيس ؟

-
نعم رأيت أيها الفاسق
!

-
إن الطيور العجائز التي تصلح
للشواء ! وخذها نصيحة مني
!!

وراح يدمدم بأغاني الحب القديمة وهو يهرع متمما تجهيز المائدة .

-
هكذا يجب أن نعيش أيها الرئيس , يجب أن نستمتع بكل
دقيقة
نعيشها , إني اعمل أشياء كأني سأموت بعد دقيقة . وأنا أسرع بذلك كي لا
يدركني الموت
قبل أن احصل على العصفور .

وسمع صوت مدام هورانتس : " إلى المائدة " .

وقدمت
إلينا القدر , ثم وقفت مشدوهة , فقد رأت الصحون
ثلاثة , ورمقها زوربا وقد علا وجهها
الاحمرار الشديد ولمعت عيناها الصغيرتان
.

وهمس زوربا قائلا
:

-
لقد بدأت
تشعر بالحرارة تدب فيها
.

ثم نظر إليها وقال لها بكثير من اللياقة والأدب :

-
يا جنية الأمواج الجميلة , لقد غرقت سفينتنا وألقى
بنا البحر في مملكتك
. أرجو أن تشرفينا , يا عروسة البحر الجميلة , وتشاركينا الطعام .

وفتحت الغانية
العجوز ذراعيها وضمتهما إلى صدرها , كأنها تريد أن
تضمنا نحن الاثنين إليها , ثم
تمايلت بعظمة ولامست زوربا ولامستني وأسرعت عائدة إلى غرفتها , وظهرت بعد
قليل
ترتدي أجمل ما لديها من ثياب : فستانا مفتوحا عند الصدر , وضعت عند الصدر
وردة
متألقة !! وأحضرت معها قفص الببغاء الذي علقته على غصن الدالية أمامنا .
وبعد أن
أجلسناها بيننا , رحنا نلتهم الطعام التهاما , دون أن ننبس بكلمة واحدة .
فقد كان
الحيوان داخلنا يأكل ويتغدى ويشرب الخمر , والطعام الذي نزوده يتحول بسرعة
إلى دم
, والعالم من حولنا يبدو أجمل , والسيدة التي تتوسطنا بدأت تبدو اصغر في كل
لحظة
والتجاعيد في وجهها بدأت تزول وتمحى .... وكان الببغاء المعلق على الشجرة ,
ينظر
إلينا كأنه رجل غريب قد سحره هذا المنظر
...

وكانت عينا زوربا تدور في محجريهما , ثم فتح ذراعيه كأنه يريد أن يعانق العالم كله ثم صاح بي مدهوشا .

-
ماذا جرى
,
أيها الرئيس ؟ فما إن نشرب كأسا من النبيذ حتى
يبدو العالم وقد فقد صوابه . ومع ذلك

فالحياة كلها خمر ونبيذ . قل لي , بشرفك , هل هذه
عناقيد متدلية فوق رؤوسنا ؟ أو هي
ملائكة ؟ لا اعلم . أم ترى ليست شيئا على الإطلاق , ولا شيء موجود , لا
الدجاجة
, ولا عروسة البحر , ولا كريت ! قل لي أيها الرئيس , تكلم كي لا أفقد عقلي ....

ولاحظت أن زوربا بدأ يشعر بالفرح . لقد شبع من
الدجاجة , و راح ينظر إلى
مدام هورانتس . كانت نظراته تغتصبها , وتصعدان إلى جسدها وتدخلان إلى صدرها
المنتفخ
وتتحسسانه وكأنهما يدان . وكانت عينا السيدة الصغيرة تلمعان من السرور ,
فقد بدأت
تستمتع بعد أن أفرغت عدة كؤوس من النبيذ . وبدا كأن شيطان الخمر قد رجع بها
إلى
الوراء إلى أيام الصبا الجميلة . ونهضت وقد عاد إليها لطفها وبشاشتها
ورغبتها , ثم
أغلقت باب الحديقة الخارجي كي تمنع الأعين الفضولية من رؤيتنا وأشعلت
سيجارة وراحت
تنفث دخانها بهدوء واستمتاع .

في أوقات كهذه تنفتح أبواب المرأة جميعها . ويستريح حراسها , والكلمة الطيبة تصبح قوية كقوة الذهب أو الحب . وهكذا
أشعلت
غليوني وقلت تلك الكلمة الطيبة
:

-
مدام هورانتس , أنت تذكريني بسارة برنهارت .... عندما كانت صغيرة , لم أكن للحقيقة انتظر رؤية أناقة , كهذه عظمة , كهذه , لياقة كهذه , وجمالا كهذا الجمال . ما هذا ( الشكسبير
) .

-
شكسبير ؟ أي شكسبير
؟

-
الذي أرسلك إلى هنا بين المتوحشين .

وطارت بتفكيرها إلى أيام الغناء والمسرح , وجالت به في
المقاهي والمسارح من باريس إلى بيروت , وعلى طول شواطئ

الأناضول , وكأنها تذكرت فجأة : لقد كان ذلك في
الإسكندرية , وفي مسرح كبير عامر
بالثريات , والمقاعد الفخمة , والرجال والنساء , والظهور عارية , والعطور , والأزهار , وفجأة ارتفعت الستارة , وظهر رجل اسود مخيف .....

-
أي شكسبير
؟

وسألتني مرة أخرى بكبرياء , فقد تذكرت .

-
هل هذا الذي يدعونه أيضا عطيل ؟

-
هذا هو . أي شكسبير إذن ألقى بك على هذه الصخور
الوحشية , أيتها الزهرة
البيضاء ؟

ونظرت حولها , وكانت الأبواب مغلقة , والببغاء
نائمة , والأرانب
تتبادل الحب , وكنا لوحدنا , وراحت تفتح لنا قلبها , وكأنها تفتح أمامنا
صندوقا
عتيقا , مملوءا بالطيب , وأوراق الرسائل الصفراء والثياب القديمة .

وكانت تلفظ
بعض الكلمات باليونانية , وراحت تخلط بينهما ,
ولكننا تمكنا من فهمها بوضوح . وفي
بعض الأحيان كنا نجد صعوبة في إخفاء ضحكاتنا , وفي بعض الأحيان كنا ننفجر
بالبكاء
, علما أننا قد شربنا كثيرا من النبيذ
.

-
حسنا إن السيدة التي تنظرون إليها الآن , لم تكن مغنية بسيطة في الحانات , كلا , فقد كانت فنانة شهيرة وكنت ارتدي
ثيابا
داخلية من الحرير الخالص . ولكن الحب
....



وتنهدت تنهيدة عميقة , وأشعلت سيجارة ثانية من زوربا
وقالت
:

-
لقد أحببت أميرالا . فقد أصبحت كريت مرة أخرى ولاية ثائرة وأساطيل
الدول العظمى بدأت ترسو في مرفأ ( سورا ) . وبعد أيام قليلة

رسوت أنا الأخرى هناك . آه , يا للحظ ! لو رأيتم
هؤلاء الاميرالة الأربعة
... الإنكليزي , الفرنسي , الطلياني , الروسي , جميعهم متلفحين بالذهب ,
والأحذية
اللماعة , والقبعات المريشة , كالديوك تماما , ويا لتلك اللحى , المجعدة
الحريرية
, الداكنة , الشقراء , الرمادية , والحمراء , وما أطيب رائحتهم ! فكل واحد
منهم كانت
له رائحته المميزة , فهكذا كنت أميز بينهم في الظلام , فإنكلترا كانت تتميز
برائحة
الكولونيا , وفرنسا برائحة البنفسج , وروسيا برائحة المسك , وايطاليا , آه ! ايطاليا المشغوفة بالعطر . يا الهي , يا لهذه اللحى ! وكنا نلتقي عدة مرات
على ظهر
سفينة العلم , ونتحدث عن الثورة . وكانت بزاتهم مفتوحة وكان ثوبي الحريري
يلتصق
بجسدي , فقد كانوا يصبون عليه الشمبانيا , وكان ذلك كله في الصيف , كما
تعلم . وكنا
نتحدث عن الثورة بجدية , وكنت ارجوهم وأتضرع إليهم ألا يطلقوا مدافعهم على الكريتيين المساكين .
وكنا نشاهدهم بالمنظار على الصخور قرب ( كايني ) ضئيلين

كالنمل , يرتدون قمصانا زرقاء وأحذية صفراء , وهم
يصرخون ويصيحون . وكان معهم علم
...

وفجأة سمعنا صوتا خلف قضبان القصب , وتوقفت
المجاهدة العجوز عن الكلام
, مذعورة . ورأينا بين القضبان عيون الأطفال الخبيثة تراقبنا ....

وحاولت المغنية
القيام عن الكرسي , ولكنها لم تتمكن , فقد أكلت
وشربت كثيرا . فعادت إلى الجلوس وهي
تتصبب بالعرق , وأخذ زوربا حجرا فتفرق الأولاد وهم يصرخون .

-
استمري , يا
جميلتي , استمري يا كنزي
!

كذلك قال زوربا , واقترب بكرسيه منها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:01 pm

- وقلت للأميرال الطلياني , فقد كنت قد ألفته أكثر من الأخرين ,
وأمسكت بلحيته وقلت له
! " كانافارو أرجوك , يا كانافارو العزيز
, لا تفعل بوم ,بوم ! أرجوك ! " كم من المرات
كانت هذه المرأة الجالسة أمامكم تنقذ
حيات الكريتيين من موت محتم ! كم من المرات
كانت المدافع جاهزة للإطلاق , وكنت
اهرع لامسك بلحيته وارجوه ألا يفعل بوم ! بوم
! ولكن من الذي شكرني على ما فعلته من
اجلهم ؟ وبدلا من الوسام انظروا ما حصلت عليه
...

لقد
كانت مدام هورانتس غاضبة اشد الغضب لجمود الرجال , وضربت على الطاولة
بقبضتها الطرية . ومد زوربا
يده إلى ركبتيها المنفرجتين وامسك بهما , بعطف مصطنع
وصاح :

-
يا
بوبولينتي , بحق السماء لا تفعلي بوم ! بوم
!

-
ارفع
يدك
.

كذلك
صاحت به السيدة الطيبة , وأضافت بعد قليل
:

-
من
تظنني ؟


وجحدته بنظرة غاضبة
....

-
إن
الله موجود في السماء لا تزعجي نفسك , يا بوبولينتي
, فنحن هنا يا حبيبة , لا تخافي ..

ورفعت
عروسة البحر العجوز ,عينيها إلى السماء
ورأت ببغائها الأخضر يغط في النوم ,
وقالت بصوت حنون
:

-
كانافارو
, كانافارو
.

وما إن
سمع الببغاء صوت سيدته حتى فتح عينيه وامسك بقضبان القفص وردد قولها
: كانافارو , كانافارو .

-
موجود !

صاح
زوربا وهو يضع يده من جديد على تلك
الركبتين التين خدمتا كثيرا , كأنه يريد امتلاكهما .
واستدارت المغنية العجوز على
كرسيها وفتحت فيها لتقول :

-
وأنا
أيضا حاربت ببسالة , لقد حاربت صدرا بصدر
, لكن الأيام العصيبة جاءت وتحررت كريت
بعد أن تلقت الأساطيل الأوامر بالانسحاب
. ( ولكن ماذا سأصير إليه ؟ ) كذلك قلت
وأنا امسك باللحى الأربعة . ( أين ستتركونني ؟
لقد تعودت على العظمة وعلى الشمبانيا
, والدجاج ! لقد اعتدت على البحارة الصغار وهم
يؤدون لي التحية العسكرية حين أمر
أمامهم , سأصبح أرملة أربعة مرات , يا سادتي
الأعزاء )

ولكنهم
سخروا مني .... ! هكذا هم الرجال . لقد أشبعوني بالليرات
الإنكليزية والإيطالية , والروبلات
والفرنكات التي وضعوها في جواربي , وقميصي
وحذائي . وفي الليلة الأخيرة بكيت
كثيرا حتى إن القواد الأربعة أشفقوا علي , فملأوا
المغطس بالشمبانيا , ووضعوني به , ثم
شربوا على شرفي وسكروا , وبعد ذلك اطفأوا
النور ...

وفي
الصباح استيقظت على رائحة العطور الممزوجة تفوح في الغرفة , رائحة
البنفسج و الكولونيا وغيرها
... لقد كنت ممسكة بالدول الأربعة , إنكلترا , فرنسا
, روسيا , وايطاليا , وعلى ركبيتي ,
هنا على ركبيتي , وذهبت هكذا معهم
....

ثم راحت مدام هورانتس تهز بيديها
كأنها تلاعب طفلا صغيرا على ركبتيها , ثم قالت


-
هكذا ,
هكذا . وعند انبلاج الصباح راحت المدافع تطلق في الهواء . واقسم أن ذلك كان
على شرفي , نعم أطلقوا
المدافع , وجاء زورق صغير ابيض ليقلني إلى الشاطئ
.

ثم تناولت منديلها وراحت تمسح
بدموعها وتبكي .... و هتف زوربا
:

-
أغمضي
عينيك يا
بوبولينتي الصغيرة , أغمضي عينيك يا كنزي . فأنا هو كانافارو !

وصرخت
السيدة
الفاضلة :

-
ارفع
يدك , لقد قلت لك ذلك , وانظر إلى نفسك , أين شاراتك الذهبية ؟
والقبعة واللحية المعطرة ! آه
! آه
!

لقد
بدأ الطقس يبرد , وساد صمت حولنا
, وكان البحر من وراء القصب يتنهد .
لقد سادت الطمأنينة والهدوء أخيرا . فالريح سكنت
والشمس غرقت عند الأفق لتنام . ومر
من فوقنا غرابان يصفقان بأجنحتهما كأن قصر من
الحرير تمزق , ربما كان قميص مغنية !!

وهمهم
زوربا بعطف وهو يضغط بركبته على
ركبتها :

-
يا
بوبولينا , لا تضطربي , ليس هناك من اله أو شيطان , ارفعي رأسك
الصغير , واسندي خدك على يدي
وانشدي لنا أغنية , وليذهب الموت إلى الجحيم
.

لقد كان زوربا يشتعل بالحب .
وكانت يده اليسرى تفتل شاربه , بينما يده اليمنى تنساب على
المغنية المنتشية ... وكانت كلماته
تنطلق متقطعة وعيناه واهنتان . ولم تكن هذه
العجوز المطلية بالمساحيق هي التي
تثيره , بل انه كان يرى آفاق متمثلا , الجنس
الأنثوي بأجمعه , كما كان يدعو المرأة
. لقد اختفى القرد , وانمحى الوجه سواء أكان
فتيا أم هرما , جميلا أم بشعا , فهذه
كانت اختلافات لا أهمية . إن خلف كل امرأة يقف
وجه أفروديت المقدس الغامض .

هذا هو
الوجه الذي كان يراه زوربا , ويحدثه ويشتهيه
. أما مدام هورانتس فلم تكن سوى قناعا
شفافا سريع الزوال يمزقه زوربا ليقبل الشفاه
الخالدة .

وردد
في صوت متضرع هامس
:

-
ارفعي
عنقك الناصع , يا كنزي , ارفعي
العنق الأبيض وأنشدينا بأغنية جميلة ؟

ووضعت
المغنية العجوز يدها على خدها
, وراحت تنشد أغنية من أغنياتها
القديمة , وقفز زوربا واحضر السانتوري , جلس متربعا
على الأرض ثم صاح بأعلى صوته :

-
آوه ,
آوه , خذي سكينا واقطعي به عنقي , يا
بوبولينتي ....

وعندما
بدأ الليل يقترب , وبدأت النجوم تتألق بالسماء , وبعد أن
ملأت النشوة نفوسهما , ابتدأت مدام
هورانتس تتقلب وتلتصق بزوربا برفق ودلال , ونظر
إلي مشيرا ثم همس بقوله :

-
لقد
بدأت تنسجم , كن لطيفا واتركنا لوحدنا
....



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:02 pm




الفصل
الرابع





عندما انبلج الصباح استيقظت لأرى زوربا أمامي
جالسا
عند طرف السرير يدخن وهو غارق في بحر من التأملات , وعيناه مسمرتان على
زجاج
النافذة ...

وتذكرت أني تركتهما لوحدهما ليلة البارحة وقلت له :

-
إني ذاهب
,
يا زوربا , تمتع جيدا , وتشجع ....

وقد قال لي
:

-
إلى اللقاء أيها الرئيس
,
اتركنا نرتب الأمر جيدا
.

وقد بدا لي أنهما رتبا الأمر جيدا , فقد سمعت في
الليل
أصواتا مكتومة , وتهزهزات في الغرفة المجاورة . وبعد منتصف الليل دخل زوربا
إلى
غرفتنا عاري القدمين وانطرح على السرير بكثير من الهدوء كي لا يوقظني ...

ولكنه
الآن , عند الفجر , يبدو شاردا , وعيناه تضيع
بعيدا , وكان لا يزال غارقا في نشوة
الليل الفائت مستسلما بهدوء إلى شعاع الشمس المتداخل من زجاج النافذة .

وبدأت
القرية تفيق من نومها , وبدأت الحركة تدب في الأزقة
ممتزجة بأصوات الديوك والخنازير
, والحمير , والناس . وخطر لي أن اقفز من سريري واصرخ : " هيا يا زوربا
فلدينا عملا
اليوم " لكني كنت اشعر أنا الآخر بسعادة كبيرة في الاستسلام هكذا دون
حراك منتظرا
تسرب الفجر الرائع ,ففي هذه اللحظات الساحرة تبدو الحياة , خفيفة كالغبار ,
وتبدو
الأرض كأنها تتكون من الريح كالغيوم المتموجة الطرية
...

ونظرت إلى زوربا وهو
يدخن , فشعرت برغبة في التدخين أنا الآخر ,
فتناولت غليوني . وحدقت به منفعلا . انه

غليون إنكليزي الصنع , كان صديقي القديم قد أهداني
إياه , وتذكرت قوله حين منحني
هديته تلك : خذ هذا الغليون , واترك السجائر التي تدخن نصفها وترميها بعد
ذلك كأنها
امرأة عاهرة , تزوج الغليون , فهو كالمرأة الوفية فعندما تعود إلى بيتك ,
ستجده
دوما هناك بانتظارك فتشعله وتجلس تتأمل دخانه الصاعد في الهواء , ثم تذكرني ....

لا زلت اذكر إن الوقت كان ظهرا , وكنا في احد
متاحف برلين , حيث كان صديقي
يودع لوحته العزيزة ( المحارب ) للرسام رامبراندت , ونظر صديقي إلى تلك
اللوحة
متأملا المحارب الحاقد اليائس . وقال : " إذا ما تمكنت من القيام في
حياتي بعمل
جدير بالرجل , فسأكون مدينا به له
!! "

كنا في صالة المتحف , نقف قرد عامود , وأمامنا تمثال من البرونز لفارسة عارية تمتطي حصانا بريا متوحشا . وغط
عصفور على
رأس التمثال والتفت صوبنا وهز بذنبه وأطلق لحنا هازئا ثم طار في سبيله .
وارتعدت
وأنا انظر إلى صديقي وسألته :

-
هل سمعت العصفور ؟ لقد خلت انه قال لنا شيئا , ثم طار في سبيله .

وابتسم صديقي وأجابني بمثل من أمثالنا العامة : (
انه عصفور
, دعه يغني , انه عصفور , دعه يتكلم
)

كيف كانت , في هذه اللحظة عند طلوع الفجر , عند شاطئ كريت هذه الذكرى تعود إلى مخيلتي مع هذا المثل الحزين لتملأ عقلي
بالمرارة
؟

ووضعت قليلا من التبغ في غليوني وأشعلته . إن كل
شيء في هذا العالم له معان
خفية . الرجال . الحيوانات . الشجر . النجوم , إنها تبدو كالرموز
الهيروغليفية لمن
بدأ في حل رموزها ليكتشف خفاياها .... فعندما تراها فإنك لا تفقه لها معنى
, فتعتقد
أنها رجال اقحاح , وحيوانات , وأشجار , ونجوم , ولكن بعد مرور السنين وبعد
فوات
الأوان تفهم معناها الحقيقي ...

ورحت أتابع الدخان المتصاعد من الغليون , وكانت روحي تندمج بهذا
الدخان , وتتلاشى معه في الحلقات الزرق المكونة . ومر وقت طويل
, كنت اشعر , دون العودة إلى المنطق , وبتأكيد لا يوصف , بحقيقة هذا العالم
وانبثاقه
وزواله .

وأطلقت زفرة هادئة أيقظتني من أفكاري الشاردة ,
فنظرت إلى ما حولي إلى
هذا الكوخ الخشبي الفقير , وهذه المرآة الصغيرة المتدلية على الحائط
والمنعكس عليها
شعاع الشمس , فبدت تقدح بالشرر . وكان زوربا لا يزال جالسا على حافة السرير
يدخن
بهدوء مديرا لي ظهره .

ومرت أحداث الأمس بمخيلتي , رائحة البنفسج
والكولونيا
, والمسك والببغاء الذي بدا كالرجل قد تحول إلى ببغاء يضرب قفصه بجناحه
مناديا حبيبا
قديما , وسفينة قديمة , لا تزال الوحيدة الباقية على قيد الحياة لتقص
أقاصيص الحرب
والمعارك البحرية القديمة ....

واستدار زوربا عندما سمع صوت زفرتي , وتمتم قائلا :

-
لقد أسأنا التصرف , لقد أسأنا التصرف أيها الرئيس
. لقد ضحكت , وكذلك فعلت
أنا , وقد رأتنا هي , وهذه الطريقة التي غادرتنا بها دون أن تنبس بكلمة
رقيقة واحدة
. يا للعار اللعين ! إن هذا ليس تهذيبا , أيها الرئيس . وهذه ليست طريقة حسنة للتصرف , اسمح لي أن
أقول لك . إنها امرأة على كل حال . أليس كذلك ؟ مخلوقة ضعيفة

خائفة . وقد عملت جيدا حين بقيت لأعزيها .

-
ولكن ما تعني بقولك يا زوربا ؟ وهل تعتقد بكل جدية إن
جميع النساء ليس في عقولهن شيء سوى هذا ؟


-
نعم أيها الرئيس
,
فليس في عقولهن شيء آخر . أصغ إلي الآن .... لقد
رأيت جميع الأشياء , وعملت في كل
شيء ... إن المرأة ليس عندها من شيء آخر في نظرها . إنها مخلوق ضعيف مشاكس
. وإذا
لم تقل لها انك تحبها وتريدها فإنها تبدأ في البكاء . وربما هي الأخرى لا
تريدك
إطلاقا , بل ربما تحتقرك وربما تقول لك كلا , فهذه مسألة أخرى لكن جميع
الرجال
الذين يرونها يجب أن يشتهونها , فهذه ما تريده تلك المخلوقة المسكينة ,
لذلك
فالأجدر أن تحاول إرضاءها . فأنا مثلا , كانت لي جدة تبلغ الثمانين من
عمرها . إن
قصتها حقيقية تماما . وكانت تسكن قريبا من منزلنا فتاة صبية نضرة كالوردة ,
واسمها
كريستالو . وفي كل يوم سبت عند المساء , كنا نحن الشباب نذهب إلى الحانة
لنحتسي
كأسا من الخمر وننتشي به , ثم نضع ضمة من الحبق وراء أذننا ويأخذ ابن عمي
قيثارته
ونذهب للتنزه . يا للحب يا للعاطفة .... كنا نخور كالبقر وكنا نريدها وكل
يم سبت
كنا نتوجه لها مرة واحدة ليقع اختيارها على واحد منا . حسنا ... هل تصدق
هذا أيها
الرئيس ؟ يا له من لغز ؟ إن في النساء جرحا لا يلتئم بالمرة . كل الجروح
تشفى إلا
هذا . لا تعتمد كثيرا على كتبك ... انه لا يلتئم أبدا . لماذا ... لأنها قد
أصبحت
في الثمانين ؟ ومع ذلك فالجرح لا يزال مفتوحا
.

إذن كل سبت كانت العجوز
المتصابية تجر أشياءها نحو النافذة . وتتناول
مرآتها الصغيرة وتحاول تسريح ما تبقى

من شعرها وتنشره على فرقتين فوق جمجمتها . ومن ثم
تختلس نظرات سريعة حولها خوفا من
ان يشاهدها احد , وان اقترب احد منها , تندفع إلى الوراء لتستكين بهدوء
وتدعي النوم
. ولكن كيف كانت تستطيع النوم ؟ فإنها بانتظار النزهة وهي في الثمانين من
عمرها
... هل ترى الآن هذا اللغز المجهول في المرأة أيها الرئيس ؟ إن هذا يشدني الآن
للبكاء
. أما في ذلك الوقت فقد كنت تافها . ولم افهم هذا . وهذا ما كان يدفعني
للسخرية , في
احد الأيام غضبت منها , لقد كانت توبخني لأنني كنت اجري خلف الفتيات .
عندها صحت في
وجهها دون مواربة وبكل صرامة !! لماذا تدلكين شفتيك بورق الجوز كل سبت .
وتسرحين
شعرك . أتظنين بأننا نتنزه من أجلك ؟ إننا نأتي من أجل كريستالو . أما أنت
فلست إلا
جيفة نتنة .

هل تصدق أيها الرئيس ؟ في ذلك اليوم عرفت فقط ما
هي المرأة
. دمعتان دفقتا من عيني جديتي . انكمشت كأنها كلبة , وراحت ذقنها ترتجف .
وصحت
" كريستالو " واقتربت منها أكثر لكي تتمكن من أن تسمعني بوضوح : "
كريستالو " ... إن
الشباب حيوانات قاسية , إنهم ليسو من المخلوقات الإنسانية . لا يفهمون شيئا .

عندها رفعت جدتي ذراعيها النحيلتين نحو السمار
وصاحت " عليك اللعنة من أعماق
قلبي " ومنذ ذلك اليوم بدأت صحتها تتلاشي وتتدهور , وبعد شهرين كان
يومها قد بدأ
يقترب . وبدت أيامها معدودة . وعندما كانت تحتضر شاهدتني . فشهقت كأنها
حشرة وحاولت
أن تمسكني بأصابعها وقالت " لقد كنت أنت من أنهى حياتي . فليلعنك الله
يا الكسيس
ويجعلك تعاني كل ما عانيته أنا
"

وابتسم زوربا وتابع
:

-
آه . إن لعنة
العجوز قد أصابت هدفها
.

وراح يصلح من حال شاربه وتابع قائلا :

-
إنني في
الخامسة والستين الآن , ولو عشت حتى المئة فلن
أتقاعد , فسأظل احمل المرآة الصغيرة
في جيبي , وسأبقى اجري خلف النساء
.

وابتسم ثانية , ورمى سيجارته من النافذة , ومد ذراعيه قائلا :

-
لي أخطاء غير هذه كثيرة , إلا أنها الوحيدة التي
سوف تقضي
علي .

وقفز من سريره وصاح
:

-
لقد تحدثنا بما فيه الكفاية اليوم . يجب أن نستغل اليوم .

وارتدى ثيابه وحذائه بمثل لمح البصر وخرج .

وبرأس محني , رحت
استعيد كلمات زوربا , وفجأة لمعت في رأسي , مدينة
مغطاة بالثلوج , كنت في معرض
لأعمال " رودان " وتوقفت لأنظر إلى يد برونزية ضخمة " يد
الله " كانت اليد نصف
مفتوحة . وفي نصف الراحة كان يوجد رجل وامرأة متعانقان يكافحان .



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:03 pm

جاءت فتاة واقتربت مني . وكانت
تبدو غير مستكينة ومضطربة , وراحت تنظر إلى ذلك العناق الأبدي
بين الرجل و المرأة .
كانت نحيلة , أنيقة , وكان لها شعرا أشقر كثيفا . وذقنا قاسية
وشفاه ناعمة كان باديا
عليها التصميم والرجولة . كان في طبيعتي عدم البدء بالحديث

.
ولكن لا ادري ما الذي دفعني لأن ألتفت نحوها
وأسألها
:

-
بماذا تفكرين
؟

فتمتمت بسرعة ؟


-
آه ... لو نستطيع أن نهرب
!!!

-
وأين نذهب , فيد الله
في كل مكان . فلا يوجد أي مهرب . هل أنت أسفة ؟

-
كلا .... فالحب قد يكون اكبر
متعة في الوجود . هذا ممكن . إنما الآن فأرى تلك
اليد البرونزية . فأفكر بالهرب


-
أتفضلين الحرية ؟

-
أجل .

-
ولكن لنفترض بأننا عندما نطيع تلك اليد نشعر بأننا أحرار .
لنفترض بأن كلمة " الله " ليس لها المعنى التي تمنحه له
الجماهير .

نظرت إلي بقلق وبدت عيناها رماديتان , وشفتاها
جافتين مرتين
.

-
لم أفهم
..

قالت وابتعدت بسرعة
.

اختفت , ومن ذلك الوقت لم أفكر فيها مطلقا . . ولكن لابد وأنها كانت تعيش في داخلي , واليوم على هذا الشاطئ المهجور ظهرت
من
جديد شاحبة نحيلة , من أعماق كياني
.

نعم لقد كان تعرفي غير لائقا , كان زوربا على حق , فاليد
البرونزية كانت حجة , فالاتصال الأول قد تم . وكانت الكلمات اللطيفة
قد تبودلت وكان من
الممكن تدريجيا , أن نتعانق ونتحد بهدوء ودون إزعاج في يد الله
. إلا أنني قفزت فجأة من الأرض نحو السماء . فارتعشت الفتاة وهربت .

كان الديك
العجوز يصيح في باحة حديقة السيدة هورانتس ,
وأنوار الصباح الجديد قد بدأت تزحف عبر

النافذة الصغيرة . وانحدرت من الفراش . كان العمال
قد بدأوا يغدون حاملين معاولهم
ومجارفهم , وراح يتناهى لمسامعي صوت زوربا يصدر الأوامر . فقد انغمس في
العمل بسرعة
فائقة . إذ أن الإنسان يشعر بأنه يعرف كيف يأمر , ويحب المسؤولية .

مددت رأسي من
النافذة الصغيرة وشاهدته واقفا هناك , كأنه عملاق
بين ثلاثة من العمال النحيفين
, القساة , السمر . كانت يده ممدودة بقسوة وكانت كلماته مختصرة وفي صلب
الموضوع
.

وبعد قليل امسك بعنق فتى صغير كان يتقدم متمتما
بصوت خفيض , فصاح زوربا
:

-
هل عندك شيء لتقوله ؟ هيا قله بسرعة وبصوت عال ,
فأنا لا أحب الدمدمة , يجب أن تكون
مستعدا للعمل و إلا عد إلى الحانة
.

عندها ظهرت السيدة هورانتس , بشعر مشعث , وخدين غائرين , لأنها لم تضع أي مسحوق على وجهها . وكانت ترتدي ثوبا طويلا
قذرا
, وتنتعل زوجا من الأحذية الطويلة المهترئة . وسعلت سعالا قاسيا كسعال مغنية
سابقة
, كأنه نهيق حمار , توقفت ونظرت نحو زوربا بكل فخر وكبرياء , ومضت عيناها ,
فسعلت من
جديد , متى يلحظها , ومرت بقربه , تهز وتحرك ردفيها بإثارة مصطنعة ,
أكمامها الوسخة
كادت تلمسه , إلا انه لم يتحمل مشقة النظر إليها , وأخذ قطعة من خبز الشعير
وقبضة
من الزيتون وصاح بالعمال :

-
الآن أيها الرجال . باسم الله , ارسموا علامة الصليب .

وسار بعيدا يتقدم الرجال بخط طويل نحو الجبال . لن
أصف هنا العمل في
المنجم ... فهذا يحتاج لصبر طويل , وأنا ينقصني الكثير منه , قرب البحيرة
بنينا
كوخا من القصب والخيزران وبقايا صفائح البنزين , كان زوربا يستيقظ عند
الفجر
, ويتناول معوله , ويذهب إلى المنجم قبل كل العمال , ويفتح نفقا جديدا ,
ويكتشف عرقا
من الفحم ويرقص من الفرح . إلا أنه بعد يومين أو ثلاثة يتوه عن العرق فيصيح
ويرمي
نفسه على الأرض ويرفع رجليه ويلوح بهما نحو السماء كأنه يسخر أو يهزأ من
السماء
.



كان يعمل بكل إخلاص . ومنذ اليوم الأول تحولت كامل
المسؤولية عبر يدي
ليستلمها هو بكل شجاعة , كان عمله هو أن يتخذ القرار وان يضعه قيد التنفيذ
, وكان
علي تحمل العواقب . إلا أن هذه التدابير ناسبتني أكثر لأنني شعرت بأن هذه
الشهور
ستكون أسعد أيام حياتي

وباعتبار كل هذا شعرت بأنني أشتري سعادتي بثمن
زهيد
...

كان جدي , والد أمي , الذي كان يسكن في إحدى قرى
جزيرة كريت , اعتاد أن يحمل
كل ليلة فانوسه ليدور في شوارع الفرية , عله يصادف أحد الغرباء . فيصطحبه
إلى
المنزل ليقدم له الطعام والشراب , ومن ثم يجلس فوق أريكته المعتادة ويشعل
غليونه
التركي , ويلتف نحو ضيفه , الذي حان الوقت لكي يرد له الضيافة , ويقوا
بلهجة واثقة
قاسية :

-
هيا ... تكلم
...

-
أتكلم .... عن ماذا أيها الأب موستويورجي ؟

-
ماذا تكون ؟؟ من تكون ؟؟ من أين أنت ؟؟ عن المدن
والقرى التي زرتها ؟؟ كل
شيء , حدثني عن كل شيء . هيا تكلم
.

ويبدأ الضيف بالحديث دون هدف , ليخلط بين الحقائق والأساطير ,
بينما يكون جدي جالسا بهدوء فوق أريكته يدخن غليونه , يصغي

لضيفه بكل جوارحة ومتابعا له في جميع أسفاره . وإن
أحب الضيف , فسوف يقول له
:

-
سوف تبقى يوم غد أيضا , سوف لن ترحل , فقد بقي
عندك أشياء كثيرة لتقصها علي
.

لم يترك جدي قريته أبدا , حتى إلي كانديا أو كانيا ( لماذا أذهب لهناك ) كان
يقول إن
بعض أهالي كانديا وكانيا , يمرون من هنا . وهكذا فكانديا وكانيا يأتون إلي
. إذن
لماذا أذهب أنا إليهم ؟!!!

وعلى هذا الشاطئ الكريتي اتبع أنا عادة جدي . أنا أيضا قد وجدت ضيفي بعد
أن بحثت عنه مع قنديلي . وسوف لن أدعه يرحل . بالطبع هو

يكلفني أكثر من مجر عشاء , إلا أنه يستحق كل هذا ,
كل مساء انتظر عودته من العمل
, و أجلسه أمامي ونلتهم طعامنا . وحين يحين الوقت ليرد لي الضيافة أقول له
" تكلم
" وأدخن غليوني وأصغي . هذا الضيف قد شاهد العالم بأسره وخبر الروح البشرية .
وأنا لا
آمل أبدا الإصغاء إليه .

-
تكلم يا زوربا ..... تكلم


وعندما يبدأ حديثه تبدو
أمام ناظري " ماسيدونيا " حيث تمتد في
الفسحة التي بين زوربا وبيني , بجبالها

وغاباتها و سيولها وثوارها . ونساءها الذين يعملون
بجد ورجالها ذوو الأجسام الضخمة
. وأيضا جبل آتوس بأبرشياته الواحد والعشرون ومصانع الأسلحة , وسكانه العاطلين
عن
العمل . وعندما ينهي زوربا حديثه عن الرهبان يهز رأسه ويغرق بالضحك قائلا :

-
ليحفظك الله أيها الرئيس من مؤخرات البغال ومقدمات
الرهبان
.

كل يوم يأخذني
زوربا عبر اليونان , بلغاريا والقسطنطينية . فأغمض
عيني ... وأرى . كان قد جال كل
سهول البقان وعاينها بعينيه الصغيرتين اللتين كان يفتحهما بدهشة وتعجب ,
أشياء
اعتدنا عليها , تمر أمامنا بكل بساطة . وفجأة تقفز أمام زوربا كأنهم مردة
مخيفين
. وعندما يشاهد امرأة تمر أمامنا , يتوقف بذهول ويتساءل
:

-
يا لهذا اللغز المحير
!
ما سر المرأة .... لماذا تدير رؤوسنا .؟ هيا أخبرني
.. أنا أسألك ما معنى هذا
؟؟؟

انه يستجوبني بهذه الطريقة , وبمثل هذا الذهول ,
كلما لمح رجلا , شجرة في
أوجها أو قدحا من الماء البارد . إن زوربا يرى يوميا كل هذه الأشياء وكأنه
يراها
لأول مرة .

بالأمس كنا جالسين قرب الكوخ , عندما عب كأسا من
الخمر , والتفت نحوي
بسرعة قائلا :

-
مهما يكن هذا السائل الأحمر , أيها الرئيس اخبرني
, . أغصان
قديمة تنبت أغصان . وفي بادئ الأمر بعض الحصرم الحامض يتدلى فيها . ويمر
الوقت
وتنضج تحت أشعة الشمس , ويصبح بحلاوة العسل . عندها ندعوه عنبا . وندوسهم
بأرجلنا
ونقطر عصيرها ونضعهم في براميل خشبية . فيختمورن من تلقاءهم . ونفتحها في
عيد
القديس يوحنا السكير ونجدهم قد أصبحوا نبيذا . إنها معجزة . وعندما تشرب
هذا السائل
الأحمر وينتفخ دماغك , وتشعر بأن روحك تكبر , تكبر على الهيكل العظمي
القديم
, وتتحدى الله للقتال , اخبرني أيها الرئيس كيف يتم كل هذا .

لم اجب شعرت وأنا
أصغي لزوربا بأن العالم يتكشف من جديد : كل الأيام
القاسية قد عادت لها حيويتها كما
كانت في بداية التاريخ عندما خرجنا من بين يدي الله . الماء , النسوة ,
النجوم
والخبز , كلها عادت المحير والدوامة الإلهية عادت لتدور في الجو من جديد .

لهذا
,
كنت كل مساء , أتمدد على الشاطىء بانتظار زوربا .
فأراه يخرج بقوة من بطن الأرض
بجسده المليء بالوحل والأقذار وخطواته الواسعة من بعيد , كنت أستطيع أن
أشاهد كيف
كانت نتيجة العمل اليوم , من طريقة سيره , من انتصاب رأسه عاليا أو انخفاضه
ومن
حركات يديه المتأرجحتان .

أول الأمر كنت أرافقه لأراقب العمال , كنت أجهد
نفسي
في محاولة لتغيير مجرى حياتي , لأشغل نفسي في حياة عمليه , لأعرف وأحب
المادية
الإنسانية التي وقعت بين يدي , لأختبر واشعر بالمتعة التي انتظرتها طويلا
لا مجرد
كلمات اقرأها أو أكتبها بل مع رجال على قيد الحياة
.

ورسمت بعض الخطط
الرومانتيكية , فيما لو نجح مشروع التنقيب عن
الفحم . سوف انظم نوعا من المنظمات
الاجتماعية حيث نشترك في كل شيء . وحيث سنأكل جميعنا نفس الطعام , ونرتدي
نفس
اللباس كأننا أخوة , وخلقت في رأسي أمرا دينيا جديدا , نواة لحياة جديدة .

ولكني
لم أكن قد قررت بعد أن أفاتح زوربا بمشروعي , لقد
كان ينزعج من ذهابي ومجيئي بين
صفوف العمال . اسأل وأتدخل , ودائما لصالح العمال . عندها يقلب زوربا شفتيه
قائلا
:

-
أيها الرئيس ألن تذهب في نزهة بعيدا من هنا . ألا
ترى الشمس والبحر هناك
؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:04 pm


في بادىء الأمر كنت أصر على البقاء وأبقى , كنت
أسأل وأثرثر , أردت أن اعلم
قصة حياة كل رجل . كم من الأولاد لديهم يجب أن يعيلوهم وأخوات ليزوجوهم
وأقرباء ليس
لهم من معين . بماذا يهمتون , والأمراض وكل ما يقلقهم
.

-
لا تغوص هكذا في تاريخ
حياتهم . أيها الرئيس , سوف تندفع نحوهم بقلبك
الرقيق , وسوف تحبهم أكثر مما يجب
لمصلحتك ومصلحتهم , ومهما سوف يفعلون ستخلق لهم الأعذار . عندها فلتساعدنا
الآلهة
, فسوف يهملون عملهم , ويقومون به بأي طريقة يريدونها , وعندها فليساعدنا
الله أيضا
. يجب أن تدرك هذا جيدا , عندما يكون الرئيس قاسيا عندها سيحترمونه العمال
ويعملون
بجد , وعندما يكون ناعما يتركون كل شيء عليه ويمضون وقتا طيبا , هل تفهم
هذا
؟

في إحدى الأمسيات , بعد انتهائه من العمل , رمى
بمعوله في الظل وصاح قائلا بعد
أن نفذ صبره :

-
انظر هنا , توقف عن التدخل , بالسرعة نفسها التي
ابني فيها أنت
تهدم كل شيء ... والآن ما هذا الذي كنت تتحدث عنه اليوم مع الرجال ؟
اشتراكية وهراء
؟ هل أنت واعظ أو رأسمالي ؟ يجب أن تقرر ...

ولكن كيف أستطيع أن اختار ؟ لقد كنت أحاول جهدي أن اجمع
بين هذين الشيئين . لأجد طريقة تجمع بين هذين التناقضين و لأنجح
في الحصول على كل من
الحياة في الأرض وملكوت السماوات , كان هذا يتعامل داخلي منذ

سنوات حتى منذ الأيام الأولى لطفولتي . عندما كنت
لا أزال في المدرسة . حيث كنت قد
نظمت مع اقرب أصدقائي جمعية سرية تدعى " المجتمع الودي " هذا كان
الاسم الذي
أطلقناه عليها . وداخل غرفة نومي المغلقة أقسمنا اليمين لنكرس حياتنا من
اجل محاربة
الظلم . دموع غزيرة انهمرت فوق وجوهنا عندما اقسمنا اليمين و أيدينا فوق
قلوبنا


مبادىء صبيانية ! ولكن يا لتعاسة من يسخر منها
عندما يسمعها , ولكن عندما شاهدت
ما صار إليه أعضاء هذه المنظمة , من أطباء مدعون , ومحامون غشاشون , وأصحاب
محلات
, سياسيون دجالون وصحفيون خونة . غاص قلبي , إن مناخ هذه الأرض قد أصبح جلف
وقاس
, واثمن البذور لا تنمو وتختفي تحت الأرض وبين الشوك والقراص . أستطيع أن أرى
بكل
وضوح اليوم , بالنسبة لنفسي , لم أصبح معقولا بعد , ولكن ليتمجد اسم الرب ,
اشعر
بأنني لا أزال مستعدا لأقوم ببعض المغامرات الدون كيشوتية .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:05 pm

كنا أيام الآحاد نحضر أنفسنا بكل عناية وكأننا
شابين يحضران نفسيهما للزواج , ونحلق ونرتدي قمصانا
بيضاء , ونتوجه بعد الظهر لرؤية
السيدة هورانتس , كانت كل يوم أحد تذبح لنا طيرا
, وكنا أكثر الأحيان نجلس ثلاثتنا لنأكل
ونشرب , وتمتد يد زوربا إلى صدر السيدة
المضياف ليمتلكه . وعندما يحل الليل
نعود إلى شاطئنا . كانت الحياة تبدو بسيطة
ومليئة بالنوايا الحسنة تماما
كالسيدة هورانتس
.

وذات
أحد وبينما كنا عائدين من
وليمتنا الممتعة , قررت أن اخبر زوربا بمشاريعي . أصغى إلي
مجبرا نفسه , وضاغطا
عليها ليكون صبورا كفاية . إلا انه من وقت لأخر كان يهز
رأسه الضخم بغضب ظاهر
... كلماتي الأولى جعلته يصحو من سكره
... وطردت الخمرة من رأسه . وعندما انتهيت نزع
بعصبية شعرة أو شعرتين من شاربه وقال :

-
اعذرني
لما سأقوله أيها الرئيس , و
لكن لا أعتقد أن عقلك قد اكتمل بعد . كم تبلغ من العمر ؟

-
خمسة
وثلاثون سنة
.

-
إذا
فهو لن يكتمل أبدا
.

وانفجر
مقهقها , وشعرت بأني لسعت . وصحت به
:

-
ألا
تؤمن بالإنسان ؟


-
والآن
لا تندفع غاضبا أيها الرئيس ! فأنا لا أؤمن
بأي شيء , فلو كنت أؤمن بالإنسان
لأمنت بالله و لكنت أمنت بالشيطان أيضا , وهذه هي
كل المشكلة حيث تختلط الأشياء وتسبب
لي كثيرا من التعقيد
.

وخيم
عليه الصمت
, وانتزع قبعته وحك رأسه بقوة وشد
شاربه كأنه يريد أن ينتزعه من مكانه . كان يريد أن
يقول شيئا , إلا أنه منع نفسه ونظر
إلي من زاوية عينه , ومن ثم نظر إلي ثانية وقرر
أن يتكلم . وصاح ضاربا الأرض بعصاه
بقسوة
:

-
الإنسان
ليس إلا بهيمة . بهيمة
كبيرة . إلا أن سعادتك لا تدرك هذا أبدا . إذ يبدو بان كل
شيء كان سهلا بالنسبة لك
. اسألني أنا فأجيبك بأنه بهيمة فإن
كنت قاسيا معه سوف يخافك ويحترمك . وان كنت
لطيفا معه فسوف ينتزع عيونك . احفظ
المسافة بينك وبينهم , لا تجعل الرجال أقوياء
هكذا . لا تمشي بينهم وتقول لهم
بأننا كلنا متساوون . وان لنا نفس الحقوق , و إلا
سوف يدوسون على حقوقك أنت . سوف
يسرقون خبزك ويتركونك تموت من الجوع , احفظ مركزك
أيها الرئيس من أجل الخير الذي
أتمناه لك
.

-
ولكن
ألا تؤمن بشيء ؟


-
كلا لا أؤمن بشيء بالمرة . كم مرة
يجب أن أكرر هذا . فأنا لا أؤمن بأي شيء أو بأي شخص . بل
بزوربا وحده , ليس لأن زوربا أحسن من
غيره , كلا فهو بهيمة كغيره . ولكن لأن زوربا
هو الوحيد الذي يقع تحت سلطتي ,
والوحيد الذي أعرفه . أما الباقون فكلهم أشباح
, فانا أرى بهاتين العينين , واسمع
بهاتين الأذنين , واهضم بهذه المعدة . كل الباقون
أشباح أقول لك , عندما أموت , فسوف
يموت كل شيء معي . كل العالم الزوربي سوف يغوص
في الأعماق .

فقلت
ساخرا
:

-
يا لها
من أنانية
! .

-
لا
أستطيع معها شيء
. آكل فاصولياء فأتحدث عن الفاصولياء ,
أنا زوربا فأتحدث عن زوربا
.

لم اقل
شيئا
. كلمات زوربا لسعتني كالسوط . لقد أدهشتني قوته , لاحتقاره الرجال
إلى هذا الحد
, وبنفس الوقت رغبته في العيش والعمل
معهم , أما أنا فيجب إما أن أصبح ناسكا , أو
أزخرف رؤوس الرجال بريش مزيف حتى
أستطيع أن أتحملهم
.

التفت
زوربا نحوي , وتحت
ضوء النجوم استطعت أن أرى ضحكة زوربا حتى أذنيه .

-
هل
أزعجتك أيها الرئيس
؟

قال
فجأة عندما وصلنا إلى الكوخ . نظر إلي زوربا بعطف وقلق , لم اجب , شعرت
بأن عقلي يوافق زوربا إلا أن
قلبي راح يقاوم , يريد الانطلاق والهروب من البهيمة
, وليسير في طريقه الخاص . قلت :

-
لا
اشعر بالنعاس هذه الليلة , اذهب أنت لتنام
.

كانت
النجوم تلمع في السماء , والبحر كان يجعل الأصداف تتلألأ
.

ولمعت
إحدى
الأصداف وأضاءت تحت منارتها الصدفية , حيث كان قطر الندى يقطر من
شعر الليل الداكن
.

تمددت
على وجهي , مأخوذ بالسكون , دون أن أفكر بأي شيء , كنت وحيدا بين الليل
والبحر , كان عقلي كأنه صدفة
أضاءت منارتها واستقرت على ارض الشاطىء الداكنة وراحت
تنتظر .

كانت
النجوم تسافر وتدور , والساعات تمر , وعندما نهضت , كنت قد قررت
, دون أن اعلم , الخطة المزدوجة
التي يجب أن اتبعها على هذا الشاطىء
:

أن
اهرب من
بوذا . واخلص نفسي من الكلمات الميتافيزيقية وأحرر نفسي من القلق
الغير مجد
.

أن أقوم باتصالات مباشرة مع
الرجال وابتدأ من هذه اللحظة
.

وقلت
لنفسي " ربما لم
يفت الأوان بعد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:06 pm

الفصل الخامس




قال الصبي:



-
ان العم اناجنوستي يحييكما ويدعوكما لتناول الغداء
في بيته،
وستعد لكما زوجته السيدة ماروليا طعاما خاصا. ثم ان اليوم هو عيد ميلاد
حفيدهما
(ميناس) ويمكنكما أن تهنئاه وتتمنيا له السعادة وطول العمر.

ان من بواعث السرور
حقا أن تدخل بيت فلاح كريتي وترى نظامه التقليدي.
المدفأة والمصباح الزيتي والاواني
الخزفية والمقاعد القليلة ومائدة الطعام واناء الماء الموضوع في كوة
الجدار، وحزم
الثوم والرمان والتوابل المتدلية من أعمدة السقف، ثم المصطبة القائمة في
أقصى
الغرفة وعليها الفراش ومن فوقه الايقونات المقدسة، وصورة للسيدة العذراء.

والبيت
بهذا الأثاث يبدو عاريا، ولكنه يحتوي على كل ما
يحتاجه الانسان وما أقل الأشياء
التي يحتاجها الانسان فعلا!

وكان اليوم رائعا، ويزيد من روعته رقة شمس الخريف.. فجلسنا في حديقة صغيرة أمام البيت، تحت شجرة زيتون مثقلة بالثمار.. وكان
البحر
يتألق أمامنا من بعيد ويبدو هادئا ساكنا. بينما السحب تمر فوق قرص الشمس
بين وقت
وآخر، فتكتئب الأرض تارة وتبتهج تارة أخرى.

وتناول حديثنا الموضوعات الخالدة المألوفة، محصول القمح
والكروم والامطار. وكان رب الدار ثقيل السمع فاضطررنا أن

نرفع أصواتنا إلى حد الصياح..

كانت حياة العم أناجنوستي قد سارت في طريق هادئ مستقيم، كحياة شجرة في
واد أمين، فقد ولد وترعرع وتزوج ورزق بأولاد وامتد به العمر

حتى رأى أحفاده.. صحيح أن بعض الأحفاد قد ماتوا..
ولكن البعض الآخر كان على قيد
الحياة مما يضمن استمرار الأسرة.

وتحدث الكريتي الشيخ عن الأيام الخالية وعن الحكم التركي،
والمعجزات التي حدثت في تلك الأيام لأن النساء كن مؤمنات يخشين
الله.. قال:

-
لقد كان مولدي نفسه معجزة، وستدهشون متى ذكرت لكم
كيف ولدت، نعم
. ستدهشون وسترسمون علامة الصليب على صدوركم وستذهبون إلى دير العذراء مريم
وتوقدون
الشموع لها.

ورسم علامة الصليب على صدره، ومضى يسرد قصته في
صوت هادئ قال
:

-
في تلك الأيام، كانت تعيش في قريتنا امرأة تركية
ثرية، وقد حملت هذه المرأة وحان
موعد الوضع، فنقلوها إلى فراشها حيث قضت ثلاثة أيام بلياليها وهي تئن وتصرخ
ولا
تستطيع أن تضع طفلها. وحينئذ نصحتها احدى صديقاتها بأن تستنجد بالسيدة
العذراء،
فصاحت المرأة التركية: لماذا؟ انني أوثر الموت على الاستنجاد بها.

واستمرت
الالام وزادت حدتها، ومر يوم آخر، والمرأة لا تكف
عن الصياح.. فما العمل؟


ولم تستطع المرأة احتمال المزيد من الالام فصاحت بكل قوتها:

-
يا مريم العذراء!! يا
مريم العذراء..

ولكن الالم لم ينقطع، والطفل لم يولد، فقالت
الصديقة
:

-
ربما
كانت العذراء لا تفهم اللغة التركية..

فصاحت المرأة:

-
يا عذراء الروم! يا
عذراء الروم!

وزادت آلامها، فقالت الصديقة:

-
لعلك تناديها بغير اسمها، ولهذا لم تخف لنجدتك.

فصاحت المرأة:

-
أيتها العذراء المقدسة!

وجاء المولود على
الفور..

حدث ذلك في يوم أحد، وفي يوم الأحد التالي، أحست
أمي بآلام الوضع. وراحت
بدورها تستنجد بالعذراء المقدسة ولكن دون جدوى. وكان أبي يجلس على الأرض في
فناء
الدار ولا يستطيع أن يأكل أو يشرب بسبب صراخ أمي وآلامها..

وانقضت ثلاثة أيام
دون أن تخف السيدة العذراء إلى نجدة أمي، وفي
اليوم الرابع، ضاق أبي ذرعا فحمل فأسه

ومضى إلى دير السيدة العذراء وهو يتميز غضبا،
وهناك أغلق الباب وراءه ووقف أمام
تمثال العذراء المقدسة وصاح: اصغي إلي أيتها العذراء، أنت تعرفين زوجتي
جيدا
فلطالما حملت إليك الزينة والشموع.. إنها تتألم وتستنجد بك منذ ثلاثة أيام
أفلم
تسمعيها؟ لا بد أنك أصبت بالصمم، اذا استنجدت بك احدى الساقطات التركيات
فانك
تسرعين إلى نجدتها، أما زوجتي المسيحية فانك تصمين اذنيك ولا تسمعينها!!
لولا أنك
السيدة العذراء لالقيت عليك درساً بهذه الفأس..

وأولاها ظهره، وهم
بالانصراف..

ولكنه قبل أن يصل إلى الباب، سمع فرقعة خفيفة
صادرة من ناحية
الشمال.. كما لو كان التمثال يوشك ان يشطر .. والشائع عندنا ان التمثال
يحدث مثل
هذا الصوت عندما توشك معجزة أن تقع.. فدار أبي على عقبيه، وركع على ركبتيه
وهتف
: لقد أخطأت أيتها العذراء المقدسة وقلت أشياء ما كان ينبغي أن أقولها فمعذرة..

وما أن وصل إلى القرية حتى سمع النبأ السعيد..

قال له قائلا: أطال
الله عمرك يا قسطندي، لقد وضعت زوجتك ولدا..

وقد كنت انا ذلك الولد، ولكني ولدت وفي أذني صمم، لان أبي
وصف العذراء بأنها صماء. ولعلها قالت له، صبرا، سأصيب ولدك

بالصمم حتى لا تعود إلى مثل هذا الكفر.

ورسم العم أناجنوستي علامة الصليب على صدره مرة أخرى واستطرد
قائلا
:

-
شكرا لله على كل حال، فقد كان يمكن أن تجعلني السيدة العذراء ضريرا
أو معتوها، أو أدبا، بل كان يمكن أن تفعل بي ما هو أسوأ من

ذلك – حفظنا الله – فتجعلني فتاة..

فقلت وأنا أرفع قدح النبيذ:

-
نخب صحتك
أيها العم أناجنوستي.. اسأل الله أن يمد في عمرك
حتى تبلغ المائة وترى أحفاد
أحفادك.

فاحتسى الشيخ قدحه ومسح شاربه وقال:

-
كلا يا ولدي.. انك تطلب لي
الكثير.. لقد رأيت أحفادي، وهذا يكفي.. ان ساعتي
تقترب ، وما عاد باستطاعتي أن ألد
مزيدا من الأبناء، رغم شدة رغبتي في ذلك، فما قيمة الحياة اذن بالنسبة الي؟

وملا
الاقداح مرة أخرى، واخرج من حزامه تينا مجففا
اقتسمه معنا واستطرد قالا
:

-
لقد نزلت لاولادي عن كل ما أملك، ونحن الآن فقراء ولكن لا أشكو ولا أتذمر.

وفي هذه
اللحظة أبلت زوجته ماروليا وبيدها اناء مليء
بالنبيذ وصفحة عليها طعام من خصى
الخنازير.. فوضعت الشراب والطعام على المائدة وظلت واقفة معقودة اليدين
منكسة
الرأس.

وأنفت نفسي هذا الطعام فقد كانت الخنازير التي
خصيت لا تزال تصرخ في
الحظيرة المجاورة ولكني لم أجرؤ على الرفض.

ونظر إلي زوربا من ركن عينيه وابتسم في خبث وقال:

-
هذا أشهى طبق يمكن أن تحلم به.

وضحك أناجنوستي العجوز
وقال:

-
تلك هي الحقيقة.. تذوقه وسوف ترى.. عندما زار
الأمير جورج الدير، أقام
الرهبان مأدبة تكريما له وقدموا اللحوم لجميع المدعوين، أما الأمير فقد
وضعوا أمامه
صفحة مليئة بالحساء، وتناول الأمير ملعقة وراح يجرك الحساء، وما لبث أن سأل
في
دهشة: ما هذا الذي أراه في الحساء؟ فاصوليا..

فأجابه رئيس الرهبان:

-
تذوقها
يا صاحب السمو. وسنتحدث عنها فيما بعد.

فتناول الأمير ملعقة ثانية وثالثة حتى أتى على الحساء ثم لعق
شفتيه وقال
:

-
يا لها من فاصوليا شهية!

قال رئيس
الرهبان ضاحكا:

-
انها ليست فاصوليا يا صاحب السمو.. لقد خصينا كل
ديوك
المنطقة..

وقهقه الشيخ ضاحكا، وتناول قطعة مما في الصفحة
وقال
:

-
هذا طبق
خليق بالامراء.. افتح فمك..

ففتحت فمي.. فدس فيه القطعة ، ثم ملأ الأقداح ، وشربنا نخب حفيده الذي
يحتفل بعيد ميلاده
.

سألته:



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:07 pm

- ماذا تريد أن يكون عليه حفيدك أيها العم أناجنوستي؟ أنبئنا
لكي نبتهل إلى الله أن يحقق تمنياتك له
.

-
وماذا
أتمنى له يا ولدي؟ كل ما أرجوه له ان يسلك الطريق المستقيم ويصبح رجلا طيبا
ورب عائلة.. وان يتزوج ويرزق
اولادا وأحفادا.. وأن يكون له ولد يشبهني حتى يقول
عجائز القرية: ما أشبهه بأناجنوستي
العجوز.. رحمه الله.. لقد كان رجلا طيبا
!

ثم صاح بامرأته دون أن ينظر
إليها
:

-
علينا
بمزيد من النبيذ يا ماروليا
..

وقبل أن يتم عبارته، فتح باب
الحظيرة بعنف واندفع أحد الخنازير إلى الحديقة وهو يصرخ
بصوت منكر..

فنظر
زوربا إلى الخنزير مشفقا وقال
:

-
ان
المسكين
يتألم..

فضحك
الشيخ الكريتي وقال
:

-
انه
يتألم طبعا.. هب انهم فعلوا بك ما
فعلوه به.. أما كنت تتألم؟

فتحرك
زوربا في مقعده بقلق وغمغم في هلع
:

-
قطع لسانك أيها العجوز الأصم..

ووثب
الخنزير أمامنا، ونظر إلينا في غضب فقال
الشيخ:

-
لا
عجب. فهو يعلم أنا نأكل قطعة منه
.

وغادرنا
بيت الشيخ حول الغسق،
وكان زوربا مرحا راغبا في الكلام.. قال:

-
فيم
كنا نتحدث بالامس يا سيدي.. كنت
تقول أنك تريد أن تفتح عيون الناس، حسنا. اذهب إلى العم
اناجنوستي وافتح له عيينه
. لعلك رأيت كيف وقفت زوجته بين يديه في انتظار اوامره، كما
يقف الكلب في انتظار لقمة
تلقى بها اليه.. اذهب اليه وقل له ان للمرأة من الحقوق مثل
ما للرجل، وان من القسوة
أن يأكل قطعة من الخنزير بينما الخنزير يصرخ أمامه من
الألم! قل له ذلك ثم انبئني
ماذا يمكن أن يفيد هو أو زوجته من مثل هذا الاسفاف؟ لن تكون
النتيجة الا تعكير صفاء
الاسرة، واثارة المتاعب، واغراء الدجاجة بأن تصبح ديكا..
كلا يا سيد، دع هؤلاء
الناس وشأنهم، ولا تحاول أن تفتح عيونهم.. وهب أنهم فتحوا
عيونهم فماذا سيرون؟
البؤس.. ولا شيء غير البؤس.. دع عيونهم مغمضة يا سيدي..
ودعهم يحلمون
ويأملون..

وصمت
لحظة. وحك رأسه
.

كان
يفكر
.

قال:

-
اللهم
الا
..

-
الا ماذا؟ .. تلكم.

-
اللهم
الا اذا جعلتهم يفتحون عيونهم على عالم أفضل من هذا
الظلام الذي يعيشون فيه. فهل تستطيع
ذلك؟


-
لا
أعلم.. كنت اعرف انهم اذا فتحوا
عيونهم فسوف تدمر أشياء كثيرة، ولكني لم أكن أعرف ماذا يمكن
بناؤه فوق الانقاض، لا
أحد يستطيع أن يعرف ذلك على وجه اليقين.

ان
العالم القديم قائم وواضح المعالم،
ونحن نعيش فيه ونناضل معه. أما عالم المستقبل انه لم يولد
بعد، انه عالم شفاف غير
منظور كالضوء الذي تنسج منه الأحلام.. انه سحابة تتقاذفها
أرياح عنيفة.. من الحب
والبغض والخيالات.. ان أعظم الانبياء لا يستطيع أن يهب
الناس أكثر من نظام للحياة،
وكلما كان النظام غامضا زادت أهمية النبي وعظم شأنه.

ونظر
زوربا إلي وعلى شفتيه
ابتسامة ساخرة ضايقتني. أجبته قائلا:

-
في
استطاعتي أن أدلهم على عالم
أفضل.

-
هل
تستطيع ذلك حقا؟ وما هو هذا العالم؟


-
لا
يمكنني أن أوضح.. انك لن
تفهمني.

-
معنى
ذلك انك لا تعرف عالما أفضل.. انني لست من البلاهة كما تتوهم يا
سيد.. واذا كان هناك من قال
لك انني رجل ساذج فقد أخطأ.. ربما لا أكون قد تلقيت من
التعليم أكثر مما تلقى العم
اناجنوستي.. ولكني لست جاهلا مثله.. فاذا كنت لا أفهمك
، وهذا
مبلغ ذكائي، فماذا تنتظر ممن هم على شاكلته في العالم أجمع؟ أليس لديك الا
المزيد من الظلام لتظهرهم
عليه؟ لقد عرفوا حتى الآن كيف يعيشون.. ولديهم أولاد
وأحفاد.. وابتلاهم الله بالعمى
والصمم فقالوا : الحمد لله. . لقد ألفوا الفقر
واطمأنوا إليه، فدعهم وشأنهم، ولا
تقل لهم شيئا
..

فصمت

ومررنا
في هذه اللحظة
بحديقة الارملة، فتوقف زوربا قليلا وتنهد ولكنه لم يقل شيئا..

ولا بد
أن تكون
السماء قد أمطرت، فقد كانت رائحة الأرض تملأ الهواء..

وفكرت..

ان هذا
الرجل
لم يذهب إلى المدرسة.. ولكنه مر بكل أنواع التجارب.. فتفتح عقله ،
وكبر قلبه، دون
أن يفقد ذرة واحدة من جرأته البدائية. وجميع المشكلات التي
تبدو لنا معقدة مستعصية
على الحل، يجسمها هو كأنما بضربة سيف.. ومن العسير أن يخطئ
مثل هذا الرجل هدفه، لأن
قدميه ثابتتان في الأرض تحت ثقل جسمه، ان بعض القبائل
المتخلفة في افريقيا تعبد
الثعبان لأنه يلمس الارض بكل جسمه، فهو اذن عليم بكل اسرار
الأرض.. انه يعرف هذه
الاسرار ببطنه وذيله ورأسه. لأنه على اتصال دائم ووثيق
بأمنا الأرض، وكل هذا صحيح
بالنسبة إلى زوربا.. أما نحن معشر المتعلمين، فاننا مجرد
طيور غبية تعيش في
الهواء.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:07 pm

الفصل السادس




كان المطر يتساقط في هدوء وسكون عندما اشعل زوربا
النار في الموقد قبل أن ينطلق إلى
المنجم. وقد قضيت النهار كله قابعا أمام النار، فلم أتناول طعاما ولم أبرح
مكاني
وانصرفت بكل حواسي إلى الاصغاء إلى أول أمطار الموسم.

كان عقلي في خمول وراحة،
ولكن أذني المرهقتين كانتا تسمعان أبسط حركة للأرض
وهي تتفتح وللأمطار وهي تسقط
وللبذور وهي تنمو وتتضخم.. بل لقد كنت أشعر بالأرض والسماء تتلاقحان كما في
دبي
الخليقة وكما يتلاقح الرجل والمرأة وينجبان أطفالا.. واسمع البحر يزأر على
الشاطئ
زئير الوحوش ويخرج لسانه ليطفئ ظمأه.

كنت سعيدا وأعرف ذلك..

ان الانسان قلما
يحس بالسعادة وهو يمارسها، فاذا ما انتهت سعادته
ورجع ببصره إليها، أحس فجأة، وبشيء
من الدهشة في بعض الأحيان.. بروعة السعادة التي كان ينعم بها.

وتوقفت الامطار
قبيل المساء وصفا الجو وشعرت بالجوع وسعدت بهذا
الشعور، وأخذت ارتقب عودة زوربا لكي
يشعل النار ويطهو الطعام كما اعتاد أن يفعل كل يوم.

وكثيرا ما قال زوربا وهو يضع
الوعاء على النار:

-
هذا شيء آخر لاغناء للرجل عنه، لا غناء للرجل عن
المرأة
لعنها الله، ولا عن الطعام..

كان تناول الطعام على هذا الشاطئ المقفر متعة لم يسبق لي أن شعرت بها.
وكان زوربا يوقد النار بين حجرين كل مساء ويطهو الطعام، فاذا

فرغ من طهوه أكلنا وشربنا وتجاذبنا أطراف الحديث،
وقد أدركت أخيرا أن تناول الطعام
عمل روحي وان اللحم والخبز والنبيذ هي الخامات التي تصنع العقل.

وكان زوربا حين
يعود من عمله الشاق، وقبل أن يتناول طعامه،
وشرابه، يبدو متبلدا زاهدا في الكلام،

ولكن ما أن يملأ معدته، حتى تدب الحياة في جسده،
حتى تتألق عيناه، وتتجلى ذاكرته،
ويرقص كأنما قد نبتت لقدميه أجنحة.

كان يقول:

-
قل لي ماذا تصنع بالطعام الذي تأكله؟ أقل لك من أنت،
ان بعض الناس يحولون الطعام إلى دهن وسماد، وبعضهم يحولونه

إلى عمل ومرح، وطائفة أخرى تحوله إلى عبادة..
ومعنى ذلك أن الرجال ثلاثة أنواع،
وأنا لست من أسوأ الأنواع، ولست كذلك من أفضلها، ان ما آكله يتحول إلى عمل
ومرح،
فأنا اذن وسط بين النوعين الاخرين.

ثم ينظر إلي في خبث ويضحك ويستطرد قائلا:

-
أما أنت، فانني أعتقد انك تبذل قصارى جهدك لتحويل
ما تأكله إلى عبادة،
ولكنك لا تستطيع ، وذلك ما يعذبك ويؤرقك، ان ما يحدث لك قد حدث للغراب قبلك.

-
وماذا حدث للغراب يا زوربا؟

-
كان يمشي مشية محترمة سليمة كما يمشي سائر الغربان، وكلن خطر له
ذات يوم أن يجرب مشية الحمامة ومنذ ذلك اليوم استحال عليه أن

يذكر مشيته الأولى، واختلط عليه الأمر.. فأصبح
يقفز كما ترى
..

ورفعت رأسي، فقد
سمعت وقع خطى زوربا وهو قادم من المنجم، ولم ألبث
أن رأيته مقبلا، وهو مغبر الوجه،
وساعداه يتأرجحان إلى جانبيه.

قال بصوت لا حياة فيه:

-
طاب مساؤك يا
سيدي.

-
كيف كان العمل اليوم يا زوربا؟

فلم يجب . وقال:

-
سأوقد النار
وأعد الطعام.

وتناول بعض قطع الخشب من ركن الكوخ وخرج بها،
ورتبها بين الحجرين
بطريقة خاصة وأشعل فيها، ثم وضع الاناء في الموقد، ووضع فيه ماء وبصلا وبعض
الطماطم
والارز، أما أنا فقد بسطت الغطاء فوق المائدة. وقطعت بضع شرائح من الخبز،
وملأت
قدحين بالنبيذ.

وجثا زوربا أمام الاناء وراح يحملق في النار ولا
يقول
شيئا.

سألته فجأة:

-
هل لك أولاد يا زوربا..

-
لماذا تسأل؟ لي ابنة.

-
متزوجة؟

فضحك.

-
لماذا تضحك يا زوربا؟

-
يا له من سؤال!! طبعا متزوجة.
انها ليست بلهاء.. كنت أعمل في منجم للنحاس بالقرب
من (برتفيشتا) حين جائتني ذات
يوم رسالة من أخي (يني).. آه.. نسيت أن أقول لك أن لي أخا عاقلا يقرض الناس
بالربا
ويتردد على الكنيسة كغيره من المنافقين.. انه يقال في (سالونيك) ويعد من
أعمدة
المجتمع هناك.. كتب في رسالته يقول: (أخي العزيز اليكسيس.. ان ابنتك
(فروسو) قد ضلت
سواء السبيل.. ولطخت اسم الاسرة بالاوحال.. فقد اتخذت لنفسها عشيقا ورزقت
منه بطفل،
لقد ضاعت سمعتنا، سأذهب إلى القرية لأقطع رقبتها).

-
وماذا فعلت يا
زوربا؟

فهز كتفيه وأجاب:

-
قلت : "هكذا النساء" ومزقت الرسالة.

وحرك الأرز
في القدر، وأضاف إليه قليلا من الملح، واستطرد
قائلا
:

-
ولكن صبرا حتى تسمع
الجانب المضحك من القصة.. بعد شهرين أو ثلاثة،
تسلمت رسالة أخرى من أخي الأبله، قال

فيها، "أتمنى لك الصحة والسعادة يا أخي
العزيز، لقد نجا شرف الاسرة. وفي استطاعتك

الان أن ترفع رأسك عاليا، فقد تزوجت (فروسو) من
عشيقها
".

ونظر زوربا إلي من فوق
كتفه، ورأيت على ضوء سيجارته ان عينيه تتألقان...

ثم هز كتفيه وقال باحتقار
شديد:

-
هكذا الرجال!!

ثم استطرد قائلا بعد صمت قصير:

-
ماذا تنتظر من
النساء غير أن يحملن من أول عابر سبيل. وماذا
تنتظر من الرجال غير أن يقعوا في
الفخ!!

ورفع القدر عن النار. وبدأنا نتناول عشاءنا،
ولاحظت أن زوربا مستغرق في
التفكير.

كان واضحا ان هناك ما يهمه ويشغله، فقد نظر إلي،
وفتح فمه ليقول شيئا،
ثم عاد إلى صمته..

ورأيت على ضوء المصباح الزيتي، نظرة القلق التي
ترتسم في
عيينه، ولم أطق أن أراه على هذه الحال فقلت:

-
انت تريد أن تقول لي شيئا يا
زوربا.. فتكلم .. أن الكلام سيرفه عنك.

ولكنه لزم الصمت، وتناول حصاة صغيرة وقذف بها من النافذة بقوة.

-
دع الحصى يا زوربا وتكلم.

فمط رقبته المغضنة، وسألني
وهو ينظر في عيني في قلق.

-
هل تثق بي؟

-
نعم، انني أثق بك.. واعتقد أنك مهما فعلت فلن تخطئ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:08 pm

حتى لو أردت أنك
كالاسد، او كالذئب، فكلاهما لا يتصرف تصرف الخروف

أو الحمار.. وكلاهما لا يتنكر لطبيعته.. وانت
زوربا من قمة رأسك إلى أخمص قدميك
.. ولن تكون الا زوربا، فأطرق برأسه وقال:

-
ولكني لم أعد أدري في أي طريق نحن نسير.

-
أنا أدري، فلا تنزعج.. بحسبك أن تمضي قدما.

فصاح:

-
قل ذلك مرة
أخرى لتشجعني.

-
امض قدما.

فلمعت عينا زوربا وقال:

-
الآن أستطيع أن
أنبئك..

-
لقد كانت تراودني في الأيام الأخيرة فكرة مجنونة..

-
اذن فأنفذها
.

فاشرأب بعنقه، ونظر إلي بمزيج من الفرح والحزن.

قال:

-
حدثني بصراحة يا
سيدي.. ألم يكن الغرض من قدومنا هو البحث عن
الفحم؟


-
كان الفحم مجرد ذريعة يا
زوربا لكي نسكت ألسنة الفضوليين من أهل القرية..
لقد أردت أن ينظر إلينا كرجال
أعمال فلا يقذفوننا بالطماطم.. هل فهمت؟

فذهل، وحاول جاهدا أن يفهم، ثم ألجمته الدهشة والشعور
بالسعادة المفاجئة، فهم علي، وأمسك بكتفي وصاح
:

-
هل ترقص؟ هل
تجيد الرقص؟

-
كلا.

-
كلا؟

وأحس بخيبة الأمل، وتدلى ساعداه على جنبيه...

قال بعد لحظة:

-
حسنا اذن ، سارقص وحدي.. أرجو أن تبتعد قليلا حتى لا اصطدم بك.

ووثب إلى خارج الكوخ، وخلع حذاءه ورداءه وصداره،
وطوى سرواله حتى
ركبتيه، وشرع يرقص.

كان وجهه لا يزال مغبرا من تراب الفحم ، ولكن بياض
عيينه كان
يتألق...

راح يرقص، ويصفق بيديه، ويثبت في الهواء، ويسقط
على ركبتيه، ثم يثب مرة
أخرى رافعا ساقيه في الفضاء، كما لو كان جسده من المطاط..

وفجأة، راح يثب في
الهواء وثبات هائلة، كما لو كان يريد التغلب على
نواميس الطبيعة ويطير
..

وخيل
إلي أن في جسده المتهالك روحا قوية تحاول أن تجعل منه
شهبا في الفضاء وأن الجسد
يهتز بعنف ويهوي على الأرض لانه لا يستطيع البقاء طويلا في الفضاء.

وارتسمت في
وجهه صرامة مزعجة. وكف عن الصياح وأطبق اسنانه وهو
يحاول القيام بالمستحيل فصحت
به:

-
كفى يا زوربا . كفى.

وخشيت أن ينهار جسده، ويتبدد في الهواء بفعل الجهد العنيف الذي يبذله..
ولكن كيف تصل إليه صيحاتي وهو يحملق في الهواء

كالطير؟؟

وراقبته في قلق وهو يرقص هذه الرقصة الهمجية.

كنت وأنا صبي أطلق
العنان لخيالي وأسرد على أصدقائي حكايات غير
معقولة.. انتهى بي الأمر إلى تصديقها

والاقتناع بها. فلقد سألني أحد أصدقائي الصغار ذات
يوم
:

-
كيف مات جدك؟

فتفتق
ذهني على الفور، عن أسطورة عجيبة، ما لبثت أنا
نفسي أن صدقتها
.

قلت له:

-
كان جدي رجلا متقدما في السن ذا لحية بيضاء، وقد تعود أن ينتعل حذاء من المطاط،
وحدث
ذات يوم أن وثب من فوق سطح بيتنا. ولكن ما أن مست قدماه الأرض حتى ارتفع
مرة أخرى
كالكرة ، وتجاوز ارتفاعه سطح البيت، وما زال يهبط ويرتفع، ويزداد ارتفاعه
كل مرة
حتى اختفى بين السحب.. هكذا مات جدي.

وكنت كلما ذهبت إلى الكنيسة بعد أن اخترعت هذه الاسطورة أشير إلى
صورة السيد المسيح وأقول لأصدقائي
:

-
انظروا .. هو ذا جدي
بحذائه المصنوع من المطاط.

تذكرت هذه القصة وأنا أرى زوربا يثب في الهواء، فاشفقت أن يختفي في
السحب وصرخت، مرة أخرى
:

-
كفى يا زوربا!! كفى!!

واستقر
أخيرا على الأرض وهو لاهث الأنفاس، ووجهه يتألق
بالعرق والسعادة وقد التصقت خصلة من
شعره بجبينه، بينما سال العرق على خديه مختلطا بتراب الفحم..

وانحنيت فوقه، فقال
بعد لحظة:

-
انني الآن أحسن حالا.. وأستطيع الكلام..

وعاد إلى الكوخ ، وجلس
أمام الموقد وقد أشرق وجهه.

سألته:

-
ماذا دهاك حتى ترقص كما رقصت؟

-
وماذا أستطيع أن أفعل غير ذلك، كاد الفرح أن
يخنقني، وكان يجب أن أجد له
متنفساً..

-
عن أي فرح تتكلم؟

فاكفهر وجهه مرة أخرى وبدأت شفتاه ترتجفان.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:09 pm

قال:

-
أي فرح؟ هل ما قلته لي منذ لحظة كان مجرد دخان في
الهواء؟
لعلك تفهم معنى ما قلت. ألم تقل أننا ما جئنا للبحث عن الفحم، وانما لقضاء
الوقت،
وتضليل أهل القرية حتى لا يحسبوننا مجانين ويقذفوننا بالطماطم؟ واننا
نستطيع أن
نضحك ونلهو كما نشتهي حين لا يكون هناك من يرانا؟ أقسم لك ان هذا ما كانت
أنا نفسي
أريده دون أن أعرف.. لقد كنت طول الوقت نهبا موزعا بين المنجم وبين
بوبولينا
وبينك.. فاذا تناولت الفأس وأهويت به على حجارة المنجم قلت لنفسي: ان الفحم
هو ما
أريد..

فاذا انتهى العمل وخلوت إلى بوبولينا قلت لنفسي:
ليذهب المنجم وصاحب
المنجم إلى الشيطان.. وأنا معهما.

ولكني لا أكاد أخلو إلى نفسي بعد العمل حتى أفكر فيك فيذوب قلبي
وأحس بوخز الضمير وأصيح عار عليك يا زوربا أن تخدع هذا الرجل

وتأكل أمواله.

الحق انني لم أكن أعرف أين أنا أو ماذا أريد.. كان
الشيطان يدفعني
إلى ناحية، والله يدفعني إلى ناحية أخرى وأنا أكاد أن أنشطر بينهما.. ولكنك
نطقت
الان بالحكمة بارك الله فيك..

لقد أصبحت أرى بوضوح، ونحن متفقان كم بقي معك من المال؟ أعطنيه.. ودعنا
نأتي عليه
.

وراح يجفف عرقه، ويجيل البصر حوله.

وكانت
بقايا الطعام لا تزال على المائدة الصغيرة فقال:

-
معذرة.. لقد جعت وسآكل مرة
أخرى.

وتناول كسرة خبز وبصلة وحفنة من الزيتون، وأكل في
نهم ورفع قدح النبيذ فوق
فمه، وأفرغ الشراب في حلقه دون أن يمس القدح شفتيه ثم غمز بعينه وقال:

-
لماذا
لا تضحك؟ لماذا تنظر إلي هكذا؟ ان في أعماقي
شيطانا يوسوس لي فأطيعه، وكلما غلبني

التأثر والانفعال قال لي: ارقص فارقص، وأبح أحسن
حالا.. وعندما مات ولدي الصغير
ديمتري، رقصت أمام الجثة فهجموا علي ليمنعوني وصاحوا لقد جن زوربا..

ولكن لولا
انني رقصت، لجننت حزنا وأسى، فقد كان أول أولادي
وكان في الثالثة من عمره، فعز علي
أن أفقده.. أتسمعني يا سيدي؟.. أم تراني أتحدث إلى نفسي..

-
انني أسمعك يا
زوربا.

-
وحدث مرة أخرى.. وكنت وقتئذ في روسيا.. نعم.. انني
ذهبت أيضا إلى روسيا
لأعمل في مناجم النحاس هناك بالقرب من (نفوروسيسك) . وتعلمت من اللغة
الروسية خمس
أو ست كلمات.. أي القدر الذي يكفيني في عملي، مثل نعم، لا، خبز، ماء، أحبك،
تعال،
بكم..

وهناك توثقت أواصر الصداقة بيني وبين رجل روسي
أصيل، فكنا نذهب في المساء
إلى حانة على الشاطئ حيث نشرب عددا كبيرا من زجاجات (الفودكا) .. وحدث ذات
ليلة
اننا شربنا حتى ثملنا، وأحسسنا برغبة في الحديث. وأراد الروسي أن يحدثني عن
قصة
حياته، وما حدث له خلال الثورة الروسية، وأردت بدوري أن أحدثه عن نفسي وعن
قصة
حياتي.. فلقد شربنا معا وثملنا، وقربت الخمر بين قلبينا فأصبحنا كأخوين.

وتم الاتفاق بيننا بالاشارة على أن يبدأ هو الكلام، حتى اذا عجزت عن فهمه صحت
به (قف
) فينهض واقفا ويرقص، ويعبر بالرقص عما يريد أن يقوله..

فعلت مثله، وعبرنا
بأقدامنا وأيدينا وبطوننا، عما عجزنا عن قوله
بأفواهنا وكان الروسي هو البادئ
بالكلام فحدثني كيف حمل بندقيته وكيف امتدت الحرب، وكيف وصل العدو إلى
(نوفوروسيسك
) ، ولما عجزت عن متابعة حديثه صحت به (قف) فكف عن
الكلام ووثب واقفا وراح يرقص
كالمجنون. وراقبت يديه وقدميه وصدره وعينيه وفهمت كل شيء.. فهمت كيف دخل
الاعداء
(نوفوروسيسك) واعملوا فيها السلب وكيف أنشب النساء أظافرهن في وجوههن ثم في
وجوه
الرجال.. وأخيرا كيف استسلمن وأغمضن عيونهم لذة واستمتاعا .. كما هو شأن
النساء
جميعا..

ثم جاء دوري، ويبدو أن صديقي كان على جانب كبير من
الغباء، لأنني ما كدت
أنطق ببضع كلمات حتى صاح: (قف)، وذلك ما كنت أنتظره بفروغ صبر، وعلى الفور،
نهضت من
مكاني وأبعدت المقاعد والمواقد وأشرعت ارقص.. أواه يا صديقي.. ماذا أصاب
الناس وهوى
بمستواهم !! لقد أصيبت أجسامهم بالبكم فأصبحوا لا يتحدثون الا بأفواههم..
ولكن ماذا
تستطيع الافواه أن تقول؟ ليتك رأيت كيف كان الروسي يصغي إلى من رأسي إلى
قدمي. وكيف
تابع قصتي من بدايتها إلى النهاية!! لقد رقصت له متاعبي ورحلاتي وعدد
زيجاتي
والاعمال التي مارستها ، وكيف عملت تاجرا، وبائعا جائلا، وخزافا وعازفا على السانتوري وحدادا
ومهربا، وعاملا في المناجم، وكيف سجنت ثم هربت ووصلت الى

روسيا.

وعلى الرغم من بلادته وغبائه فقد فهم كل شيء.. فقد
تكلمت يداي وقدماي
بوضوح، كذلك تكلم شعر رأسي وثيابي، والخنجر الذي يتدلى من حزامي. وعندما
فرغت من
قصتي، أقبل صديقي يعانقني ثم ملأنا كؤوسنا بالفودكا وشربنا وبكينا وضحكنا،
وفي
المساء تقابلنا مرة أخرى.

أتضحك يا سيدي؟ ألا تصدقني؟ لعلك تقول لنفسك الان:
ما
هذه الخزعبلات التي يرويها هذا السندباد؟ وهل يمكن لانسان أن يتكلم بالرقص،
ولكني
أقسم لك أن الالهة والشياطين هكذا يتكلمون..

أراك تغالب النعاس، انك انسان رقيق تفتقر إلى النشاط
والحيوية، فاذهب إلى فراشك وغدا نستأنف حديثنا، ان لدي خطة.. خطة
رائعة سأحدثك عنها
غدا.. أما الآن فانني سأدخن لفافة تبغ أخرى، وربما ألقيت بنفسي
في ماء البحر.. ان
جسمي يتلظى ويجب أن أطفئه.. طابت ليلتك
.

وقضيت في فراشي وقتا
طويلا أعالج النوم ولا أظفر به؟ ووجدتني على الرغم
مني استعرض ما انقضى من أيامي
.. وقلت لنفسي: ان حياتي قد ذهبت سدى ، فليتني أستطيع أن أمحو بقطعة من القماش
كل ما
تعلمته وكل ما رأيته وسمعته، وان أذهب إلى مدرسة زوربا لأتعلم من جدد
الحروف
الابجدية الحقيقة، لو انني فعلت لتغير مجرى حياتي، ولتعلمت الجري والوثب
والمصارعة
والسباحة وركوب الخيل واطلاق النار، ولجمعت بين النقيضين الخالدين.. متعة
الروح
ومتعة الجسد.

وحانت مني التفاتة، فرأيت زوربا قابعا فوق صخرة
على الشاطئ كطائر
من طيور الليل، وحسدته..

انه هو الذي اكتشف الحقيقة وسلك اقوم السيل!

لو أنه
عاش في العصور البدائية لأصبح زعيم احدى القبائل
.. الرجل الذي يتقدم الصفوف ويشق
الطريق بفأسه..أما في هذا العصر الجاحد الذي نعيش فيه، فانه يتضور حول
المزارع
كالذئب الجائع..

ورأيته ينهض فجأة، ويخلع ثيابه، ويقذف بها على
الرمال، ثم يلقي
بنفسه في البحر..

وفي ضوء القمر الشاحب، رأيت رأسه الضخم يظهر
ويختفي وسمعته
ينبح كالكلب تارة ويصيح كالديك تارة أخرى..

وفي هدوء ، ودون أن أشعر، غلبني النعاس، فاستغرقت في
نوم عميق.. وعندما استيقظت في الصباح، رأيت زوربا واقفا أمامي
يبتسم ويهم بأن يجذب
قدمي ليوقظني
.

قال:

-
استيقظ ودعين أعترف لك بخطتي.. هل أنت مصغ إلي؟

-
نعم.

فجلس القرفصاء على الأرض، وراح يوضح لي كيف انه
سيقيم
سلكا هوائيا يل ما بين قمة الجبل والشاطئ، وبهذه الطريقة يمكن نقل الاخشاب
التي
نحتاج إليها في دعم جدران السراديب حتى لا تنهار على العمال. وما زاد عن
حاجتنا
نستطيع بيعه لاعمال البناء. وكنا قد قررنا استئجار غابة من اشجار الصنوبر
يملكها
المدير، ولكننا عجزنا عن استغلالها لقلة البغال وفداحة نفقات النقل، ولهذا
فكر
زوربا في مد سلك هوائي، واقامة سقالات من الخشب تنهض على أعمدة خشبية
وتنحدر من قمة
الجبل إلى الشاطئ.

قال بعد أن فرغ من شرح مشروعه:

-
هل توافق؟

-
أوافق يا
زوربا.

فأشعل الموقد واعد القهوة والقى غطاء على قدمي حتى
لا أصاب بالبرد، وقال
قبل أن ينصرف:

-
سنشق سردابا جديدة اليوم، فلقد عثرت على عرق فحم جديد.

وتناولت مسودات كتابي عن (بوذا)، وأخذت أشق
السراديب بدوري، وقضيت النهار
كله في الكتابة، وكلما فرغت من تدبيج صفحة، أحسست بمزيد من الحرية.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:09 pm

وشعرت بالجوع فتناولت بعض الزبيب
والخبز، وانتظرت ان يعود زوربا فيعود معه كل ما يبهج القلب
..
الضحكات البريئة، والكلمات الطيبة والطعام الشهي.

وجاء زوربا في المساء وأعد
الطعام، وأكلنا.. ولكنه كان مشغول البال، وما لبث
أن جثا على ركبته، وراح يغرس قطعا
من الخشب في الأرض، ثم شد خيطا فوقها، وحاول أن يجد الانحدار المناسب حتى
لا ينهار
التصميم كله.

قال موضحا:

-
اذا كان الانحدار شديدا، ضاع كل شيء.. يجب أن نجد الانحدار المناسب،
وهذا يتطلب مخا ونبيذا
.

فقلت ضاحكا:

-
لدينا الكثير من
النبيذ، أما المخ..

فجلس ليستريح، وأشعل لفافة تبغ وقال: الحق انك
ذكي.. ثم
استطرد بعد قليل قائلا:

-
اذا نجح هذا المشروع، استطعنا ان ننقل الغابة كلها.. وان ننشئ مصنعا لتحويل خشب الاشجار إلى أعمدة والواح وسقالات وغيرها،
وحينئذ تمتلئ
جيوبنا بالمال. فنبتاع سفينة ندور بها حول العالم.

وانطلق يتحدث عن النساء في
الموانئ البعيدة وعن المدن والاضواء والعمائر
الضخمة
.

قال:

-
لقد شاب رأسي،
وسقطت أسناني، ولم تبق أمامي فسحة من العمر، أما
أنت فانك ما زلت في ريعان شبابك
ولن يضرك ان تصبر، ويخطئ من يقول ان الشيخوخة تزيد الانسان اتزانا. وكيف
تتسم
تصرفات الانسان بالاتزان وهو يرى الموت مقبلا عليه؟! أتراه يمد له عنقا ويقول
له
: أرجوا أن تقطع عنقي لكي أذهب إلى الجنة!! انني كلما امتد بي العمر، ازددت تمردا.

وتناول (السانتوري) من مكانه على الجدار وراح
يحدثه بقوله
:

-
تعال
إيها الشيطان... لماذا تتدلى فوق الجدار ولا تقول
شيئا؟ دعنا نسمع غناءك
.

ولم أكن أضيق قط باسرافه في العناية بالآلة الموسيقية وبما يبدي من رقة ورفق
حين يخرجها
من غلافها. كما لو كان يزيل قشور ثمرة ناضجة من ثمار التين، أو غلالة رقيقة
عن جسد
امرأة فاتنة.

ووضع السانتوري على ركبتيه وانحنى فوقه، ولمس
أوتاره في رفق، كما
لو كان يسألها عن نوع النغمة التي تريد ان ترسلها، أو كما لو كان يرجوها أن
تستيقظ
لتؤنس وحشته، وعالج احدى الأغنيات ، ولكن الاوتار لم تخرد النغم المنشود،
فانتقل
إلى أغنية أخرى، ولكن الاوتار أخرجت صوتا أشبه بالحشرجة، كأنها لا تريد أن تغني.

وجفف زوربا العرق الذي تصبب فجأة على جبينه، وقال
وهو ينظر إلى السانتوري
في جزع:

-
انه لا يريد أن يغني.

ووضعه في غطائه بعناية، وأعاده إلى مكانه على الجدار، ثم ألقى ببعض
حبات الكستناء في النار، وملأ قدحينا بالنبيذ وقال
:

-
ثمة أشياء لا أفهمها يا سيدي، فهل تستطيع أن تجد لها تفسيرا؟ يخيل إلي في بعض
الاحيان
أن كل شيء في العالم له روح: الخشب والحجارة، والنبيذ الذي نشربه والأرض
التي نسير
عليها – أعني كل شيء بلا استثناء.

ورفع قدحه وقال:

-
نخب صحتك
.

وأفرغ
النبيذ في جوفه وقال:

-
هذه الدنيا بغي عجوز، أشبه ما تكون ببوبولينا.
فلما
أتمالك نفسي من الضحك.

قال:

-
اصغ إلي. ولا تضحك.. نعم، ان الدنيا بغي مثل بوبولينا.. وبوبولينا
عجوز، ولكن لها مفاتنها.. انها تعرف طريقة أو طريقتين لكي

تشدك إليها.. ولو انك أطفأت النور واحتويتها بين
ساعديك لخيل إليك أنها صبية في
العشرين.

-
ولا ضرورة لأن تقول لي أنها تجاوزت مراحل النضج،
انها استمتعت
بالحياة بطريقتها، وعاشرت الاميرالات والبحارة والجنود والفلاحين والممثلين
والقسس
والرهبان ورجال البوليس والقضاة والاساتذة والتلاميذ.. ولكن ماذا في ذلك؟
انها تنسى
بسرعة، ولا يمكن ان تذكر أحدا من عشاقها القدامى. وحين تكون معها يحمر
وجهها خجلا
وتضطرب كما لو كانت ترى رجلا لأول مرة في حياتها.. ان المرأة لغز غامض،
وحتى لو
سقطت ألف مرة، فانها تنهض ألف مرة عذراء.. ولعلها تسأل: ولكن كيف يحدث ذلك؟
والجواب
هو: لأنها لا تذكر.

فقلت لأضايقه:

-
ولكن الببغاء تذكر.. انها تردد دائما اسما غير اسمك.. أفلا
يزعجك كلما حلقت في السماء السابعة أن تسمع الببغاء تصرخ في

كانافارو.. كانافارو؟؟ ألا تشعر وقتئذ برغبة في أن
تمسك بها وتدق عنقها؟ لقد آن لك
أن تعلمها أن تصيح زوربا.. زوربا.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:10 pm

فصاح وهو يضع يديه على أذنيه:

-
كلام فارغ!! ولماذا أدق عنقها؟
انني أحب أن أسمعها تردد هذا الاسم .. ان المرأة تضعها
فوق فراشها كل ليلة.. وللببغاء
الخبيثة عينان تبصران في الظلام، فلا اكاد أشرع في
مغازلة المرأة حتى تصيح الببغاء..
كانافارو.. كانافارو
..

وأقسم
لك انني أشعر
عندئذ كأن في قدمي حذاء طويلا، وكأن على رأسي قبعة مثلثة
الاركان تزينها ريشة
بيضاء، وكأن لها لحية حريرية تنبعث منها رائحة العطر..
ويخيل إلي أن مدافع بارجتي
ترسل آلاف القذائف من حولي.

وضحك
زوربا من كل قلبه، واغمض عينه اليسرى، ونظر إلي
باليمنى وقال:

-
معذرة
يا سيدي.. فانني على شاكلة جدي اليكسيس رحمه الله، فقد
كان بعد أن بلغ المائة من عمره يجلس
في المساء أمام باب البيت ليرقب الفتيات وهو في
طريقهن إلى البئر. وكان نظره قد ضعف
وأصبح لا يرى بوضوح.. فاذا مرت به الفتيات
دعاهن إليه، وسأل احداهن من أنت يا
بنية؟ فتجيبه بقولها: انا كسيينو، ابنة مستر
اندوني، فيقول لها: أحقا تقولين؟
اقتربي مني اذن ودعيني المسك.. تعالي ولا
تخافي.

وتقترب
منه الفتاة، فيتحسس وجهها ببط ولذة ، وتطفر الدموع من
عينيه.

وقد
سألته ذات مساء: لماذا تبكي يا جدي؟


فأجاب:

-
وكيف
لا أبكي يا
بني وأنا على أبواب القبر، وسأترك ورائي كل هؤلاء الفتيات
الفاتنات
.

وتنهد
زوربا
واستطرد قائلا:

-
كلما
تذكرت حديث جدي تمنيت لو ان جميع النساء الفاتنات يمتن
معي في ذات اللحظة.

ولكن
الفاجرات سيعشن بعدي، وسينعمن بالحياة بين أحضان رجال
آخرين، بينما أكون قد تحولت إلى تراب
تحت أقدامهن
.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
Admin
Admin
Admin
Admin


ذكر
عدد الرسائل : 2502
العمر : 48
تاريخ التسجيل : 21/01/2007

بطاقة الشخصية
المؤهل العلمي: جامعي
بدايتى مع الأنترنات: 2002
نوع الجوال: samsung E760

الرواية الكاملة : زوربا Empty
مُساهمةموضوع: رد: الرواية الكاملة : زوربا   الرواية الكاملة : زوربا Status10الجمعة يوليو 06, 2007 5:11 pm




الفصل السابع




جلسنا صامتين أمام الموقد حتى ساعة متأخرة من
الليل.. وأحسست مرة أخرى بأن السعادة

لا تكلف الا القليل: قدح نبيذ وكستناء مشوية،
وموقد حقير، وصوت تلاطم الأمواج.. هذه

هي العناصر التي يمكن أن تتألق منها السعادة ولا
شيء غيرها.. وكل ما ينبغي لكي تشعر
بأن هذه هي السعادة، هو أن يكون لك قلب راض ونفس قانعة.

سألت زوربا:

-
كم مرة
تزوجت يا زوربا؟

ولكنه لم يسمع سؤالي، ولعله كان في واد آخر لا يصل
إليه صوتي،
فمددت يدي إليهن ولمسته بأطراف أصابعي وكررت سؤالي:

-
كم مرة تزوجت يا
زوربا؟

وسمعني هذه المرة وأفاق من ذهوله وأجاب:

-
عم تبحث الآن؟ أو تظن أنني
لست رجلاً؟ لقد فعلت ما يفعله غيري من الرجال
وارتكبت (الحماقة الكبرى) .. انني
أسأل المتزوجين المعذرة.. ولكني هكذا اسمي الزواج.. نعم، لقد ارتكبت
الحماقة الكبرى
وتزوجت.

-
وكم مرة تزوجت؟

فحك زوربا رأسه بقوة وقال:

-
كم مرة؟ انني تزوجت
زواجا شريفا مرة واحدة، وزواجا نصف شريف مرتين،
وزواجا غير شريف الفين أو ثلاثة
آلاف مرة.

-
حدثني عن زيجاتك يا زوربا.. ان غدا الاحد وسوف
نحلق ذقوننا ونرتدي
خير ثيابنا ونذهب إلى بوبوليتا لنقضي وقتا طيبا.. والآن خبرني..

-
ماذا أقول لك؟
هذه امور لا تصلح موضوعا للحديث.. ان الزيجات
الشريفة لا طعم لها .. انها طبق خلو
من التوابل، والناس في قريتنا
يقولون: "ان اللحم الشهي، هو اللحم
المسروق" وزوجة
الانسان ليست لحما مسروقا.

أما الزيجات غير الشريفة، فكيف يمكن ان يذكرها الانسان، هل يمسك
الديك سجلا؟ ولماذا؟ انني كنت في شبابي احتفظ بخصلة من شعر كل
امرأة أتصل بها.. كنت
أحمل مقصا لهذا الغرض، وكنت أذهب إلى الكنيسة والمقص في

جيبي.. فنحن رجال على كل حال، ومن يدري ماذا يمكن
ان يحدث في أية لحظة
!

وهكذا
اجتمعت لدي مجموعة كبيرة من خصلات الشعر، منها
الأسود والأشقر والأحمر، وبعض خصلات
بيضاء. فماذا أصنع بها؟ لقد حشوتها في وسادتي وكنت أنام على الوسادة شتاء،
وأهملها
صيفا بسبب الحر، إلى أن انبعث منها رائحة كريهة فاحرقتها.

وضحك واستطرد
قائلا:

-
هذه الوسادة كانت سجل مغامراتي، وقد ضقت بها ذرعا
فاحرقتها.. ولم أكن
أتوقع ان تجتمع لي كل هذه الخصلات.. ووجدت أنها تزداد بسرعة مدهشة، فتخلصت
من
المقص.

-
وماذا عن زيجاتك نصف الشريفة يا زوربا؟

فتنهد وأجاب:

-
آه.. ان
لها سحرا خاصا.. وأولئك النساء السلافيات! أية
متعة! وأية حرية! انهن لا يسألنك
: أين كنت؟ أو لماذا تأخرت؟ أو أين قضيت ليلتك؟ انهن لا يلقين عليك أسئلة..
وأنت لا
تسألهن.. تلك هي الحرية!!

واحتسى قدح نبيذ، وراح يمضغ كستناءة ويتكلم قال:

-
كانت احداهما تدعى صوفنكا، والثانية تدعى نوسا..
وقد قابلت صوفنكا في قرية صغيرة
بالقرب من (نوفوروسيسك).

كان الوقت شتاءا، والثلوج تغطي الأرض، وكنت في
طريقي
إلى المنجم الذي أعمل ففيه، فتوقفت في القرية، لأن اليوم كان يوم السوق،
والرجال
والنساء يتوافدون من القرى للبيع والشراء، وكان هناك قحط، والناس يبيعون كل
ما
يملكون ليبتاعوا خبزا.

وفيما أنا أطوف بالسوق اذ وقع بصري على فلاحة شابة
تثب من
عربتها.

كان طولها ستة أقدام، ولها عينان زرقاوان كالبحر.
وفخذان مليئتان كفخذي
الفرس الولود.

وما أن رأيتها حتى جمدت في مكاني وقلت لنفسي
"مسكين أنت يا
زوربا.. كيف سيغمض لك جفن بعد أن رأيت فاتنة الفاتنات".

وسرت في أثرها، دون أن
أقوى على تحويل بصري عنها..


وقلت لنفسي: لماذا تذهب إلى المنجم أيها الأحمق المسكين! هذا هو
المنجم الذي يجب أن تعمل في سراديبه
!

وتوقفت الفتاة، وبدأت
تساوم، وابتاعت كومة من الخشب حملتها إلى عربتها..
وعندئذ رأيت ذراعيها.. وأي
ذراعين

ثم ابتاعت بعض الخبز وخمس سمكات أو ست وسألت: بكم
هذا؟ وذكر لها البائع
الثمن، ولم يكن معها نقود فمدت يدها إلى قرطها الذهبي لتقدمه ثمنا للخبز والسمكات.

ووثب قلبي بين ضلوعي.

هل أدع امرأة تتخلى عن قرطها.. عن حليها.. عن عطرها؟ اذا فعلت
المرأة ذلك فقل على الدنيا السلام! ومن يدعها تفعل ذلك يكون كمن
يجرد الطاووس من
ريشه.. هل يطاوعك قلبك على نتف ريش الطاووس؟
.

قلت لنفسي: كلا..
ذلك لن يحدث أبدا طالما زوربا على قيد الحياة!!

وفتحت كيس نقودي، ودفعت.

ولم يكن للنقد الروسي في ذلك الوقت أية قيمة، وكان في استطاعتك أن تشتري الفرس
بمائة
دراخمة يونانية والمرأة بعشرة دراخمات.

دفعت ثمن الخبز والسمك. فتحولت الفتاة، وصعدتني بنظرة من ركن
عينها. ثم تناولت يدي لتقبلها ولكن جذبت يدي، فهتفت

بالروسية:

-
سباسيبا.. سباسيبا.. أي شكرا.. شكرا.

ووثبت إلى العربة، وتناولت
عنان الجواد ورفعت سوطها فقلت لنفسي:

-
حذار يا زوربا.. انها ستفلت من بيد أصابعك.

وبوثبة واحدة ، كنت بجانبها في العربة، فلم تقل
شيئا، بل ولم تنظر
حولها.

واهوت بسوطها على ظهر الجواد، وانطلقت بنا العربة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alwaha.ahladalil.com
 
الرواية الكاملة : زوربا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 3انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الواحة :: الواحة المعلوماتية :: الكتب الإلكترونية-
انتقل الى: